ولكن الصداع الإيراني سيستمر

ولكن الصداع الإيراني سيستمر


08/12/2021

فاروق يوسف

إن حققت مفاوضات فيينا اختراقا على مستوى احياء الاتفاق النووي الإيراني فذلك ليس معناه أن المنطقة في طريقها لأن تتشافى من الصداع الإيراني.

لقد أسس الخميني منذ أكثر من أربعين سنة نظاما سياسيا مزعجا ولا يمكنه سوى أن يكون كذلك. كل عناصر بنيته النظرية والعملية وكل أهدافه الواقعية والمتخيلة وكل علاقاته المبنية على أساس طائفي أو نفعي قائمة على الاصرار على ازعاج الآخرين وعدم تفادي الصدام به.

وما لم يتخلص ذلك النظام من عقدة تصدير الثورة التي وضعها الخميني في قمة هرم واجبات الجمهورية الإسلامية فإن إيران ستظل تشكل خطرا على السلام والأمن العالميين.

تلك دولة شريرة. حين انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق وبدأت بفرض عقوبات اقتصادية عليها لم تصبح سياستها الخارجية أفضل مما كانت عليه يوم كانت الولايات المتحدة ملتزمة بذلك الاتفاق ولم تكن العقوبات بهذا الثقل.

ذلك ما يجعل الأمور على درجة كبيرة من اليأس فيما إذا كان احياء الاتفاق سيجعل إيران تعيد النظر في حساباتها السياسية وبالأخص في ما يتعلق بدورها في المنطقة.

بالنسبة لإيران فإن المنطقة تحولت إلى ملف يجب أن يبقى مطويا وليس من مصلحة أحد من الراغبين في وجود اتفاق نووي أن يُفتح. وقد أكون متشائما إذا ما قلت إن وجهة النظر الإيرانية في ما يفكر فيه الغرب بطريقة انتهازية صائبة وتكاد أن تقترب من الواقع. ذلك لأن العقل السياسي الأوروبي يريد هو الآخر أن يتخلص من الصداع الإيراني. لا بأس أن تكون المنطقة هي ثمن تلك المحاولة.

ولأني متشائم من رغبة الغرب في أن يعيد إيران إلى حجمها الطبيعي فقد صرت أتوقع أسوأ السيناريوهات. كأن تنفتح خزائن المصارف الحكومية الغربية لتعويض إيران عما خسرته أثناء مرحلة الحصار الاقتصادي الأميركي. فكرة خرافية غير أن الانتهازية السياسية تسمح بها. 

لم يضق صدر الغرب بالمناورات الإيرانية. بحيث لم يشعر أحد بالاستغراب من أن دولة مثل إيران لم تكن على عجلة من أمرها ولم تسابق الريح من أجل توقيع الاتفاق الجديد رغبة منها في إنهاء العقوبات التي يعرف الجميع أنها الحقت بالاقتصاد الإيراني أضرارا بالغة وخفضت سعر صرف التومان الإيراني مقابل العملات الرئيسة.

لو كانت إيران تعرف أنها ستَضرب مثلما ضُرب العراق وهو الذي لم يكن يملك عشر ما تملك من أسلحة لكانت قد مشت مثل النملة خشية أن لا يقع الحائط عليها. ولكن ما يحدث وما سيحدث لن يتجاوز حرائق وانفجارات في مجمعات ملحقة بالمشروع النووي. قد تؤدي تلك الحرائق إلى تأخير العمل فيه غير أنها لن تقتلعه كما حدث مع مفاعل تموز العراقي عام 1981. لقد سبق الإيرانيون في محاولة تدمير المفاعل العراقي غير أنهم فشلوا. لم يكن التنسيق بين الطرفين واضحا.

تلك حقيقة يمكنها أن تشكل علامة شؤم مضافة.

واقعيا قد لا تكون إيران هي العدو بالنسبة لإسرائيل. ليست فكرة منطقية في ظل كل ذلك الاهتمام الإسرائيلي بمباحثات فيينا وما يمكن أن ينتج عنها ناهيك عن أن الشبهات أحاطت بإسرائيل باعتبارها المسؤولة عن احراق أجزاء من المنشآت النووية ومراكز البحوث كما أن إسرائيل تسللت إلى الذاكرة النووية الإيرانية وسرقت كل ملفاتها.

ولكن ذلك لم يؤثر على عمليات تخصيب اليورانيوم. إيران تتفاوض اليوم كما لو أن شيئا من مشروعها لم يُمس. وقد يكون ذلك واقعيا. ولكننا ما بين أن نصدق أن إيران تكذب وهي دولة عاجزة عن اختراق حدود ما هو مسموح لها من التجارب النووية وبين أن نقتنع بفرضية أن الغرب لا يقيم وزنا لمصير المنطقة في ظل الهيمنة الإيرانية ويسمح لإيران بأن تفرض أجندتها السياسية على دول صارت تابعة لها سوف نعقد صفقة مع الشيطان من أجل التعرف على النوايا الحقيقية التي تستند إليها الرغبة في إبرام الصفقة الجديدة مع إيران.

لقد سلم الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما المنطقة إلى إيران بل ومولها بأكثر من تسعين مليار دولار لتتمكن بها من تسليح ميليشياتها في العراق واليمن وسوريا ولبنان. اليوم إذ تتعرض تلك الميليشيات للانهيار فهل سيكون الاتفاق الجديد محاولة لإنقاذ المشروع الإيراني؟

يبدو أن الشرق الأوسط الجديد هو وصفة ليس من نتائجها التخلص من الصداع الإيراني. الأسوأ أن يعتبر العالم ذلك الصداع نوعا من تجليات المنطقة الفلكلورية.

عن "ميدل إيست أونلاين"

الصفحة الرئيسية