أين ذهبت مزاعم "التغيير" داخل تنظيم الإخوان؟

أين ذهبت مزاعم "التغيير" داخل تنظيم الإخوان؟

أين ذهبت مزاعم "التغيير" داخل تنظيم الإخوان؟


30/07/2023

في تشرين الأول (أكتوبر) 2022، أعلن المكتب العام لجماعة الإخوان المسلمين، المعروف باسم تيار التغيير، الذي أسسه القيادي الإخواني محمد كمال، عن التقدم بوثيقة بعنوان "الإصدار السياسي".

لكن بخلاف ما هو متوقع، من أنّ يشكل إطلاق الوثيقة في حفل كبير حضرته قيادات إخوانية من دول متعددة، نقلة جديدة نحو توسع مكانة تيار التغيير داخل الجماعة، اختفى نشاط التيار بشكل تام.

مثّل ذلك الاختفاء دلالة على الضعف الهيكلي الذي تعانيه جماعة الإخوان المسلمين، وعدم الواقعية لدى أفراد الجماعة، لتنطبق عليهم مقولة رئيس وزراء قطر السابق، حمد بن جاسم "الإخوان لا يصلحون إلا لإدارة دكانة".

أين ذهب تيار التغيير؟

يقول الباحث في الحركات الإسلامية أحمد سلطان، بأنّ الزخم الذي اكتسبته مجموعة التغيير في بداياتها انحصر وفقدته ولم يعد لها نشاط حقيقي، لكنها استفادت من الخلافات بين جبهة لندن التي كان أشهر قادتها القيادي الراحل إبراهيم منير، وجبهة إسطنبول بقيادة محمود حسين، فعادات للواجهة، وجرت محاولات للتقارب مع جبهة لندن.

وأضاف لـ"حفريات" بأنّ جبهة لندن عرضت على مجموعة المكتب العام أو تيار التغيير العودة إلى الجماعة، وإنهاء الانقسام الهيكلي، الذي حدث مع خروج محمد كمال من جماعة الإخوان عام 2016، الذي مثّل وقتها نحو 20% من أعضاء الجماعة.

من حفل إطلاق وثيقة الإصدار السياسي

وأشار سلطان، إلى أنّ مجموعة المكتب العام اشترطت على جبهة لندن العودة إلى نفس المناصب التنظيمية التي كانت قيادات المكتب تشغلها حين فُصلت أو جمدت عضويتها من الجماعة، لكن جبهة لندن بقيادة إبراهيم منير ومن معه وقتذاك رفضوا.

لكن قوة تيار التغيير التي مثّلت نحو 20% في عام 2016، وأسست هياكل تنظيمية موازية للموجودة في الجماعة الأم، اضمحلت بشكل كبير نتيجة تصدي القيادات التاريخية للإخوان لهذا التمرد، الذي مثّل الشباب بشكل كبير.

أوضح الباحث أحمد سلطان، بأنّ تكتيكات الإخضاع التي اتبعها محمود عزت واللجنة الإدارية العليا الثانية برئاسة محمد عبد الرحمن المرسي ومحمود حسين وإبراهيم منير، نجحت في إخضاع غالبية الذين انضموا إلى تيار التغيير.

بينما يتحدث الإخوان عن تحرير الأوطان من النفوذ الأجنبي، يعقدون ندواتهم في دول أجنبية، متهمة بدعم الإخوان المسلمين والتدخل في شؤون دول المنطقة

أما عن وجود تيار التغيير في مصر، أشار سلطان إلى أنّه من المفترض وجود مجموعات تتبع التيار داخل مصر، لكن غالبيتها ليس لديها وجود حقيقي، بعد أنّ تشتت نتيجة ضعف الروابط والأزمات التي عانت منها، خصوصاً أزمة التمويل.

وأفاد سلطان بأنّ تيار التغيير لم يبق منه سوى تنظيم صوري، على رأسه الأمين العام محمود الجمال من داخل مصر، وفي الخارج يعتبر اسم محمد منتصر المتحدث السابق باسم التيار في فترة محمد كمال، من أبرز الأسماء، والذي يعمل كأمين عام للتيار لكن بشكل غير رسمي.

وثيقة الإصدار السياسي

لكن حتى مع اختفاء نشاط تيار التغيير، يبقى من المهم البحث حول الرؤية التغييرية التي قدمها التيار، للوقوف على التدافع الفكري داخل جماعة الإخوان المسلمين، بعد أكثر من عقد على الربيع العربي.

جاء في وثيقة "الإصدار السياسي" بأنّ المكتب العام ومجلس الشورى عكف على تقييم أداء المراحل السابقة والوقوف على الإيجابيات والسلبيات، ثم صياغة رؤية عامة للجماعة تتناسب مع الأزمة التي تمر بها مصر، وتبعاتها على الأمة والدعوة. وأشارت الوثيقة إلى اعتراف التيار بأخطاء وقعت فيها جماعة الإخوان المسلمين "لقد وقفنا على أخطاء قد قمنا بها في مرحلة الثورة ومرحلة الحكم، كما وقفنا على أخطاء وقع فيها الحلفاء والمنافسون من مكونات الثورة."

مصطلحات حديثة يتستر الإخوان خلفها

وحول هدف الوثيقة، فإنها بحسب نصها مقدمة إلى الأمة بكل مكوناتها، بهدف مد جسور التواصل الفكري والمعرفي، وتبادل الخبرات والأفكار والرؤى، من أجل الوقوف مع رموز وكيانات الأمة ومفكريها نحو رؤية عملية طموحة للثورة المصرية والربيع العربي ومستقبل الأمة، لتنهض من كبوتها وتنطلق نحو تحقيق الحرية.

والمُلاحظ على الوثيقة، أنّها استخدمت مصطلحات حديثة ما فتأ الإخوان على التستر ورائها، من قبيل الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية، وتقبل الاختلاف. وتحت عنوان فرعي حول المشروع الإسلامي والأيديولوجيات الأخرى، جاء ما يلي "إننا في المكتب العام للإخوان المسلمين نؤمن بأن التنوع الموجود في مصر من الأحزاب والقوى السياسية كلا بتوجهه من الممكن أن يكون إضافة قوة لا يستهان بها، ما دام ينطلق من قاعدة مصلحة الأمة والشعب ورفض أي نظام حكم استبدادي فاسد."

الباحث المصري أحمد سلطان لـ"حفريات": آخر نشاط معروف لجبهة التغيير أو تيار المكتب العام هو عقد اجتماع موسع على مستوى الأسر التربوية في إسطنبول

لكن كيف سيحقق الإخوان تلك الرؤية المتسامحة، مع العلم بأنّ تيار التغيير ذاته كان من تبنى العنف ضد الدولة المصرية، وشكل تنظيمات مسلحة استهدفت الدولة ومؤسساتها وشعبها. فهل يمكن أنّ يقبل هذا التيار بالأحزاب السياسية التي تقوم على العلمانية، بينما تقوم أيديولوجية الجماعة نفسها وفي تنظيراتها الفكرية على الاعتقاد بضلال المسلمين وحيادهم عن الطريق القويم. وبدايةً للحديث عن تغيير حقيقي داخل الإخوان المسلمين لا بد وأنّ يبدأ من نقد الأفكار والرؤى التي تقوم عليها، فلا يمكن أنّ تتحدث الجماعة عن التسامح وتقبل الاختلاف بينما ترى في نفسها صاحبة المشروع الوحيد الحق.

أكاذيب التغيير داخل الإخوان

يرى الباحث في الحركات الإسلامية، أحمد سلطان، بأنّ المراجعات التي قدمتها جبهة التغيير لا تتعلق بالأفكار، بل بنهج الإخوان فقط، والإستراتيجيات التي اتبعتها الجماعة منذ العام 2011. لكن، يتابع سلطان، بأنّ هذه المراجعات ونشاط جبهة التغيير تعثر عندما عانت من أزمات مالية وتنظيمية.

وبالعودة إلى نصّ الوثيقة، لم تقدم أي جديد فيما يتعلق بالأفكار التي تقوم عليها جماعة الإخوان المسلمين، إذ رددت نفس الخطاب الموجه إلى الجمهور المسلم، حول صراع الحضارات، وتحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية، وغير ذلك من الرؤى الدينية.

أحمد سلطان: الأمن التركي وجه تحذيرات شديدة اللهجة للإخوان

جاء في تعريف الوثيقة لجماعة الإخوان المسلمين، "الإخوان هم هيئة إسلامية تؤمن بشمولية الفكرة الإسلامية، وتهدف إلى تحرير الأوطان من كل سلطان أجنبي أو مستبد ظالم، وإصلاح وتمكين المجتمع وإقامة نظام يحقق مقاصد الشريعة الإسلامية." والعجيب أنّه بينما يتحدث الإخوان عن تحرير الأوطان من النفوذ الأجنبي، يعملون ويقيمون ويعقدون ندواتهم في دول أجنبية، متهمة بدعم الإخوان المسلمين والتدخل في شؤون دول المنطقة، على غرار تركيا التي تحتل مناطق في سوريا، وتتدخل عسكرياً في ليبيا والعراق في انتهاك واضح لسيادة البلدين، فضلاً عن دعمها لجماعات مصنفة إرهابية استهدفت مصر.

أما الجديد الذي قدمته الوثيقة، فهو الحديث عن فصل الجماعة عن العمل الحزبي، والسماح بوجود أكثر من حزب سياسي يمثل الجماعة، مع المرونة في انضواء أفراد الجماعة في الحياة السياسية.

ذكر الباحث أحمد سلطان، بأنّ آخر نشاط معروف لجبهة التغيير أو تيار المكتب العام هو عقد اجتماع موسع على مستوى الأسر التربوية في إسطنبول. وأشار إلى أنّ الإخوان المسلمين في تركيا تحدثوا عن تنظيم وقفات احتجاجية حال قيام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بزيارة إلى تركيا بدعوة من الرئيس أردوغان، لكن الأمن التركي وجه تحذيرات شديدة اللهجة إليهم، بأنّه سيتعامل بحزم مع أي شيء من هذا القبيل.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية