لماذا أصبحت أزمة المياه في العراق ورقة ضغط بيد تركيا؟

لماذا أصبحت أزمة المياه في العراق ورقة ضغط بيد تركيا؟


30/12/2020

غالباً ما تؤدي التحدّيات العديدة المستمرة في العراق، بدءاً من الاضطرابات السياسية و"COVID-19"، إلى الانخفاض الحادّ في أسعار النفط، وعودة ظهور داعش، تلقي بظلالها على الحالة غير المستقرة لموارد المياه في البلاد، على الرغم من أنّ نقص المياه يؤدّي إلى تفاقم العديد من هذه المشكلات.

اقرأ أيضاً: تركيا تنقل الصراع خارج أراضيها وتعبث بالسيادة العراقية

 وأظهرت دراسات قدّمها باحثون عراقيون، أنّ الحصول العادل على المياه أمر حيوي لدعم التعافي بعد الصراع الطويل، لأجل التنمية المستدامة والسلام الدائم في العراق؛ حيث إنّ وفرة المياه تدعم الصحة العامة، وإنتاج الغذاء، وسبل العيش الزراعية وتوليد الطاقة.

 وأصبحت المياه العذبة في العراق أكثر ندرة، مما يزيد من التوترات الاجتماعية، والفضل في ذلك يرجع إلى الاعتداء التركيّ الإيرانيّ على موارد المياه العذبة في العراق.

الصراع على منابع المياه

يتوقّع الخبراء أن يتضاعف عدد سكان العراق، البالغ 40 مليون نسمة، بحلول عام 2050،  في حين أنّ تأثيرات تغيّر المناخ، وانخفاض هطول الأمطار وعدم انتظامه، وارتفاع درجات الحرارة، والجفاف لفترات طويلة وشديدة، ستزيد من تفاقم مشاكل المياه، بينما يحذّر خبراء، عراقيّون ودوليّون، من استمرار عدم الاستقرار في العراق، ما لم يتم التعامل مع أزمة المياه التي طال أمد إهمالها.

عندما اندلعت الاحتجاجات المناهضة للحكومة، في تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، تجدّدت مطالب العراقيّين بالإصلاحات السياسية والاقتصادية وإنهاء الفساد والنفوذ الأجنبي مع دعوات لتحسين الخدمات الأساسية، من المياه والكهرباء.

اقرأ أيضاً: هل ينجح الكاظمي في تخليص العراق من الفساد والميليشيات؟

وخلال الاحتجاجات، أقامت مؤسسة "حماة دجلة"، وهي منظمة غير حكومية محلية تعمل على حماية التراث الطبيعي للعراق، خيمة في ساحة التحرير ببغداد لربط الحقّ في المياه العذبة بالنضال الأوسع من أجل حقوق الإنسان، وأعلن حينها، المدير التنفيذي للمنظّمة، سلمان خير الله، أنّه، وزملاءه، أرادوا تشجيع الناس على التفكير في الشكل الذي يمكن أن يبدو عليه مستقبل العراق من خلال الإدارة الجيدة للمياه، وتقليل التلوث وزيادة المساحات الخضراء.

تركّز منابع مياه الدولة السورية والعراقية في تركيا قد يكون ورقة بيد أنقرة، كي تحاول تعويض ما فاتها بعد تفكّك الدولة العثمانية

ويعتمد العراق على نهرَي دجلة والفرات، اللذين ينبعان من جنوب شرق تركيا، ويجلبان الكمية الأكبر من المياه، لكنّ تدفقاتها التي كانت وفيرة في السابق، وتضاءلت بنسبة 30 % منذ الثمانينيات من القرن الماضي، ويرجع ذلك إلى السدود ومشاريع الري في تركيا وسوريا، ومؤخراً، بناء السدود على الروافد الرئيسة لنهر دجلة في إيران، ووفق بيانات وزارة الريّ والموارد المائية في العراق، تتوقع الحكومة انخفاضاً إضافياً، بنسبة تصل إلى 50%، بحلول عام 2030؛ إذ إنّ عدم وجود اتفاق قانوني ملزم لتقاسم المياه، بين الدول المشاطئة، يترك العراق في أقصى مجرى النهر ضعيفاً سياسياً، مع القليل من النفوذ الإقليميّ والإستراتيجيّ، لصالح الحفاظ على حقّه التاريخيّ والقانونيّ في المياه.

اقرأ أيضاً: تركيا تقصف 8 مناطق شمال العراق بعد زيارة الكاظمي... تفاصيل

ورغم كلّ هذه الأسباب التي نزل العراقيون لأجلها، قوبلت جهود المتظاهرين بقمع عنيف، فيما أعلنت منظمة العفو الدولية أنّ أكثر من 600 شخص قتلوا على أيدي قوات الأمن، في الفترة من  تشرين الأول (أكتوبر) 2019 وحتى كانون الثاني (يناير) 2020.

تاريخ الفساد

نقص المياه لم يكن وليد اللحظة الراهنة، بل نتيجة عقود من الحروب والعقوبات الدولية في عهد صدام حسين، فضلاً عن الإهمال وسوء الإدارة من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة، التي تركت البنية التحتية للمياه في حالة سيئة.

 ووفق ما كتب مدير مشروع "مجموعة الأزمات الدولية" من أجل العراق ولبنان وسوريا، بيتر هارلينغ، في صحيفة أورينت، فإنّ ما يقدر بثلثي مياه الشرب التي يتمّ ضخّها عبر شبكة العراق، تتسّرب قبل أن تصل إلى مستخدميها النهائيين"، كما يهدر العراق المياه في الزراعة؛ حيث يخصّص 85% من موارده المائية لقطاع الزراعة، الذي يستهلك في المتوسط ​​70% فقط من موارد المياه العذبة في جميع أنحاء العالم.

الباحث العراقي علاء إدريس لـ"حفريات": منابع المياه في منطقة الشرق الأوسط، من أهم التحديات الإقليمية، لأنّها قادرة على إطالة أمد الصراع كما تهدد البيئة

وقدّم الباحث العراقي، المتخصص في دراسات الأنهار والسدود بجامعة الموصل، الدكتور مازن فضيل، دراسة بعنوان "تقاسم مياه نهر دجلة بين العراق وتركيا: أزمات تاريخيّة وعوائق سياسيّة واقتصاديّة"، شرح من خلالها أنّ نهر دجلة يعاني مشكلات عديدة، بسبب احتجاز مياه بحيرة سدّ الموصل، إلى جانب السياسة التركية الحالية، الساعية إلى التحكم في كميّة المياه، من خلال إنشاء العديد من السدود على نهر دجلة، قبل دخول المياه إلى الأراضي العراقية، هناك أيضاً السدود التركيّة على طول النهر بسعة تصل إلى 300 مليون متر مكعب، وسلسلة سدود مشروع جنوب الأناضول، والتي ما تزال قيد الإنشاء، وهناك بضعة سدود صغيرة تبنيها تركيا، ستؤثر، لا محالة، في سرعة تذبذب المياه.

اقرأ أيضاً: تركيا تحتاج إلى زيارة الكاظمي أكثر من حاجة العراق... لماذا؟

ستغيّر هذه السدود، بلا شكّ، شكل النهر، الذي بدأ بالفعل في التحوّل، وانخفض منسوب المياه فيه بشكل يمكّن المشاة من عبوره، وكأنّه بركة صغيرة، مع نمو الطحالب والنباتات الضارة على جانبيه، وهو ما ينذر بتفشي الأمراض والأوبئة بين العراقيين.

حروب من نوع خاص

ويرى الباحث العراقي في علم الأنثربولوجي، الدكتور علاء إدريس؛ أنّ منابع المياه في منطقة الشرق الأوسط، صارت من أهم التحديات الإقليمية في القرن الـ 21، وهي تعدّ من أخطر الملفات، لأنّها قادرة على إطالة أمد الصراع لأطول فترة ممكنة، كما أنّها تهدد البيئة بشكل مباشر قبل أن تهدد الإنسان.

 الباحث العراقي في علم الأنثربولوجي، الدكتور علاء إدريس

يقول إدريس لـ "حفريات": "أشارت المؤسسات الدولية في عدّة تقارير سابقة؛ إلى أن تركّز منابع مياه الدولة السورية والعراقية في تركيا قد يكون ورقة بيد النظام، كي يحاول تعويض ما فاته من خلال تفكّك الدولة العثمانية، وأيضاً إفلات منابع الطاقة من بين يد نظامهم، والتي كانت تقع تحت سيطرة العثمانيين.

تحاول تركيا في الوقت الراهن التمسّك بورقة المياه من جانب، وتتطلع من خلال ذلك إلى  تبادل المياه بالنفط، لأنّ أزمة المياه ليست مرتبطة بالدولة التركية والعراقية، لكنّ تركيا تتطلع كي تكون مصدر مياه لدول الخليج، وأن تقايض دول الخليج العربي بالمياه، وأن يصل عائد المياه لخزائن الدولة التركية، نسبة أكبر من عوائد النفط الخليجي".

اقرأ أيضاً: تحليل: إيران من دون العراق ستكون معزولة

وقرّر رئيس الوزراء العراقيّ، مصطفى الكاظمي، خلال الشهر الجاري، أن يفوّض وزير الموارد المائيّة، مهدي الحمداني، للتفاوض على ملفّ المياه، أسوة بما فعل الجانب التركيّ، كما تمّ التوصّل إلى اتفاق مع الجانب التركيّ لعقد اجتماع، في الخامس عشر من كانون الثاني (يناير) 2021، للتفاوض حول بروتوكول التعاون في مياه نهر دجلة، والمقدم من قبل وزارة الموارد المائية والمقترن بموافقة مجلس الوزراء، والذي يضمن  الحصص المائية للعراق في نهر دجلة الرئيس.

يستكمل إدريس: "أيضاً، وجود إيران في قضيّة المياه، له تأثير كبير، والسؤال ينبغي أن يكون؛ هل تُسهّل إيران التي تسيطر على العملية السياسية في العراق الأمر لتركيا، حتى تصبح الأراضي العراقية معبراً للصادرات التركية إلى دول الخليج؟ خاصةً أنّ الجغرافيا السياسيّة لإيران أوسع من العراق، والتعامل مع إيران له موانع عديدة، قد تكون أفضل من الدولة التركيّة؛ لذا هناك بعض العوائق التي نرى أنّ إيران تلعب فيها بالأوراق السياسيّة، كي تقف في وجه تطبيق نوع من تسهيل التعامل التجاريّ بين الدّولتَين".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية