هل يجرؤ بايدن على العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني؟

هل يجرؤ بايدن على العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني؟


كاتب ومترجم جزائري
17/01/2021

ترجمة: مدني قصري

من بين القضايا الخارجية الملتهبة التي ستواجه بايدن الذي سيتولّى رئاسة الولايات المتحدة، في 20 كانون الثاني (يناير) 2021 ؛ قضية العلاقات مع طهران؛ وهل تختار واشنطن العودة إلى الاتفاق النووي؟ وهل ستتمكن من تجاوز المقاومة الإسرائيلية والسعودية؟ هناك شيء واحد يبدو مؤكداً، وهو أنّه لن يتغيّر أيّ شيء أساسي في الملف الفلسطينيّ؛ حيث إنّ انحياز البيت الأبيض لفائدة السلطات الإسرائيلية ثابت في السياسة الخارجيّة الأمريكيّة.

اقرأ أيضاً: فرنسا: إيران تعمل على بناء قدرات نووية

في أوائل كانون الأول (ديسمبر)؛ روى كاتب العمود في صحيفة "نيويورك تايمز"، توماس فريدمان، مقابلته مع جو بايدن، الرئيس المستقبلي للولايات المتحدة؛ إذ تحدّث هذا الأخير كثيراً عن القضايا الداخلية بعد الركود الذي سيتركه دونالد ترامب كإرث، كما تناول القضايا الدولية، وخصوصاً الأولَوِيَّتين التاليتين: الأولى تتعلّق بعلاقات بلاده مع الصين. باختصار، الورشة ضخمة، ويريد بايدن أن يمنح نفسه الوقت الكافي لذلك. والثانية؛ وهي، في نظره مسألة ملحة، مسألة استئناف التواصل مع إيران.

يعتزم بايدن العودة، دون تردّد، إلى حيثيات ما تسمى بـ "خطة العمل الشاملة المشتركة" (JCPOA) التي تمّ توقيعها بالأحرف الأولى مع إيران، عام 2015، من طرف الولايات المتحدة، وخمس دول (فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة روسيا والصين)، والمتضمّنة القيود والمراقبة الدولية للإنتاج الإيرانيّ للمواد الانشطاريّة، ذات الاستخدام العسكريّ، وهي الاتفاقية التي تمنع إيران من تصنيع أسلحة ذرّية خلال الخمسة عشر عاماً القادمة، مقابل رفع تدريجيّ للعقوبات الاقتصاديّة الدوليّة المفروضة على الإيرانيين. وكانت هذه هي الصفقة التي ندّد بها ترامب ممّا أسعد قادة إسرائيل ودول الخليج العربي، قبل تصعيد العقوبات المالية على إيران بطرق غير مسبوقة.

أولويّة العودة إلى الاتفاقية

في البداية، أثار بايدن، بشكل إيحائيّ، فكرة العودة إلى هذه الاتفاقية، بطرح عدد من الشروط المسبقة، ومنها أنّه يتعيّن على طهران أن تتخذ الخطوة الأولى، هذا ما كان قد أعلنه في حملته، في 16 أيلول (سبتمبر) 2020، و"العودة إلى الاحترام الصارم للاتفاق النووي"، وكأنّ الولايات المتحدة ليست هي التي أدارت ظهرها لهذه الاتفاقية.

اقرأ أيضاً: هل ربطت واشنطن الصراع اليمني بالبرنامج النووي الإيراني؟

 يريد بايدن، على الخصوص، التفاوض، في الوقت نفسه، على تمديد فترة الحظر المفروض على الإنتاج الإيرانيّ لليورانيوم المخصّب، إضافة إلى تحديد صارم للصواريخ الباليستية التي في حوزة الإيرانيين، لكن بعد ستة أسابيع، يبدو أنه غيّر نبرة أقواله، بايدن لا يتخلّى عن حمل إيران على التفاوض بشأن قضية الصواريخ، لكنّ الرهان ذا الأولوية هو استعادة الثقة، الثقة في الكلمة الأمريكية التي يعرف أنّها ضعفت كثيراً في إيران.

هل يستطيع بايدن أن يفهم أنّ ما هو على المحكّ الآن ليس "السلام"، بل إنهاء الاحتلال المفروض على الفلسطينيين؟

لم يقل بايدن ذلك صراحة، لكنّه يعلم أنّه، حتى وإن كانت المقاربات السرّية مع طهران ربما تكون قد بدأت بالفعل، فلن تُفتَح أيُّة مفاوضات جادّة دون أن تُظهر الولايات المتحدة، أوّلاً، أن عودتها إلى اتفاقية 2015 ليست مجرد كلام.

