ماذا وراء التحوّل في المشهد السياسي بتركيا؟

ماذا وراء التحوّل في المشهد السياسي بتركيا؟

ماذا وراء التحوّل في المشهد السياسي بتركيا؟


06/04/2024

طارق العليان

قال المحلل التركي روبرت إليس، تعليقاً على الانتخابات المحلية التي جرت يوم الأحد الماضي، إن الشعب التركي صوّت انطلاقاً من أوضاعه المالية.

ازداد العجز في الموازنة التركية سبعة أضعاف

ضربة قوية لأردوغان

وأضاف إليس في مقال بموقع "ناشونال إنترست": كانت نتيجة الانتخابات ضربة قوية للرئيس رجب طيب أردوغان الذي استهل مسيرته السياسية كرئيس لبلدية إسطنبول في عام 1994.

وكان قد أنشأ صندوقاً لتمويل حزب العدالة والتنمية في عام 2001 وضمن فوزه في الانتخابات العامة التي جرت في عام 2002.

وهكذا وحتى فوز إمام أوغلو، ظل حزب العدالة والتنمية مسيطراً على إسطنبول منذ عام 2004، ومع استحواذ البلدية على 30% من إجمالي الناتج المحلي للبلد، فإن مقولة "من يفوز بإسطنبول يفوز بتركيا" تظل صحيحة.

وفي شهر مايو  الماضي، مُنع إمام أوغلو من الترشح واستُبدل به زعيم حزب الشعب الجمهوري (آنذاك) كمال كيليتشدار أوغلو، الذي كان أردوغان واثقاً من هزيمته. 

وتابع الكاتب: "ينبغي ألا ننظر إلى نتيجة يوم الأحد بالاستحواذ على 51% من الأصوات لصالح إمام أوغلو مقابل 40% لمنافسه من حزب العدالة والتنمية مراد كوروم بمعزل عما سواها".

في العاصمة أنقرة، ألحق رئيس البلدية الحالي من حزب الشعب الجمهوري منصور يافاش هزيمة ساحقة بمنافسه من حزب العدالة والتنمية، مستحوذاً على 60% من الأصوات.

ونجح حزب الشعب الجمهوري في تأمين 14 بلدية من أصل 30، بما في ذلك كبرى البلديات التركية: إسطنبول وأنقرة وإزمير وبورصة وأنطاليا وأضنة، مقابل 12 بلدية لحزب العدالة والتنمية.

انتصارات حزب الشعب الجمهوري

وحقق حزب الشعب الجمهوري مكاسب في 35 من أصل 81 ولاية في تركيا (مقابل 24 ولاية لحزب العدالة والتنمية)، وحصل بشكل عام على 37% من الأصوات مقابل 35% لحزب العدالة والتنمية.

وبنظرة سريعة على الخريطة الانتخابية يتأكد لنا أن انتصارات الحزب الجمهوري تتركز في غرب تركيا ومناطق بحر إيجة والساحل الجنوبي، فيما تتركز مكاسب حزب العدالة والتنمية في منطقة البحر الأسود والمناطق الداخلية بإقليم الأناضول.

وفي المقابل، تركزت انتصارات حزب المساواة وديمقراطية الشعوب المؤيد للأكراد في جنوب شرقي البلاد. 

وأعلن الرئيس أردوغان، خلال خطابه الذي ألقاه من شرفة مقر حزب العدالة والتنمية في أنقرة، أن الفائز الأول في الانتخابات هو الديمقراطية التركية، واعترف بأن حزب العدالة والتنمية وحليفه حزب الحركة القومية لم يحصلا على النتيجة المرجوّة و"فقدا مكانتهما"، قائلاً إن أجهزة الحزب ستقيّم هذه النتائج. واختتم بملاحظة متفائلة حيث قال إن النصف الثاني من العام سيشهد نتائج اقتصادية أفضل، خاصةً فيما يتعلق بالتضخم.

تراجع اقتصادي

وقبل انتخابات مايو (أيار) من العام الماضي، كان الدولار الواحد في تركيا يعادل 20 ليرة، محافظاً على قيمته بفعل تدخلات غير مباشرة، أما الآن فيساوي 32 ليرة.

وأدت حملة أردوغان غير التقليدية ضد أسعار الفائدة، التي اعتبرها "أب وأم كل الشرور"، إلى إزالة الكابح ضد حدوث تضخم متسارع والوصول إلى سعر فائدة قياسي عند 8.5%.

والآن بعد انتخابات مايو الماضي، ومع إعادة محمد علي شيمشك إلى منصب وزير المالية، تم رفع سعر الفائدة إلى 50%، وبالتالي فتعيينه في هذا المنصب يشبه في فعاليته إغلاق باب الإسطبل بعد فرار الحصان بزمن طويل.

واستند أردوغان في نجاحه الانتخابي إلى النمو الاقتصادي المستمر. وقبل عشر سنوات، حذر الخبير الاقتصادي الأميركي جيسي كولومبو من أن الاقتصاد التركي الذي يشهد مدّاً وجزراً، والذي يعتمد على تدفقات "الأموال الساخنة" الأجنبية وأسعار الفائدة المنخفضة للغاية، يتجه نحو حالة من الركود.

وفي الفترة من عام 2019 إلى عام 2020، استُخدم ما يقدر بمبلغ 128 مليار دولار لدعم سعر صرف الليرة، ووفقاً لحسابات بلومبرغ، أُنفقت 128 مليار دولار أخرى في الفترة من ديسمبر(كانون الثاني) 2021 إلى مارس (آذار) من العام الماضي.

وتسببت هذه الإجراءات في استنفاد رصيد البنك المركزي التركي من احتياطيات النقد الأجنبي، وأسفرت عن إبرام صفقات مقايضة مع قطر والصين وكوريا الجنوبية والإمارات لتجنب الانهيار.

البحث عن فرص استثمارية

وبدلاً من الخضوع لوصاية صندوق النقد الدولي، قام أردوغان في يوليو (تموز) الماضي بجولة في دول الخليج تضمنت ثلاث محطات بحثاً عن فرص تجارية واستثمارية. وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فعل محمد شيمشك الشيء نفسه؛ ولهذا السبب تعتبر الاتفاقيات التجارية عنصراً مهماً في عملية التقارب مع اليونان ومصر على سبيل المثال.

وعلى الرغم من أن وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية رفعت التصنيف الائتماني لتركيا إلى B+ مع نظرة مستقبلية إيجابية في مارس (آذار) من العام الجاري، إلا أنها حذرت من أن هناك ديوناً خارجية بمبلغ 226 مليار دولار تستحق السداد خلال الأشهر ال12 المقبلة، مما يترك تركيا عرضة للتغيرات في معنويات المستثمرين.
وقبيل الانتخابات المحلية، تعهد أردوغان بجعل تركيا واحدة من أكبر عشرة اقتصادات في العالم، قائلاً: "سنضمن حصول كافة أبناء شعبنا على النصيب الذي يستحقونه"، لكن في الوقت نفسه، اعترف أمام حشد انتخابي آخر بأن الزيادات الأخيرة في الحد الأدنى للأجور والمعاشات التقاعدية فشلت في مواكبة وتيرة التضخم.
ووفقاً لتقدير رسمي، ارتفع معدل التضخم السنوي في تركيا إلى 67% في فبراير (شباط) الماضي، لكن وفقاً لشركة أبحاث التضخم المستقلة ENAG، فإن هذا المعدل وصل إلى 122%.

في عام 2023، ازداد العجز في الموازنة التركية 7 أضعاف مقارنة بالعام السابق، ويعزى هذا بلا شك إلى الهبات الحكومية المصممة على حشد مزيد من الأصوات في الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي جرت في مايو من العام نفسه، وثمة عامل آخر يتمثل في الزيادة القياسية في مخصصات رئاسة الشؤون الدينية (ديانت) والصندوق التقديري للرئيس.

واختتم الكاتب مقاله بالقول إن سوء إدارة الاقتصاد كانت القوة المحركة وراء النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات المحلية، ويظل السؤال مفتوحاً: إلى أي مدى سيؤدي هذا إلى تغيير سياسي؟

عن موقع "24"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية