اجعلوا أخلاق الصائم بينكم طوال العام

اجعلوا أخلاق الصائم بينكم طوال العام

اجعلوا أخلاق الصائم بينكم طوال العام


09/04/2024

لبنى الهاشمي

لشهر رمضان أفضال لا تعدُّ ولا تُحصى، لعلَّ أهمها أن صوم رمضان يرفعك إلى منزلة ترتقي بها إلى أخلاق الـمتّقين، وذلك لأن الغاية من عبادة الصوم هي تزكيه النفس، وتطهيرها من أمراضها القلبية؛ للحصول على ثمرة الصوم "لعلكم تتقون".
والصوم يورث التقوى لما فيه من طاعة وعبادة، وإن الرحمة الإلهيَّة التي تتنزل في هذا الشهر المبارك إنما منشؤها أنه شهر الله، فهو وحده سبحانه الذي يوزع الغنائم لمن أراد أن يحصد الزاد من الخير والثواب والمغفرة، فإن أبواب القبول في هذا الشهر أرجى؛ إذ ترقُّ فيه القلوب، وتستنير النفوس بنور الله وفضله ورحمته، فالصيام رياضة لمجانبة شهوات النفس؛ لما له من أثر كبير في تنوير القلب، ولأن الشبع أصل القسوة والغفلة والكسل عن الطاعة.
وللصيام ضوابط والتزامات ومحاذير؛ فرُبَّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، فلا يحصل له أي شيء من بركات الصوم، ولا تظهر عليه آثار التلذذ بمناجاةِ ربه، وتلاوة ذكره، ونشاط جوارحه في العبادة، والانكسار بين يديه سبحان وتعالى؛ لأنه يرسل جوارحه في المعاصي، ولا يحفظ لسانه عن الكذب والغيبة، ولا عن الخوض فيما لا يعنيه؛ فيفسد بذلك صومه، ويضيع تعبه، وهو ممن غلب عليهم الشقاء والخذلان، وممن عظمت جرأته على الله، وسمح لنفسه بفوات الربح وتكاسل عن اغتنام هذه التجارة التي لا تبور؛ فاستوجب الحرمان والطرد من رحمته، أعاذنا الله وإياكم أن نكون منهم.
وإنَّ بركة الصوم وفضله تتجاوز الفرد ليمتدَّ أثرها إلى المجتمعات؛ لأن مجتمعًا يتمتع بملكة التقوى، ويغذيها بالتواصل مع الأرحام بالبرِّ والصدقة، والتقرب إلى الضعفاء، هو مجتمع حيزت له جميع الخيرات والفضائل، ونجح بالتكافل أن يكون مجتمعًا صالحًا ليس بين أفراده ضغائن أو أحقاد.
وإنّ جوهر القضيَّة يكمن في أننا قادرون على تحقيق هذا السير إلى الله في شهر العطايا والمنح، فطريق الله قريب المسافة في رمضان، ما دمنا نعقل ونقبل على شهر رمضان بالوعي لفضله، واقتناص فرصة الفرار الى الله في شهر الله، فنرتقي إلى العرفان الروحي لكي تظهر علينا آثار الصيام وأنوار القيام؟!
والحقيقة أن أقصر الطرق إلى الله ما كان فيها إدراك وتمعُّن؛ لأنَّ المسلم الحكيم هو من تسترعي انتباهه كلُّ المعاني الخفيَّة، والمقاصد العليا من الشعائر والعبادات؛ فإنَّ الله تعالى لا يقبل أن يكون المسلم جاهلًا أو غافلًا عن شؤون الحياة، فما بالك في أمور الآخرة، وإن تأدية الشعائر الظاهريَّة بدون تعقُّل ولا تدبر لا تؤتي ثمارها من القبول؛ لأنّ الله يُعبَد بالعلم وبالتفكُّر، وبالفهم والتدبُّر، سواء في الصلوات والعبادات والنُّسك، أو في التأمُّل في ملكوته وآياته.
لا يرضى الله تعالى لعباده أن تكون فرائضه لا تحقق لهم درجة التقوى، والصيام هو الوسيلة المثلى للوصول إلى التقوى، فالتقوى هي أن يكون الإنسان في جميع أعماله وسلوكه في حالة مراقبة عالية، ليصل الى مرحلة المراجعة مع النفس، فيسألها دومًا: هل هذا العمل موافق لرضا الله والأوامر الإلهيَّة أم لا؟ هذه الحالة من المتابعة والحذر والمراقبة تسمو بالنفس الإنسانية إلى الغاية التي من أجلها كان الصوم وهي التقوى.
في رمضان يظهر أثر التسابق في الخير والمسارعة في البذل العطاء، وهذه من أروع الأمثلة في اغتنام دقائق العمر في طاعة الله، وطرد روح العجز، وإبعاد التواني والكسل، والاستكثار من الأعمال الصالحة في شهر تتضاعف فيه الحسنات.
رمضان انتهى فلا تقولوا وداعًا لهذا الشهر، بل عليكم أن تجعلوا أخلاق الصائم وأعماله الصالحة رفيقًا لكم طوال أعوامكم وأعماركم، وثمرة الصوم التقوى وهو يشحذ الهمم للطاعات، فالصوم جائز في غير رمضان، والصلاة فريضة والقرآن فريضة والأعمال الصالحة لها ثوابها الجزيل في رمضان وفي غير رمضان.
كل عام وبلادنا قيادة وشعبًا بكل خير ورفعة وازدهار وسؤدد.

عن "موقع 24"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية