وعود الانتخابات الرئاسية الإيرانية: استعادة معادلة الردع مع إسرائيل

وعود الانتخابات الرئاسية الإيرانية: استعادة معادلة الردع مع إسرائيل


كاتب ومترجم جزائري
06/06/2021

ترجمة: مدني قصري

ستكون الانتخابات القادمة هي الأهم، حتى الآن، حيث تستعد الجمهورية الإسلامية لتغييرات هيكلية وثقافية.

عندما تستعدّ إيران لإجراء انتخاباتها الرئاسية الثالثة عشرة منذ عام 1980، تكثر وتزدحم التحليل حول معنى تلك الانتخابات وطريقة إجرائها، يبدو أنّ الإجماع العام هو أنّ "محافظاً" أو مؤيداً من الخطّ المتشدّد سيفوز، كما يتمنّى ذلك المرشد الأعلى الإيرانيّ، آية الله علي خامنئي.

ستعكس النتيجةُ الفورية والأداء اللاحق للحكومة الجديدة الإرادةَ للتغلب على 24 عاماً من التقلّبات السياسية في إيران، والتي بدأها الانتصار الانتخابيّ للإصلاحيّ، محمد خاتمي، عام 1997.

اقرأ أيضاً: بين مرشدين اثنين.. كيف يتشابه الإخوان وإيران؟

اكتسبت هذه الفرضية مكانةً واهتماماً منذ أن قام مجلس حراس الدستور، الهيئة المسؤولة عن فحص المرشحين للانتخابات، باستبعاد المرشحين الرئيسين، بمن فيهم الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد.

لكن إذا ما فاز محافظ، أو حتى مؤيد متشدّد، فإنّ هذا الافتراض ليس سوى الشجرة التي تخفي الغابة، فالانتخابات الرئاسيّة التي ستُجرى الشهر المقبل ستقوم على التعارض بين الإصلاحيين وتيار الرئيسيين، أكثر مما تتعلق بإعادة التوجيه الإستراتيجي العام للمؤسسة الحاكمة في البلاد.

القاضي الإيراني إبراهيم رئيسي يترشح لمنصب الرئيس في 15 مايو 2021 (طهران)

لن يقوم الرئيس الإيراني القادم فقط بتبسيط البيروقراطية الحكومية لجعلها أكثر كفاءة، بل من المرجّح أيضاً أن يتبنّى سياسة اجتماعية اقتصادية محلية تهدف إلى خلق إجماع وطني جديد ودائم حول القضايا الرئيسة، مثل العدالة الاجتماعية وشروط المشاركة السياسية.

في مجال السياسة الخارجية، فقد يحمّل الرئيس الإيراني الجديد مفاجآت، خاصة في مجال العلاقات الإيرانية الأمريكية، والتي قد توضع على أسس أكثر استقراراً في المستقبل غير البعيد.

وعود مفرطة

منذ عام 1997، اتّسم المشهد السياسي الإيراني بما يمكن وصفه بالتقلبات التي يمكن السيطرة عليها، والتي تنافس فيها الإصلاحيون والرئيسون بلا هوادة، للسيطرة على السلطات التنفيذية والتشريعية.

اتّسمت إدارة خاتمي الإصلاحية بوعود مفرطة لم يتم الوفاء بها بالشكل الكافي. وعلى الرّغم من أنّ هذا قد أدّى إلى بيئة ثقافية أكثر تساهلاً، فقد ثبت في النهاية أنّ هذه المكاسب غير مستدامة.

بعد 24 عاماً من عدم الاستقرار السياسي المسيطَر عليه، من المرجَّح أن يتفاعل الرأي العام الإيراني بشكل إيجابيّ مع الحكومة التي تعطي الأولوية للإصلاح الاقتصادي الحقيقي

لقد كافح فصيل الأصوليين، الذي تولى مقاليد السلطة صيف 2005، المعروف في ذلك الوقت باسم "المحافظين الجدد الإيرانيين"، لإعادة تأسيس خطاب ثوري حقيقي، بعد ثمانية سنوات من التراجع الأيديولوجي المزعوم.

هذا الفصيل الشعبوي الذي يقوده محمود أحمدي نجاد، انتهى به الأمر إلى عزل المؤسسة الحاكمة في ولايته الثانية (2009-2013 ، بعد انتخابات رئاسية متنازع عليها أثارت احتجاجات وأعمال شغب غير مسبوقة.

ملصق لإبراهيم رئيسي في طهران

كانت إدارة روحاني، التي استولّت على السلطة عام 2013، في جوهرها تحالفاً بين الإصلاحيين المتمركزين حول الدولة والنخب التكنوقراطية القديمة التي رعاها، في البداية، الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني.

على غرار الإصلاحيين الحقيقيين في أواخر التسعينيات، وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قدّّمت إدارة روحاني أيضاً وعوداً مفرطة، ولم يتمّ الوفاء بها، خاصة على الصعيد الاقتصادي.

اقرأ أيضاً: العراق: مجموعات جديدة تابعة للحرس الثوري الإيراني تقلق راحة واشنطن

أدّت إدارة الرئيس حسن روحاني، مسترشدةً بفلسفة اقتصادية ليبرالية جديدة،  إلى تفاقم بعض العيوب الهيكلية، وعدم المساواة في الاقتصاد الإيراني، والتي ظهرت، للمرة الأولى، في ظلّ رئاسة رفسنجاني (1989-1997).

في نهاية المطاف، خلقت إدارة روحاني، إضافة إلى عزل ناخبيها الأساسيين، وهو ما كان أكثر إثارة للقلق، بيئةً اقتصاديةً خطيرةً، تؤثّر في الغالب على الطبقات الاجتماعية والاقتصادية الأكثر ضعفاً.

عدد هائل من المرشحين المحتملين

تجلّى هذا الفراغ الخطير بوضوح من خلال التقنين المفاجئ للبنزين، وارتفاع الأسعار، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، ما أثار أعمال شغب واسعة النطاق في جميع أنحاء البلاد، ولا شكّ في أنّ الإجراءات العقابية المقترنة بسوء الإدارة الاقتصادية تثير مخاوف من عدم مبالاة الناخبين في انتخابات الشهر المقبل، والتي ستكون سابقة لافتة في الجمهورية الإسلامية.

تقليدياً، تشهد الانتخاباتُ الرئاسية إقبالاً كبيراً في إيران.

الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد

في الاستطلاع الأخير، في أيار (مايو) 2017، كانت نسبة المشاركة 70٪، وهو رقم يدعَم إلى حدّ كبير استطلاعات الرأي المماثلة في الدول الغربية، على سبيل المثال؛ كانت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، في تشرين الثاني (نوفمبر)، 66,9٪ فقط، وهي أعلى نسبة مشاركة منذ 120 عاماً.

لقد غذّت المشاركة الضعيفة نسبياً في الانتخابات البرلمانية الإيرانية، في شباط (فبراير) 2020، التكهنات بأنّ الانتخابات الرئاسية ستلقى استقبالاً شعبياً فاتراً وبالقدر نفسه.

اقرأ أيضاً: الدستور الإيراني في خدمة السلطة المطلقة

لكن هذا مردّه إلى تجاهل العلاقة الخاصة في الظاهر، بين الجمهور الإيراني والانتخابات الرئاسية، والتي أسفرت عن نتائج غير متوقعة في الأوقات الحاسمة.

كان هذا الاتجاه واضحاً بشكل خاص في الانتخابات الرئاسية، في أيار (مايو) 1997، التي أوصلت الإصلاحيين إلى السلطة رغم كلّ الصعاب، ثمّ في انتخابات حزيران (يونيو) 2005، التي تَوّجَت فصيل أحمدي نجاد.

من السمات المميزة للسباق الرئاسي لهذا العام هناك العددُ الهائل من المرشحين المحتملين الذين بادروا بتسجيل أنفسهم للسباق الرئاسي.

اقرأ أيضاً: انتخابات إيران: إعلان طاعة للنّظام و المرشد!

ومن بينهم، رجال يتمتّعون بخبرة واسعة في فيلق الحرس الثوري الإسلامي، لا سيما سعيد محمد، القائد السابق في مركز قيادة هندسة خاتم الأنبياء (GHORB) التابع للحرس الثوري، لقد تمّ استبعاد محمد من قبل مجلس حراس الدستور، الأمر الذي بدّد الأسطورة القائلة إنّ النظام يتطلّع إلى وضع رجل من فيلق الحرس الثوري الإيراني في المقرّ الرئاسي بشارع باستور.

كما انضمّ قائد سابق آخر لهذا التنظيم، وهو وزير النفط السابق رستم قاسمي، إلى السباق الرئاسي، قبل أن يسحب ترشيحه لصالح إبراهيم الرئيسي، المنافس الرئيسي في السلطة.

تكهنات الأدبيات الغربية

على الجانب الآخر من الطيف السياسي، قام الإستراتيجي الإصلاحي المخضرم مصطفى تاج زاده، وكذلك نائب رئيس روحاني والموالي له إسحاق جهانغيري، بتسجيل ترشيحهما أيضاً، لكن كلاهما تمّ استبعادهما من قبل مجلس حراس الدستور.

أدّى إقصاء رئيس المجلس المحافظ المتشدّد السابق، علي لاريجاني، إلى زيادة التكهنات بأنّ الانتخابات مصمَّمة حيث تكون غير تنافسية، بالتالي، إفساح المجال للمرشح الرئيس، رئيس القضاة إبراهيم رئيسي.

لكن لاريجاني الباهت لم يحظَ أبداً بفرصة مع الناخبين الإيرانيين، بسبب شخصيته الباردة، وعدم قدرته على حشد الجماهير.

تسعى مؤسسات الفكر والرأي الغربية، التي تفتقر إلى المعرفة المحلية، ولا تفهم حقاً السياسة الإيرانية، إلى إنشاء خطاب يستند إلى نتيجة محددة مسبقاً للاقتراع.

دعا آية الله خامنئي لحكومة "شابة"، لتولّي مقاليد البلاد. هذا لا يعني أن القائد يفضل رئيساً شاباً، نظراً إلى أنّ أيّاً من المرشحين السبعة المختارين ليس شاباً

لكنّ هذه الانتخابات ليست مسألة شخصيات بقدر ما هي مسألة إستراتيجية وسياسية.

سيتعيّن على المرشّح الناجح إقناع قادة البلاد وعامة الناس بأنّ لديه الوسائل لمواجهة التحديات التي تواجه البلاد.

من جهته، دعا آية الله خامنئي، مراراً وتكراراً، لحكومة "شابة"، ومن "حزب الله" لتولّي مقاليد البلاد. هذا لا يعني أن القائد يفضل رئيساً شاباً، نظراً إلى أنّ أيّاً من المرشحين السبعة المختارين ليس شاباً شكل خاص، لكن يجب على الرئيس القادم أن يفكر في وضعِ العناصر الشابة والثورية في دائرة الضوء، من خلال تكليفهم بملفّات تنفيذية رئيسة.

اقرأ أيضاً: خلال يوم واحد... حادثتان غامضتان تهزان إيران

وكما تمّت الإشارة إليه أعلاه، فإنّ التكهنات في الأدبيات الغربية بأنّ الحكومة المقبلة محكوم عليها بأنّ يهيمن عليها المتشدّدون والراديكاليون، ليست فقط مضللة على صعيد الحقائق، بل إنّها معرضة لأنّ تخفي الغابة.

النووي: التوصل إلى اتفاق قبل أغسطس

وفق ما هو منصوص عليه في توجيهات المرشد الأعلى، سيتعين على الحكومة المقبلة معالجة المهمة الصعبة المتمثلة في التخفيف من المشاكل الهيكلية للبلاد، بهدف إحداث تغييرٍ جيليٍّ في إدارة البلاد.

إنّ التماسك المؤسسي والشعور النفسي بالواجب الذي تتطلبه هذه المهمة الصعبة يبشران بالخير في مجال السياسة الخارجية، التي كانت في السابق مسرحاً لخلافات حادة على مدى السنوات الثماني الماضية بين الإصلاحيين والمعسكر الوسطي المتحالف مع روحاني ومعسكر الأصوليين.

لقد تمّ إبراز حجم وخطورة هذه المعركة الداخلية، من خلال التسجيل الصوتي المسرب لوزير الخارجية، محمد جواد ظريف، الذي اشتكى فيه من المنافسة الشرسة من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في مسائل السياسة الخارجية.

يتمثّل التّحدي الرئيسي للحكومة القادمة في هذا الصدد هو إعادة إطلاق الاتفاق النووي، مع استمرار المحادثات في فيينا، حيث تتفاوض الولايات المتحدة وإيران بشكل غير مباشر، من خلال روسيا والصين والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا.

اقرأ أيضاً: كيف سيتعامل بايدن مع وصول أقصى اليمين الإيراني إلى الحُكم؟

يبدو أنّ إدارة روحاني المنتهية ولايتها حريصة على إبرام اتفاق قبل أن تغادر الساحة رسمياً، في آب (أغسطس)، وذلك فقط لضمان إرثها بصفتها الحكومة التي تفاوضت في البداية على الاتفاق النووي، التي أبقته على قيد الحياة رغم كلّ المصاعب، بعد الانسحاب الأحادي للولايات المتحدة، 2018، قبل استئناف التفاوض أخيراً بشأن إحيائها.

ومع ذلك، فمن المرجّح أن تنظر الحكومة الإيرانية المقبلة بعين قاتمة لإعادة إطلاق الاتفاقية إذا هي لم تُلَبِّ توقعات إيران، خاصة فيما يتعلق بتأكيد رفع العقوبات الرئيسة التي تستهدف قطاعات الطاقة والموارد المالية للبلاد.

اقرأ أيضاً: تنافس روسي إيراني على الكعكة السورية... الأهداف والوسائل

بل وقد تصل إيران إلى التفكير بأنّها تستطيع العيش بدون اتفاق نووي شامل، واختيار ترتيبات معيّنة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والقوى العالمية.

فيما وراء الاتفاق النووي، سيكون أحد التحدّيات الملحّة للحكومة المقبلة هو استعادة معادلة الردع مع إسرائيل، بعد عمليتين تخرييَّتين إسرائيليَّتين ضدّ موقع تخصيب اليورانيوم في "نطنز" في غضون تسعة أشهر، واغتيال العالم النووي البارز محسن. فخري زاده، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020 .

يمكن أن يبدأ الردّ ضدّ إسرائيل في سوريا تحديداً، حيث تسعى إيران إلى تعزيز مكاسبها بعد الحرب في سياق الجهود المكثفة المبذولة من قبل إسرائيل، والتي ما تزال غير مثمرة حتى الآن، بهدف الحدّ من الوجود المتنامي للجمهورية الإسلامية في بلاد الشام.

على نطاق أوسع من ذلك، ستسعى إيران أيضاً إلى إصلاح معادلة الردع مع الولايات المتحدة، بعد اغتيال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني ، في كانون الثاني (يناير) 2020.

قد تساعد إعادة التوازن هذه في وضع العلاقات الإيرانية الأمريكية على أسس أكثر استقراراً مع تغيّر ميزان القوى في غرب آسيا.

فقط حكومة منسجمة تماماً مع المؤسسة الحاكمة في البلاد والحرس الثوري الإسلامي، وحدها قادرة على تحقيق مثل هذه الإنجازات في السياسة الخارجية، وسينتج عن ذلك، أنّ العالم الخارجي سيواجه في السنوات القادمة مؤسسة حاكمة إيرانية أكثر وحدة وثقة، ستتمتع بدعم شعبي أكبر.

بعد 24 عاماً من عدم الاستقرار السياسي المسيطَر عليه، والمتميز بالصراع بين الفصائل، ومنها في بعض الحالات المصطنعة، من المرجَّح أن يتفاعل الرأي العام الإيراني بشكل إيجابيّ مع الحكومة التي تعطي الأولوية للإصلاح الاقتصادي الحقيقي داخل البلاد والدفاع عن هيبتها في الخارج.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

www.middleeasteye.net/fr

الصفحة الرئيسية