اقرأ أيضاً: هل تدخل إيران النادي النووي؟

 يجب إتباع الأقوال بالأفعال، بدءاً من رفع العقوبات بشكل فعّال، ردّاً على فريدمان، الذي حثّه على أن يكون أكثر صرامة مع طهران، قال بايدن بصراحة: "انظر، هناك الكثير مما يقال عن الصواريخ الباليستية، خاصّة مجموعة كاملة من الأشياء التي يفعلها الإيرانيون، والتي تزعزع استقرار المنطقة، لكنّ أفضل طريقة لتحقيق نوع من الاستقرار في هذه المنطقة هو التفاوض حول القضية النووية أوّلاً"؛ لأنه إذا انضمت إيران إلى القنبلة الذرّية، وستنجز ذلك إذا لم يتمّ التوصّل إلى اتفاق، كما يعتقد بايدن، فإنّ خطر الانتشار النووي سيصبح مروّعاً، "إنّ آخر لعنة نحتاجها في هذا الجزء من العالم هي توسيع القدرة النووية".

إعادة تقييم العلاقة مع الرياض

من المؤكد أن الردّ السعودي والإسرائيلي على مثل هذا الطلب سيكون رفضاً غاضباً، لكن من خلال القيام بذلك؛ فإنّ الإيرانيين سيدقّون إسفيناً إضافياً بين إدارة بايدن وحليفَيها الإقليميين، وفي هذا الصّدد؛ بدأت فجوة تظهر بمجرد فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسيّة، استقبلها نتنياهو وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بقليل من الحماسة والدفء، منذ ذلك الحين، كما كتب عاموس هاريل، كاتب العمود العسكريّ في صحيفة "هآرتس": "يعمل نتنياهو عن طيب خاطر على إعادة الدفء إلى الأجواء مع اقتراب بايدن من البيت الأبيض"، وقد أرسلت إسرائيل، بموافقةِ القاهرة، غواصةً عبر قناة السويس، باتجاه الخليج العربي، وأكّد نتنياهو أمام طلاب مدرسة الطيران العسكرية أنّ إسرائيل ستمنع إيران، تحت كلّ الظروف، من امتلاك أسلحة نووية.

إذا كان بايدن مصمّماً على العودة إلى اتفاق مع طهران، فسيتعيّن عليه مواجهة الإسرائيليين؛ هل هو مستعد؟ ماذا سيقدّم لهم، إذا لزم الأمر، لإخضاعهم؟ يندرج بايدن ضمن تقليد كان فيه حزبه، أي الديموقراطيين، تاريخياً، الأكثر انحيازاً وتفضيلاً لإسرائيل في الولايات المتحدة، قبل تشكيل تحالف شبه انصهاري بين اليمين الجمهوري الأمريكي والراديكالي، سواء كان إنجيلياً أو قوميّاً، وبين اليمين الإسرائيليّ الاستعماريّ المتطرّف، وكلاهما ينموان بقوة في بلادهما.

اقرأ أيضاً: إيران تواصل "الابتزاز النووي" وتتحدى بايدن

حاول سلفاه الديمقراطيّان، بيل كلينتون وباراك أوباما، حلّ النزاع الإسرائيليّ الفلسطينيّ، لكن دون جدوى، ليس بسبب غياب الجهود؛ ففي الحالتين، منعت إسرائيل أيّ اتفاق، بحكم رفضها قبول وجود دولة فلسطينية في جميع الأراضي التي احتلتها، منذ حرب حزيران (يونيو) 1967، كان الرئيسان الديمقراطيان، في كلّ مرّة، يختاران عدم مواجهة الإسرائيليين.

اقرأ أيضاً: تجليات الصراع السياسي بين أجنحة النظام الإيراني حول الاتفاق النووي

هل يستطيع بايدن أن يستوعب أنّه بعد هذه الإخفاقات، وبالنظر إلى استمرار سياسة احتكار وتفكيك الأراضي الفلسطينية التي يمارسها الإسرائيليون بشكل منهجي، فإنّ "مفاوضات" بين شريكين غير متكافئين على جميع المستويات، والتي من شأنها أن تؤدّي إلى تعايش دولتين "تعيشان بسلام جنباً إلى جنب"، قد أصبح سراباً وهمياً؟

نهاية احتلال فلسطين

هل يستطيع بايدن أن يفهم أنّ ما هو على المحكّ الآن ليس "السلام"، بل إنهاء الاحتلال المفروض على الفلسطينيين؟ وإدراك أنّ هؤلاء ليس لديهم من سلاح آخر غير مجرّد وجودهم، فيما الإسرائيليون، بسبب الإفلات المتراكم من العقاب، متشبثون بعقلية استعمارية تمنعهم من أن يتصوّروا بأنفسهم أيَّ منظور آخر غير فرْض هيمنة أبدية على شعب آخر؟ باختصار؛ هل بايدن قادر على فهم أنّه لا يوجد سبب يدعو الإسرائيليين للانخراط من تلقاء أنفسهم في عمليّة تحقّق توازناً بين فكرة التسوية وفكرة المساواة في حقوق وكرامة الذين يضطهدونهم؟ كي يصلوا إلى هذا المستوى، لا بدّ من إجبارهم على ذلك بالقوة، وإلا فلن يتزحزحوا، بل سيواصلون تخريب أيّة صفقة محتملة، من خلال الادعاء بأنّ الفلسطينيين لا يريدون السلام، بينما يقرضون قرضاً كلّ يوم ما تبقى لديهم من حقّ في تقرير المصير.

هل يعي بايدن هذه الحقيقة؟ هل سيكون مستعدّاً لتغييرها؟ الأمر قليل الاحتمال، لم تتوقف حاشيته، خلال حملته، عن تكرار أنّه لن يمسّ تحت أيّ ظرف من الظروف، الدعمَ العسكريّ الأمريكيّ لإسرائيل (3,8  مليار دولار سنوياً، أي 3,1  مليار يورو، من إمدادات الأسلحة المجانية مرفوقة بإلغاء الديون)، وفي هذا الصدد؛ كتب عالم السياسة، بيتر بينارت، محرّر مجلة يهوديّة تقدّمية: "إذا كان الأمر كذلك، فهذا لا يعطي نتنياهو سبباً يُذكر لإعادة النظر في سلوكه الحالي إنّه أمر مقلق، بل ومخيف".

اقرأ أيضاً: "رجل الظل".. من هو العالم النووي الذي اغتيل في إيران؟

حتى الآن، كلّ الإشارات التي أرسلها بايدن ليست مطمئنة للغاية، صحيح أنّه قال إنّه سيعيد فتح التمثيل الأمريكي للفلسطينيين، وتمثيل منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وكلاهما أغلقهما ترامب، تماماً كما سيعيد دفع مساهمة الولايات المتحدة إلى الأونروا، وكالة اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة، لكنّ بايدن دافع أيضاً عن الاحتفاظ بالسفارة الأمريكية في القدس، وفوق ذلك، على الخصوص، لم يتحدث كثيراً عن الموضوع الإسرائيلي الفلسطيني، لا بدّ من القول إنّ هذه القضية، خلال عقد من الزمن، قد تراجعت بمراتب كثيرة في أولويات السياسة الدوليّة الأمريكيّة.

اختيار جريء لوزارة الخارجيّة

أخيراً، مع تعيين أنطوني بلينكن في وزارة الخارجية، لم يكن من السّهل على بايدن أن يكون أكثر لطفاً نحو الإسرائيليين، لقد أعلنت وزيرة الخارجيّة السابقة، تسيبي ليفني، من اليمين الوسط في عهد أرييل شارون، أنّ هذا الخيار هو "الأفضل" لإسرائيل، وقال دوري غولد، وهو أيديولوجي من اليمين الاستعماريّ، ومقرّب جداً من نتنياهو، إنّه "مطمئن"، بعد بيل كلينتون، الذي رفضه اليمين الإسرائيلي، وباراك أوباما، الذي كان اليمين يكرهه، ها هو جو بايدن، يبدو الآن، من خلال تسمية بلينكن، أكثر تفهّماً، فهو لم يبارك نقل ترامب للسفارة الأمريكية إلى القدس فحسب، بل قال بلينكن أيضاً إنّ "الحفاظ على اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل ودول الخليج... لدفع فاعلي هذه الدول ليكونوا مثمرين في جهود السلام الإسرائيلية الفلسطينية". هذا "التطبيع" بين إسرائيل والأنظمة الملكية في المنطقة قد بُني، من بين أمور أخرى، على الفكرة الإسرائيلية الخالصة، القائمة على مبدأ "السلام الاقتصادي" مع الفلسطينيين، على افتراض إقناعهم بالتخلي عن جميع المطالب السياسية.

على عكس جزء من الحزب الديمقراطي، الذي ظلّ يحرّر نفسه بشكل متزايد من "الرابطة الثابتة" مع إسرائيل، يجسّد بلينكن موقفه التقليديّ من القضية الإسرائيلية الفلسطينية، لقد أثبت هذا الموقف دائماً أنّه مفيد لأنصار الاستعمار، ممّا يضمن لهم الاستفادة من الإفلات من العقاب.

اقرأ أيضاً: كيف ستبدو سياسات بايدن حيال الملف النووي الإيراني؟

في الواقع؛ طوال حملة بايدن الانتخابية، أخبر بلينكن المنتديات اليهودية الأمريكية، مراراً وتكراراً، بـ "التزامه الثابت" بإسرائيل، وأضاف أنّه في حالة حدوث خلافات مع القادة الإسرائيليين، فإنّ بايدن "يؤمن بشدّة بضرورة إبقاء الخلافات بين الأصدقاء خلف الأبواب المغلقة"، ليس بلينكن هو الذي سيعامل إسرائيل كما عامل دولة أخرى هي أيضاً "صديقة" الولايات المتحدة: المملكة العربية السعودية؛ لأنّه في الوقت نفسه، أعلن بلينكن أيضاً: "سنراجع علاقتنا مع الحكومة السعودية، التي منحها الرئيس ترامب شيكاً على بياض لسياساتها الكارثية، بما في ذلك الحرب في اليمن، وكذلك مقتل جمال خاشقجي، وقمع المنشقين في بلادها".

خمسة أشهر لاتخاذ القرار

باختصار، يؤكّد بلينكن، الذي لعب دوراً رائداً في مرحلة الانتهاء من الاتفاق النووي مع إيران في عام 2015، أنه سيكون من الممكن بالنسبة له التوفيق بين إعادة الارتباط مع إيران، والحفاظ على المصالح الإسرائيلية، كما تراها إسرائيل، وبين تقييد الأمير محمد بن سلمان.

بعبارة أخرى؛ يريد أوّلاً طمأنة الكونغرس الأمريكي (غير المشروط تجاه إسرائيل، المعادي جداً لطهران، لكن أيضاً للرياض)، فهذا التصرّف يمكن أن يبني سياسة اتصال، لكن لا يبني دبلوماسية متماسكة.

محلل إيراني: بايدن أمامه خمسة أشهر فقط، حتى موعد الانتخابات في إيران، لتطهير العلاقة الأمريكية الإيرانية من الإرث الذي خلفه ترامب

الصعوبة الرئيسة التي يجب أن تواجهها إدارة بايدن هي أنّ التحالف الذي أقامه ترامب في الشرق الأوسط بين كلّ أولئك الذين يفكرون مثله، "بلدي أوّلاً"، يبدو أنّه قائم على مجتمع من المصالح القوية نسبياً، فهذا التحالف يضمّ دولاً عربية إلى جانب "إسرائيل"، التي لديها الكثير لتقدمه لأصدقائها الجدد، وفتح العديد من الأبواب لواشنطن لتوريد معدات متخصصة للغاية لمراقبة السكان إلكترونياً، فهذا التحالف أيضاً يبدو أكثر تماسكاً، وأسهل إعداداً من مشروع إعادة التوازن إلى علاقات القوى بين الأطراف الرئيسة في الشرق الأوسط.

ومع ذلك، يعتقد تريتا بارسي، وهو محلّل إيراني يعيش في الولايات المتحدة (وهو رئيس سابق للمجلس الوطني الإيراني الأمريكي)؛ أنّ بايدن أمامه خمسة أشهر فقط، حتى موعد الانتخابات في إيران، لتطهير العلاقة الأمريكية الإيرانية من الإرث الذي خلفه ترامب، فإذا تخلّى عن ذلك، أو إذا تعثّرت المحادثات، كما يقول، فإنّ هذه العلاقة "ستتدهور بشكل خطير، مما سيزيد بشكل كبير من احتمال نشوب حرب".

مصدر الترجمة عن الفرنسيّة:

orientxxi.info/magazine



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية