هل فشلت جماعة الإخوان في توظيف منظمات العمل المدني لصالح أجندتها؟

هل فشلت جماعة الإخوان في توظيف منظمات العمل المدني لصالح أجندتها؟

هل فشلت جماعة الإخوان في توظيف منظمات العمل المدني لصالح أجندتها؟


19/12/2023

لطالما اعتمدت جماعة الإخوان على منظمات المجتمع المدني كإحدى أهم أدوات التنظيم للتأثير في المجتمعات العربية، وفي سبيل ذلك أنفقت مبالغ طائلة لتمويل وتأسيس العديد منها، كان أغلبها في الداخل قبل عام 2013، لكن تحولت إلى الخارج وتحديداً بين الولايات المتحدة وأوروبا للتحول إلى مراكز هجوم وتشويه ضد الدول التي سقطت فيها الجماعة إبّان هذا التاريخ، وربما السؤال الملح اليوم وبعد أعوام من توظيف تلك المؤسسات في الداخل والخارج: هل تحققت مآرب التنظيم أم فشلت كغيرها؟ 

لقد كان من اللافت خلال العام 2023 اعتماد الإخوان بشكل مكثف على سلاح الشائعات وملف حقوق الإنسان للضغط على الدولة المصرية، ولعبت المنظمات التابعة للجماعة بالخارج الدور الأكبر في ذلك، بادعاءات حول الوضع الحقوقي وأوضاع المسجونيين بالداخل المصري، وقد باءت جميعها بالفشل. 

عقود من انتفاع الإخوان من المجتمع المدني 

بحسب الدكتور هاني نسيرة، الباحث والأكاديمي المصري، في دراسة كان قد نشرها عبر موقع (ستراتيجيكس) المختص بالدراسات السياسية، أدركت جماعة الإخوان عبر تاريخها أهمية تصاعد دور منظمات المجتمع المدني، كوسيلة للحضور العام والفعالية السياسية وكأداة ضغط وتحشيد وتشبيك وتحالف وصناعة للصورة المدنية، وتفاعلت مع كل تنوع عايشته في مصر وغيرها، فنجحت في تأكيد حضورها في النقابات المهنية على اختلافها، كما اخترقت الجمعيات الخيرية والأهلية الأخرى، وأسست منظمات حقوق الإنسان الخاصة بها والتي تتبعها في الداخل والخارج، للتنديد والمعارضة للأنظمة والدفاع عن عناصرها والطعن على مؤسسات الدولة، وهو ما نشطت فيه خاصة بعد سقوطها في مظاهرات 30 حزيران (يونيو) عام 2013.

لطالما اعتمدت جماعة الإخوان على منظمات المجتمع المدني كإحدى أهم أدوات التنظيم للتأثير في المجتمعات العربية

وتتطلب قراءة واقع التمدد الإخواني داخل منظومة العمل الأهلي والمدني في مصر، وفق نسيرة، تتبع مسارات هذا الاختراق الناعم، الذي جرى عن طريق استغلال تراجع دور الدولة خاصة في القطاعات الخدمية والخيرية، وقدرة الجمعيات الدينية على جمع التبرعات وتدويرها وإقامة عدد من المشاريع التي تعني الفقراء، وخلال أزمات عميقة وعنيفة كأزمة الزلازل عام 1992 وأزمة السيول في مناطق البحر الأحمر وسيناء في التسعينيات وعام 2012، فقد نجحت الجماعة وغيرها من الجمعيات الإسلامية في ملء الفراغ الذي تركته وراءها الحكومة، في مجال الخدمات الاجتماعية والصحية وغيرها.

 

هاني نسيرة: أدركت جماعة الإخوان عبر تاريخها أهمية تصاعد دور منظمات المجتمع المدني، كوسيلة للحضور العام والفعالية السياسية، وكأداة ضغط وتحشيد وتشبيك وتحالف وصناعة للصورة المدنية، وتفاعلت مع كل تنوع عايشته في مصر وغيرها

 

يضاف إلى ذلك أنّه في فترة التأسيس الثاني لجماعة الإخوان المسلمين كان دور المساجد متاحاً، ولم يتم تنظيم بنائه بما كان بعد ذلك في أعوام، وكذلك تنظيم دوره وعدم استغلاله، وهو ما أجادت جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من الجماعات الإسلامية في توظيفه عبر السيطرة عليه، سواء في جمع التبرعات أو في ترويجها الإيديولوجي والدعوي، وتزايدت نسبة الجمعيات الأهلية الإسلامية حتى وصلت إلى 31.02%، واستمرت الزيادة في حقبة الثمانينيات، حتى وصلت إلى نحو 33.93%.

وكان الاختراق والهدف الأكبر لنشاط وتمدد الإخوان هو الجمعية الشرعية، كبرى الجمعيات الإسلامية في مصر، فقد نجح الإخوان في السيطرة على الجمعية عبر اجتذاب العديد من شيوخها وفاعليها، ودفع التابعين لها إلى صدارتها وقيادتها، مثل الشيخ عبد اللطيف مشتهري، والشيخ محمود عبد الوهاب فايد، وآخرين. 

خارطة منظمات الإخوان بالداخل 

بحسب نسيرة، يعتبر عام 2004 هو عام المنظمات الإخوانية؛ إذ أسست الجماعة منظمة (سواسية لحقوق الإنسان) ومنظمة (الكرامة) في جنيف، إضافة إلى تأسيس الجماعة لمؤسسة (كوميتي فور جيستس) في سويسرا كذلك، والتي يديرها أحمد ‏مفرح. 

تأسست منظمة (سواسية لحقوق الإنسان) الإخوانية عام 2004

وفي هذا السياق أيضاً تقرير للمركز المصري للفكر والدراسات عن التكتيكات التي تستخدمها جماعة الإخوان في اختراق مجتمع حقوق الإنسان، وهي:‏‎ ‎تأسيس‎ ‎منظمات‎ ‎تخضع‎ ‎لها‎ ‎ولا‎ ‎تتبعها‎ ‎تنظيمياً‏‎  ‎واختراق‎ ‎المؤسسات‎ ‎الحقوقية‎ ‎الدولية‎ ‎عبر‎ عناصرها‎، ‏‎و‎ابتزاز‎ ‎المنظمات‎ ‎بمظلوميتها‎ ‎التاريخية، ونسج العلاقات مع مؤسسي هذه المنظمات ومدرائها بما يسمح بتمرير المعلومات ‏التي يرغبون في إيصالها للرأي العام.‏

‏ذلك فضلاً عن مشاركة عناصرها بشكل مكثف في الاجتماعات الحقوقية الدولية، سواء ‏في المجلس الدولي لحقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، أو تنظيم اللقاءات ‏مع أعضاء الكونجرس الأمريكي أو البرلمان الأوروبي، وأيضاً توفير التمويل لأنشطة بعض تلك المنظمات بهدف السيطرة على أجندة ‏عملها.

خطة إحياء التنظيم عبر منظمات المجتمع المدني 

كشفت عدة تقارير مطلع العام الجاري عن مخطط إخواني استهدف عودة التنظيم إلى المشهد العام من خلال منظمات المجتمع المدني، لكن يبدو أنّ هذا التوجه قد فشل أيضاً، فبعد مرور ما يقرب من (12) شهراً من العمل الموجه ضد مصر وعدد من الدول العربية لم تنل هذه المؤسسات من استقرارها، ولم تنجح في تشويه صورتها لدى المجتمع الغربي، على حدّ تقدير مراقبين. 

 

هشام النجار: خطة إعادة بناء التنظيم الدولي للإخوان في أوروبا والولايات المتحدة ظهرت عبر إنشاء مراكز حقوقية ومؤسسات تختص بقضايا الحريات شديدة النخبوية، عبر قيادات شابة من أبناء القيادات

 

وفي هذا الصدد يقول الباحث المصري المختص بالإسلام السياسي والإرهاب هشام النجار، في مقال نشرته صحيفة (العرب اللندنية) في وقت سابق: إنّ خطة إعادة بناء التنظيم الدولي للإخوان في أوروبا والولايات المتحدة ظهرت عبر إنشاء مراكز حقوقية ومؤسسات تختص بقضايا الحريات شديدة النخبوية عبر قيادات شابة من أبناء القيادات، مثل محمد سلطان نجل القيادي الإخواني صلاح سلطان، كما أنّها معزولة عن الخطاب السائد الذي يتبناه قطاع واسع من شباب الجماعة داخل تيار الكماليين.

ويدور نشاط الكيان القيادي الجديد المشكل من أبناء القيادات حول كل ما يخدم الضغط على النظام المصري بهدف الإفراج عن آبائهم من القيادات المحبوسة من خلال اختراق بعض منظمات حقوق الإنسان الدولية، بينما يضع معظم شباب الجماعة في أولوياتهم إصلاح هيكل الجماعة التنظيمي ومحاسبة القيادات الفاشلة وتحسين أوضاع الشباب وأسرهم، بحسب النجار. 

ويرى النجار أنّ قادة التنظيم الدولي السابقين لم يحققوا النجاح المأمول في وقف تدهور نفوذ الإخوان في الغرب والحيلولة دون تعميم النهج الفرنسي والنمساوي في التعاطي من نشاطاته المريبة والمشبوهة، ولم ينجح هؤلاء القادة ممّن يُطلق عليهم "الحرس القديم" في الضغط على القاهرة عبر الهيئات والمؤسسات الغربية للإفراج عن قيادات وعناصر الجماعة، على الرغم من الإمعان في التزلف للغرب واستخدام خطاب حقوق الإنسان والحريات.

النجار: قادة التنظيم الدولي السابقين لم يحققوا النجاح المأمول في وقف تدهور نفوذ الإخوان في الغرب

في المقابل، من الصعب أن تنجح القيادات الشابة البديلة في اكتساب شرعية مثيرة للشكوك والخلافات حول الأهداف والقناعات الإيديولوجية.

أوروبا ما تزال ملاذاً آمناً

تشير دراسة صادرة عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات إلى أنّ جماعة الإخوان المسلمين والمنظمات المرتبطة بها تتلقى دعماً مالياً كبيراً من الموارد العامة من العديد من الدول الأوروبية، ويتم تقديم المساعدة للجمعيات الثقافية والمنظمات وترسل الدول الأعضاء تبرعات بملايين الدولارات إلى منظمات مثل الإغاثة الإسلامية.

وترتبط بعض الدول الأوروبية وجماعة الإخوان المسلمين بروابط وثيقة، ويتم استغلالهم كورقة سياسية في دول المنطقة والشرق الأوسط، واستغلال تأثير جماعة الإخوان المسلمين في الشرق الأوسط لشن حروب نفسية ودعائية.

وبحسب الدراسة فإنّ أحد الأسباب التي تجعل دول أوروبا لا تضع الجماعة على قائمة التطرف والإرهاب هو استثمار شبكة عمل الجماعة في دول المنطقة للحصول على المعلومات، وكذلك لتكون ورقة ضغط يمكن تحريكها لتهديد الأمن الداخلي لدول المنطقة.

وتلجأ الحكومات الأوروبية غالباً إلى دعم جماعة الإخوان المسلمين والجمعيات والمنظمات التابعة لها من أجل برامج التوعية وتعزيز الاندماج أو منع التطرف، وتخشى الحكومات الأوروبية من أن يساهم حظر أنشطتها في التحاق عناصرها بتنظيمات متطرفة، وفق الدراسة.

مواضيع ذات صلة:

مقربة من تنظيم الإخوان... ماذا تعرف عن أكاديمية الإمام مالك الدولية للعلوم؟

هل تنجح تونس في تجفيف المنابع المالية للإخوان؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية