متحف مصري للتسامح يسرد التكامل بين الأديان لمحاربة التطرف

متحف مصري للتسامح يسرد التكامل بين الأديان لمحاربة التطرف


20/08/2018

مي أشرف


أثارت تصريحات خالد العناني، وزير الآثار المصري مؤخرا، حول تكليف لجنة لإنشاء أول متحف للتسامح الديني بالعاصمة الإدارية الجديدة شمال شرق القاهرة، الكثير من النقاشات حول جدوى إنشاء متاحف بذريعة تعزيز التسامح بين الأديان، في وقت ينتشر فيه التطرف في مصر، ولم تستطع الحكومة القضاء عليه وتقديم أفكار مبتكرة لمحاربته مجتمعيا. وتعددت الآراء بين مؤيد للفكرة ومطالب بالاقتداء ببعض الأمثلة المختلفة حول العالم.

تمتلك مصر مجموعة من المتاحف الإسلامية والقبطية، التي تضم رموزا ووثائق ومقتنيات لعصور مختلفة، في بلد تناوب على حكمه قادة ينتمون إلى حضارات كثيرة، وينتمون إلى عهود متباينة. ولم تحظ غالبية المتاحف بالتركيز على فكرة التسامح، لأن ما تحويه داخلها كان يعبر عن جانب تاريخي، أكثر منه جانبا يعكس روح المودة وسيادة التسامح بمعناه الأشمل والذي تريد مصر تعميمه.

تظل أزمة تحقيق مؤاخاة حقيقية بين الأطياف المجتمعية أزمة عميقة تواجه دولا كثيرة في العالم. ورغم المحاولات المستمرة لخلق منظومة قائمة على التسامح، لكن يبقى الخلاف الديني والمذهبي والعرقي مادة قابلة للاشتعال في أي وقت.

مع صعود الإرهاب في المنطقة وتفشي الصراعات في بعض الدول العربية، باتت أغلبها تضع على عاتقها ضرورة تنفيذ آليات سريعة لوقف التطرف القائم على أساس ديني. وتدرك حكومات عدة أن الحل الجذري للمسألة يكمن في تعزيز التسامح بكافة صوره لمواجهة التشدد في النفوس والعقول، لأن نتاجه المزيد من الضحايا وانتشار الكراهية.

وارتأى البعض أهمية قصوى للعمل على نشر ثقافة تحض على قبول الآخر، ووجدوا أن التعريف بثقافات الديانات المختلفة مدخل جيدا لهذا الهدف. لكن كيف يمكن لجانب ثقافي هام، مثل المتاحف التي تحتوي على آثار تاريخية، أن يعزز الحوار المجتمعي ويسمح للمزيد من التسامح بين الأديان؟

بعض الانتقادات توجه للمتحف لاستخدامه الوسائط المتعددة بشكل مفرط للتأثير على مشاعر الأطفال والتلاعب بها

يسخر البعض من المحاولات المصرية إنشاء متحف بهذا الشكل، وقالوا هي صورة نمطية ساذجة لتحقيق وحدة وطنية بين المسلمين والأقباط بالأساس في ظل احتقانات مجتمعية تظهر من حين إلى آخر، ويصف آخرون هذا التصرف بأنه تقليد سطحي للغرب الذي اعتاد منذ الحرب العالمية الثانية إنشاء متاحف تدعو إلى التسامح الطائفي والديني والمذهبي في أغلب العواصم لتعزيز السلام المجتمعي.

يختلف أستاذ الآثار بجامعة الفيوم سيد لاشين، مع الآراء التي تقلل من شأن متاحف التسامح قائلا “ليست مجرد مخازن لحفظ الآثار، لكنها مشروع ثقافي قائم بذاته، يشمل تعريف الجمهور بآثار بلاده وإطلاق ندوات ثقافية وإقامة مهرجانات فنية، والأهم إحداث شعور وجداني بعظمة الأثر المعروض”.

وأضاف لـ”العرب” أن علم المتاحف بات مختلفا عن السابق، ويعتمد في الأساس على طريقة العرض المبهرة والمميزة، مثل المتاجر الكبيرة التي تبحث عن الاهتمام بالزبون (المشتري)، من خلال وضع الأثر وترتيبه وعلاقته بالمعالم التي تسبقه وتليه، ما يضفي تغيرا سيكولوجيا على الحضور، وتعزيز أنماط مختلفة من المشاعر، أبرزها الانتماء والتوحد والفخر والاعتزاز.

ويقول لاشين إن فكرة إنشاء متحف يجمع بين الآثار اليهودية والمسيحية والإسلامية تفرض شعورا حقيقيا بالمؤاخاة بين أبناء الأديان الثلاثة، وتكشف للجمهور أن الأديان السماوية امتداد لبعضهم، وليست في علاقة ندية، بل تكاملية، والآثار المعروضة أكبر شاهد على ذلك.

ويشمل المتحف المصري الجديد قطعا أثرية تعود إلى حضارات مختلفة، مثل الفرعونية واليهودية والقبطية والإسلامية، وستكون متجاورة ومتناسقة لتعبر عن امتداد الأديان وتسامحها على مر العصور.

لا تعد تجربة إنشاء المتاحف بهدف التأكيد على أهمية التسامح فكرة جديدة، فهناك قائمة طويلة بمتاحف تخلد ذكريات مرتبطة بحوادث وقضايا عرقية ودينية بغرض بعث رسائل مضمونها نبذ العنف والتطرف الديني، والتحذير من المخاطر التي تنطوي عليها هذه التصرفات. ولا تخلو الكثير من العواصم والمدن الأوروبية من متاحف مرتبطة بالتسامح الديني، خاصة عن اليهود، بعد المعاناة التي قيل إنهم واجهوها في أثناء تواجدهم في المعسكرات النازية خلال الحرب العالمية الثانية.

ويعد المثال الأبرز لأشهر متاحف التسامح، متحف لوس أنجلس بالولايات المتحدة، والذي تم إنشاؤه عام 1993، ويعتمد بشكل رئيسي على استخدام الوسائط المتعددة لعرض أمثلة على العنصرية والتحيز بكل أشكالهما من جميع أنحاء العالم.

رغم المحاولات المستمرة لخلق منظومة قائمة على التسامح، يبقى الخلاف الديني مادة قابلة للاشتعال في أي وقت

ويعرض المتحف الكثير من الأعمال العنصرية الوحشية وجرائم الكراهية والتمييز التي ارتكبت على مدار التاريخ الحديث، بغرض التحذير منها.

يستقبل المتحف مئات الآلاف من الزوار سنويا، نسبة كبيرة منهم من الأطفال في مراحل دراسية مختلفة. ويعد القسم الأكثر شهرة هو المعني بـ”الهولوكوست”، حيث ينقسم الزوار إلى مجموعات لأخذ مكانهم الخاص في محاكاة لأحداث الحرب العالمية الثانية. ثم تتم مناقشة هذه التجارب بعد ذلك، ما يزيد من تفاعل الزوار مع الأحداث لكونهم جزءا منها.

ويعد المتحف من أهم المؤسسات التعليمية التي تستخدمها منظمات حقوق الإنسان الأميركية بالتعاون مع وزارة التعليم لعرض قضايا التسامح بشكل شيق وممتع للأطفال. وبإمكان الطفل أن يتعرف إلى تاريخ البلاد والأديان المختلفة ويرى مساوئ التمييز العنصري بشكل يمتد أثره مع الطفل وأسهل كثيرا من قراءة نفس الأحداث في كتب المدرسة بشكل جاف.

ويضم المتحف قسما يناقش قضايا التمييز في الحياة اليومية، ويعرض مجموعة من الوثائق والمحفوظات تظهر مدى تغلغل تلك الممارسات في حياتنا. كما يوجد قسم خاص لتوثيق فترة حركة الحقوق المدنية الأميركية من خلال اللوحات التي تعرض فصل الأشخاص الملونين في الأنشطة الرياضية وبرامج الفنون والمحاضرات.

وتوجه بعض الانتقادات للمتحف لاستخدام الوسائط المتعددة بشكل مفرط للتأثير على مشاعر الأطفال والتلاعب بها. ويستخدم المتحف مسرحيات سريعة وأفلاما ومعارض تفاعلية يتم التحكم فيها بواسطة التكنولوجيا في محاولة لإحداث تأثير عاطفي على الزوار، يعكس درجة التسامح الكبيرة.

يبدو متحف التسامح في لوس أنجلس أحد الأمثلة التي يمكن لمصر أن تأخذ منها العبرة والدروس، علاوة على الاستفادة من الانتقادات الموجهة لبعض أساليب إدارة المتحف. وفي حالة مصر، يمكن استغلال العديد من التحف النادرة والآثار، ما يجعل من فكرة المشروع الجديد فرصة لا تعوّض لوضع البلاد على خارطة الدول المهتمة بنشر ثقافة التسامح.


عن "العرب" اللندنية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية