أمراء الحرب الأفغان.. كلمة السر وراء عودة طالبان

أمراء الحرب الأفغان.. كلمة السر وراء عودة طالبان


04/11/2021

ترجمة: علي نوار

أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن في نيسان (أبريل) الماضي أنّ القوات العسكرية ستكون قد انسحبت من أفغانستان بحلول أيلول (سبتمبر) من العام الجاري. أثار هذا التصريح المخاوف من استيلاء حركة طالبان بالقوة على الحُكم. وفي العلن، بدت الحكومة الأفغانية متفائلة وأكّدت أنّ البلاد قادرة على احتواء طالبان بدون دعم عسكري خارجي. لكن انعدام الثقة تفشّى على جميع الأصعدة. وبدأ الحديث يتطرّق بلا مواربة في بعض الدوائر إلى "مرحلة مقاومة ثانية" ضد طالبان.

ردود فعل متضاربة

كانت الإدارة الأمريكية على دراية بالخطر المُحدق، لذا سعت نحو إبرام اتفاق في اللحظات الأخيرة. إلّا أنّ الرئيس أشرف غني بدا واثقاً من قدرة الجيش الأفغاني على التصدّي لطالبان، رافضاً فكرة تقاسم السلطة مع الحركة. وكان غني يراهن على أنّ تقدّم طالبان وجمود المفاوضات سيجبر واشنطن على تأجيل الانسحاب. ووفقاً للرواية الرسمية لكابول فإنّ خروج القوات الدولية سيسهم في إنهاء النزاع وانتفاء قضية الجهاد ضد الكُفّار.

بيد أنّ الجميع لم يكن ينظر للمشهد بالقدر ذاته من التفاؤل. ففي نفس يوم إعلان بايدن قراره، صرّح رئيس مجلس النواب الأفغاني مير رحمن رحماني من مقر المجلس أنّ انسحاب القوات الأجنبية يمهّد الطريق لاندلاع حرب أهلية مثلما حدث قبل وصولها للسلطة في المرّة الأولى. الشيء اللافت للاهتمام هنا هو أنّ رحماني لم يكن يحذر من انتصار محتمل لطالبان، بل كان يشير إلى تجدّد القتال المُسلّح.

 

اقرأ أيضاً: حركة طالبان تحذر من موجات جديدة من النزوح لهذا السبب

وبالنسبة لكابول، فإنّ انتصار طالبان لم يكن خياراً وارداً، بل احتمالاً كان القليلون للغاية يعتقدون بإمكانية حدوثه.

وعلى غرار ما شهده عام 2014، حين انتقلت مسؤولية الأمن إلى السُلطات الأفغانية، ظنّ الكثير من الأفغان أنّ التراجع الهائل في قوام القوات الدولية سينتج عنه تجدد النزاع المُسلّح. وفي الحالتين، كان يُعتقد أنّ مسألة بقاء النظام تعتمد كُلّية على الدعم الأمريكي وصلابة قوات الأمن الوطنية الأفغانية. والآن وفي 2021 سيكون اختفاء القوات الأمريكية وفشل القوات الأفغانية عاملاً حاسماً في رسم مستقبل البلاد. إضافة إلى ذلك، فقد طفا إلى السطح عامل جديد ألا وهو تنسيق وإدارة المجموعات المناهضة لطالبان.

أمراء الحرب يعودون إلى المشهد

في حزيران (يونيو) 2013 تولّت الحكومة الأفغانية وقوات الأمن الوطنية بشكل كامل مهام الأمن في جميع أنحاء أفغانستان، ليتحقّق هدف مهمّ للغاية. ورُغم الحملة الشرسة التي شنّتها طالبان وقتها، لم تتراجع القوات الأفغانية أو تخسر أي أراضٍ، بل وامتلكت زمام المبادرة، في البداية على الأقل، وأنجزت نتائج باهرة على الأرض. وكان التخوّف في ذلك الحين هو من حدوث انقسام داخلي في صفوف القوات الوطنية لأسباب عرقية، الأمر الذي لم يحدث في نهاية المطاف.

الرئيس السابق حامد كرزاي كشف خلال مقابلة مع مجلّة "دير شبيجل" الألمانية في 22 آيار(مايو) الماضي "نعمل حالياً في أفغانستان على توحيد الصفوف وتنظيم المقاومة"

ونتيجة لغموض المشهد، نفّذ أمراء الحرب البارزين من ذوي النفوذ في النظام السياسي الأفغاني مناورات لتعزيز سطوتهم تحسّباً لأيّ تصوّر وعملوا على تقوية مواقعهم المحلية. وبالفعل بدأ زعماء تاريخيون لكنّهم لا يزالوا نشطين، مثل إسماعيل خان وعبد الرشيد دستم وشير محمد أخوند زاده ونور محمد عطا في التحرّك بهدف تأمين معاقلهم ووضعوا أشخاصاً موالين لهم في إدارة هذه المناطق. وأصبحت الشرطة المحلية، وهي في الحقيقة جماعات شبه شرطية تتكون من السكان المحليين، تتمتع بتمويل حكومي.

بالتالي، وبداية من 2014، أخذ قُدامى أمراء الحرب في استرداد نفوذهم وإعادة تسليح الميليشيات التابعة لهم وتعزيز قواعدهم الشعبية، ليظهروا من جديد في صورة خطر محتمل على استقرار البلاد. إلّا أنّهم وجّهوا رجالهم المسلحين لتعضيد سلطتهم، وبناء شيء أشبه بقوة عسكرية لمجابهة طالبان.

أمراء الحرب وعملية السلام

وبدا أنّ الاتجاه لتسليح الميليشيات تتزايد وتيرته مع قرب عودة طالبان للحُكم مرّة أخرى، وكذلك انقطاع الدّعم العسكري الدولي، وبالطّبع رضوخ الحكومة الأفغانية لمطالب الحركة في إطار عملية السلام. لكن النتيجة المتوقّعة لكلّ ذلك ستكون على الأرجح حكومة ذات تمثيل كبير لطالبان وعودة "إمارة أفغانستان الإسلامية". وفي جميع الأحوال، كان هناك اعتقاد وقتها بأنّ وجود مُعارضة قوّية تواجه حكومة قوّية سيؤدّي إلى انهيار النظام السياسي خاصّة في شمال وغرب البلاد، وشيوع النمط الإقطاعي وتجدّد الصراعات العرقيّة. وإزاء هذا المشهد، ظهرت تحرّكات من جانب هؤلاء الذين كانوا يحاولون ضمان أمنهم ونفوذهم السياسي في وجه طالبان.

وخلال الأسابيع التالية لإعلان الرئيس بايدن الانسحاب، شاركت جماعات مُعادية لطالبان في عمليات تهدف لتعزيز مواقعهم كجزء من النزاع، على هامش حكومة كابول. وكانت رسالتهم واضحة: ليسوا مستعدّين لتقبّل هيمنة طالبان على أفغانستان. وفي حال لم تستطع الحكومة الحيلولة دون حدوث ذلك، ستتعامل هذه القوى منفردة. إلّا أنّ هذه التحركات كانت ترمي فيما يبدو إلى تهدئة أتباع تلك الحركات في مواجهة التهديد الوشيك والمخاوف من اتساع نطاق النزاع إلى مستويات عدّة.

 

اقرأ أيضاً: هل باستطاعة طالبان قمع التهديد المتصاعد لداعش؟

وكان إسماعيل خان، الزعيم التقليدي للطاجيك في إقليم هرات والسياسي الأوسع شعبية في الغرب الأفغاني، في طليعة من اتخذوا خطوات في هذا الاتجاه. ففي 18 نيسان (أبريل) الماضي نظّم حدثاً بمنزله للاحتفال بتحرير هرات في مراسم حاشدة عامرة بالأسلحة والأعيرة النارية، في استعراض غير مألوف للقوّة العسكرية.

أراد خان بهذا الشكل إبراز قدرته على توفير الأمن لمواطنيه في مواجهة طالبان حال عجزت الحكومة عن احتواء الحركة. وكشف أنّ عدد أنصاره 50 ألف مقاتل سيدافعون بحياتهم عن المدينة. ودعا أجهزة الأمن للامتناع عن مواجهة أتباعه بل وسعى لتجريدها من السلاح.

بالمثل، صرّح أحمد مسعود نجل الزعيم التاريخي للجمعية الإسلامية الأفغانية والتي صعد نجمها في الأعوام الأخيرة على الساحة السياسية بأفغانستان، لأتباعه منتصف نيسان (أبريل) الماضي أنّ الحركة جاهزة للسلام وفشل السلام في الوقت ذاته. مؤكّداً أنّه سيعمل ووفق توجيهات رجال الدين على تطبيق الشريعة وإقامة نظام إسلامي.

لكن مسعود وزعماء آخرين في الجمعية دأبوا منذ 18 شهراً على الحديث عن مرحلة مقاومة ثانية- حيث تُعرف حقبة التسعينات بمرحلة المقاومة الأولى ضد طالبان-. وبالفعل، وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، أعلن نائب رئيس الوزراء السابق يونس قانوني أنّه إذا حاولت طالبان اللجوء إلى قوّة السلاح وأذعنت حكومة كابول لطلباتهم، فسترفع الجمعية الإسلامية الأفغانية السلاح وتبدأ المقاومة الثانية ولو بشكل أحادي.

في يوم إعلان بايدن قراره بالانسحاب، صرّح رئيس مجلس النواب الأفغاني مير رحمن رحماني من مقر المجلس أنّ انسحاب القوات الأجنبية يمهّد الطريق لاندلاع حرب أهلية

وجاء إعلان بايدن بالانسحاب ليفجّر الأوضاع، وأكّد حاكم ولاية بلخ السابق عطا محمد نور في 13 آيار(مايو) الماضي أنّ الانسحاب يعني الضوء الأخضر لاستئناف القتال ضد طالبان. وكان هذا هو نفس موقف عرق الهزارة الذي كشف قياداته عن إيمانهم بضرورة مواجهة طالبان سواء إلى جوار القوات الحكومية أو بدونها، وهو ما أعلنه صراحة محمد محقّق زعيم حزب "الوحدة الإسلامية" والمستشار الأمني للرئيس غني، في حضور زعماء الشمال عطا محمد نور وعبد الرشيد دوستم، في 28 آيار(مايو) الماضي. واعتبر محقّق يومها أنّه رغم تبنّي الأفغان للديمقراطية ووضعهم للسلاح جانباً وإقبالهم على التعليم في الأعوام الأخيرة، إلّا أنّ الوضع يسوء من جديد وينبغي الاستعداد لما هو آت، محذّراً طالبان أنّه وحزبه لن يقفوا "مكتوفي الأيدي" وأنّهم مستعدّون للسلام تماماً كما هم مستعدّون للحرب.

اقرأ أيضاً: لماذا هبّ العالم الغربي لدعم طالبان في أفغانستان؟

بل إنّ الرئيس السابق حامد كرزاي كشف خلال مقابلة مع مجلّة "دير شبيجل" الألمانية في 22 آيار(مايو) الماضي "نعمل حالياً في أفغانستان على توحيد الصفوف وتنظيم المقاومة"، داعياً باكستان لعدم تقويض عملية السلام، ومطالباً كلاً من طالبان وحكومة كابول بوقف المحادثات كما لو كانا يمثّلان عموم الأفغان. وأوصى كرزاي بالسماح بعودة طالبان لكن مع إلزامها بإظهار مقدار الدعم الذي تتمتّع به عن طريق إجراء انتخابات أو استفتاء.

لكن تجدر الإشارة هنا إلى موقف غلبدين حكمتيار زعيم الحزب الإسلامي الأفغاني الذي تخلّى عن العمل المُسلّح في 2016 بعد التوصّل لاتفاق سلام مع الحكومة الأفغانية. فقد اعتبر المجاهد المخضرم أنّ الانسحاب في حدّ ذاته يمثّل تقدماً كبيراً، رغم أنّه انتقد حدوثه من جانب واحد وبشكل مُغاير لما تم الاتفاق عليه في الدوحة. وقد دعا الرّجل حركة طالبان لاستغلال الفرصة لإعلان وقف إطلاق النار مع خمسة شروط هي؛ استبدال الحكومة بأخرى للوحدة الوطنية، وانسحاب القوات الأجنبية بشكل تدريجي، وإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين، ورفع أسماء الأفغان المدرجين على القائمة السوداء الأمريكية، والتزام المجتمع الدولي بدفع تعويضات عن الدمار الذي أحدثه الغزو.

علاوة على ذلك، انتقد حكمتيار- الذي لم يشارك في التحالف الشمالي الذي قاتل طالبان أثناء الحرب الأهلية- بعُنف الداعين الآن لمقاومة ثانية. رغم أنّه نظّم عدة تظاهرات مُسلّحة كانت أضخمها تلك التي خرجت في الخامس من آذار (مارس) الماضي حين ذهب أنصاره إلى العاصمة مُسلّحين وعلى متن عربات عسكرية. وتكرّر نفس الأمر في 13 نيسان (أبريل) الماضي.

دور أمراء الحرب

كان تخطيط أمراء الحرب، الذين كان قدّموا أنفسهم كمجاهدين، لشنّ مقاومة مسلّحة ضد طالبان بغضّ النظر عن موقف أو ضد حكومة كابول ذاتها، مؤشّراً مُقلقاً. فقد دأبوا على تصوير حكومة غني ليس فقط بوصفها فاسدة وعاجزة، بل ومعادية للإسلام وغير قادرة على مواجهة طالبان، ليقوّضوا بذلك شرعيتها المتدهورة بالأساس. كان لهذا العامل أهمية بالغة خاصة إذا تم الأخذ في الاعتبار أنّ اتهامات الفساد والعمالة للغرب تتطابق مع تلك التي وجّهتها طالبان كذلك.

لكنّ الاضطرابات الناجمة عن تطوّر عملية السلام أجبرت غني على إعادة التفكير في علاقته بأمراء الحرب، الذين بإمكانهم لعب دور محوري في المشهد السياسي الأفغاني. ورُغم ميله نحو الحصول على دعم عدد محدود من المتعاونين المؤقّتين، كان غني يتمتّع بمساندة بعض أمراء الحرب التي كان يتعيّن عليه توسيع نطاقها لضمان وحدة التكتّل المناهض لطالبان وتجنّب نشوء جبهة مُعادية جديدة.

وفي الوقت ذاته كان من شأن تعزيز مواقع أمراء الحرب، الذي ربّما أدى لوقوف ميليشياتهم جنباً إلى جنب مع الجيش الافغاني في القتال، أن يزيد من خطر اكتساب النزاع لبُعد عرقي بسبب طبيعة قيادات تلك الميليشيات. فانخراط الجماعات المسلّحة الطاجيكية والأوزبكية والهزارة في القتال إلى جانب الحكومة كان قد يُسهم في تأصيل فكرة أنّ الأمر يتعلّق بحرب بين البشتون وباقي المجموعات العرقية، وبالتبعية وبصورة غير مباشرة تقوية موقف طالبان التي ينتمي أغلب أفرادها لعرق البشتون.

اقرأ أيضاً: الصين ومستقبل العلاقة مع حركة طالبان... مواجهة أم تعاون وتقارب؟

والواقع أنّ هذا التهديد كان أخطر حتى من تزايد نفوذ بعض القيادات القبلية التي سعت نحو لعب دور أمراء الحرب وبعضهم لهم تاريخ طويل من انتهاكات حقوق الإنسان، والذين أظهروا في السابق قدرتهم على التنقّل بين التحالفات وفقاً لمصالحهم. وبالفعل وخلال الحرب الأهلية التي سبقت وصول طالبان للحكم، تحالفت جميع الأطراف- لمرّة واحدة على الأقل- مع هؤلاء. ورغم كون القادة المذكورين حلفاء غير جديرين بالثقة، لكنّهم لعبوا دوراً أساسياً في حماية النظام الأفغاني، وفي ظل الظروف، بدا أنّهم الخيار الوحيد لوقف تقدّم طالبان.

لحظة الحقيقة

رغم كل ما تم استعراضه حتى الآن، لم تجد عملية طالبان التي انتهت بسقوط كابول أي معارضة حقيقية من قبل ميليشيات أمراء الحرب، ليحُرم الجيش الأفغاني من دعم ربما كان حاسماً، على الأقل في بعض مناطق البلاد. وشهدت فقط ولاية بنجشير رفع لواء المقاومة بعد سقوط كابول وأعلنت دعمها لنائب الرئيس أمر الله صالح- الرئيس الشرعي بعد فرار غني- وأحمد مسعود.

وإذا كانت ميليشيات أمراء الحرب قد خرجت دعماً للجيش الأفغاني، إضافة إلى تقديم مساهمات عسكرية ذات قيمة، فربّما كانت نقلت إلى الجنود الأفغان روحهم القتالية العالية وعدم التخلّي عن مواقعهم والقتال بتصميم أكبر من ذلك الذي أظهرته تلك القوات في مواضع عديدة.

ونتيجة لعدم تواجد أعداء صريحين لطالبان كانوا يملكون الميليشيات المسلّحة والذين سبق وأن أبدوا نيّتهم في القتال حتى النهاية، في ساحة المعركة، أصيب الكثيرون بالدهشة ويجب الاهتمام بدراسة هذه الجزئية والوقوف على الدوافع وراء ذلك التخاذل، لأنّ الأسباب التي أدّت لهذا المشهد من شأنها أن توضّح الكثير عن موقف هذه الجماعات حيال طالبان في المستقبل.

العامل الأول الذي يلفت الانتباه هو الدهشة. فالحملة الأخيرة التي شنّتها طالبان في آب (أغسطس) وضعت في صدارة أهداف مراحلها الأولى السيطرة على مناطق الشمال والغرب الأفغاني حيث تقلّ شعبية طالبان وتزداد احتمالات تنظيم الميليشيات الموالية لأمراء الحرب مقاومة مسلّحة. وقد أفضت السرعة التي تم التحرّك بها في معاقل مناوئة لطالبان مثل شبرغان وقندوز ومزار شريف وهرات، إلى حرمان الميليشيات من الوقت اللازم لتنظيم المقاومة.

على الجانب الآخر، يبدو أنّ طالبان تعلّمت جيّداً من الخطأ التكتيكي الذي ارتكبته في التسعينيات حين سيطرت على كابول قبل تأمين شمال البلاد، ما سمح لأعدائها بالتجمّع هناك في "التحالف الشمالي"، وكذلك سهولة الاتصالات البرّية مع دول الجوار. لكن طالبان فعلت العكس هذه المرّة حيث بسطت نفوذها على الضواحي أولاً لتؤمّن المواقع الحدودية المهمّة مع باكستان وإيران، ثم انتقلت إلى عواصم الأقاليم، تاركة كابول حتى النهاية، بعد الاستحواذ على مزار شريف، رابع أكبر مدينة في أفغانستان ومعقل التحالف الشمالي قديماً.

اقرأ أيضاً: هل تمهد بكين أمام طالبان طريق الحرير؟

وكان الرئيس أشرف غني نفسه على علم بالسهولة التي توسّع بها طالبان سيطرتها على الأقاليم، ليدعو إلى تحرّك وطني للميليشيات. وعلى الرغم من توتّر علاقته بالكثير من أمراء الحرب، كان غني يأمل في يهبّوا لمساعدته ويغيّروا مسار الأحداث. ومع محاصرة مزار شريف، حاول غني نيل دعم عطا محمد نور وعبد الرشيد دستم. ووعد أميرا الحرب المخضرمان بمساندة الجيش الوطني الأفغاني لحماية المدينة، لكن وكما حدث في مُدن أخرى من الإقليم، لم تتحقّق هذه الوعود. وتخلّت ميليشيات نور ودستم عن السلاح وغيّروا ولاءهم فور هروبهم.

ومع مطلع آب (أغسطس) الماضي وعقب الاجتماع مع الرئيس، صرّح دستم للصحفيين أنّ "طالبان لا تتعلّم أبداً من الماضي"، في إشارة إلى المذبحة التي ارتكبتها الحركة بحقّ مقاتليه عام 2001. وأضاف "وصل عناصر طالبان كثيراً إلى الشمال، لكن الوضع ينتهي بهم دائماً عالقين. ليس من السهل أن يخرجوا"، ليؤكّد بذلك التزامه بمواصلة القتال حتى النهاية. من ناحيته، نشر نور عبر مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لعناصر طالبان قتلى على يد قوّاته، متوعّداً بالقتال حتى الموت. وقال نور "أفضّل الموت بكرامة عن الموت من اليأس"، إضافة إلى رسائل تحدٍّ أخرى.

لكن رغم وعودها المتكرّرة بالمقاومة، انسحبت الميليشيات المعادية لطالبان بمنتهى السهولة، مثلها في ذلك قوات الحكومة. وحين فرّ دستم ونور عبر الحدود الأوزبكية القريبة، انهارت ميليشياتهما تماماً. وخرج نور بعدها ليدّعي أنّه تعرّض "لخيانة"، ثمّ أكّد أنّ مقاومته وصلت لنهايتها "نتيجة للمؤامرة الكُبرى المُنظّمة والجبانة"، دون أن يكشف عن أي تفاصيل.

وجاءت هذه الهزيمة بعد أيام معدودة من سقوط إسماعيل خان أسيراً في يد مقاتلي طالبان في هرات. وخلال الفترة السابقة لهزيمته، دأب خان على التذكير بتاريخه كزعيم محلّي في هرات لعقود ولقبه "أسد هرات"، لكنّ نهايته كانت مهينة حين أقر بخسارته لصالح طالبان بعد الوعود التي لا حصر لها بالقتال. لكن حالة دستم ونور أكثر عسراً على الفهم، فلا يزال من الصعب معرفة الدوافع وراء مغادرتهم لمزار شريف بدون قتال.

لقد تبيّن أنّ إرادة القتال لدى الميليشيات تأثّرت سلباً بانسحاب رفّاقهم في السلاح من الجيش الأفغاني. واتّضح أنّ الميليشيات قد تكون عنصر دعم مهمّاً بالنسبة للجيش النظامي، لكنها لا تستطيع بأي حال أن تلعب دوره إذا قرّر التخلّي عن مواقعه.

اقرأ أيضاً: الإخوان في مواجهة الدولة.. ما الذي يحدث في بنغلاديش؟.. وما علاقة طالبان؟

كما أنّ أحد الأسباب قد يكون راجعاً إلى احتمال اعتبار بعض الشخصيات السياسية البارزة من الجبهة المناوئة لطالبان أنّ المعركة خاسرة قبل أن تبدأ، وسعيهم نحو التفاوض مع طالبان على حلّ للنزاع يمرّ عبر الانتقال السلمي للسلطة إلى الحركة. في نفس السياق، كان بعض زعماء القبائل يبرمون اتفاقات مع طالبان بحيث تسيطر الأخيرة بلا قتال على مناطق خاضعة لنفوذهم.

إنّ غياب الوحدة عن التكتّل المعادي لطالبان وانعدام الثقة بين زعمائه عامل آخر وحاسم في اتخاذ قرار بنهاية المطاف بعدم القتال الذي لم يكن أحد متيقّناً من الفوز به. إضافة إلى توتّر علاقة غني بأمراء الحرب والذين حمّلهم في مرّات عديدة مسؤولية فشل عملية إحلال الاستقرار في أفغانستان، إلّا أنّ الحاجة فقط هي التي دعته إلى طلب تأييدهم ومنحهم سلطات لدرجة تسميته دستم نائباً له.

أمّا نور محمد عطا فقد عُزل من منصبه في 2018 كحاكم لبلخ، وهو المنصب الذي كان يشغله منذ 2004. وكردّة فعل على قرار غني، تراخى نور تجاه طالبان بعد عزله، الأمر الذي سمح بتزايد جيوب حركة طالبان في محيط مزار شريف. وتبنّى دستم الموقف نفسه، لتتسبّب كراهيته لغني منذ منعه من دخول أفغانستان قادماً من تركيا، في غضّ عناصر ميليشياته الطرف عن تسلّل مسلّحي طالبان إلى ولاية جوزجان.

وفي نهاية الأمر أدّى انعدام الثقة المتبادل إلى عدم تقديم ميليشيات دستم ونور الدعم الكافي للجيش النظامي.

مصدر الترجمة عن الإسبانية:

https://bit.ly/3GFSTX2




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية