إخوان الأردن ... إشكاليات الدعوي والسياسي

إخوان الأردن ... إشكاليات الدعوي والسياسي

إخوان الأردن ... إشكاليات الدعوي والسياسي


10/06/2023

بالرغم ممّا يمكن وصفه بوضعية الشدّ والجذب بين الدولة وجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، التي تعززت مظاهرها منذ ما يُسمّى بـ"الربيع الأردني" عام 2011، وانكشاف النوايا "الانقلابية وليس التشاركية" مع النظام السياسي الأردني في الفكر الإخواني، بعد انكشافات في العلاقات الوثيقة، وتلقي التعليمات والتوجيهات من قيادة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، لا سيّما بعد وصول الجماعة إلى الحكم في مصر، إلّا أنّ سمة "الغموض" بقيت عنواناً للعلاقة بين الإخوان المسلمين والدولة، إذ لم تصل إلى قطيعة تامة، فلم يصنف الأردن الإخوان جماعة إرهابية، كما فعلت دول في المنطقة، ولم يبنِ الأردن تحالفاً مع الإخوان، كما فعلت دول أخرى في المنطقة والإقليم.

ما تزال مفردات الخطاب الإخواني في عام 2023 أسيرة لقاموس خطابات "معلبة" تقفز فوق الواقع، ولا تحفل بالمتغيرات الموضوعية والذاتية التي أصابت الإقليم والمنطقة، وفي الوقت نفسه تقفز فوق متغيرات داخل الجسم الإخواني أبرز عناوينها انشقاقات كانت نتيجة لعدم استجابة تيارات متشددة لتلك التحولات

وبالرغم من التحولات العميقة التي شهدها العقد الأخير بانكفاء هذا "الربيع العربي"، وتحوله إلى حمّامات دم في كثير من الدول العربية، "سوريا وليبيا واليمن، ومخاوف من أن يكون السودان على الطريق"، وأفول نجم الإسلام السياسي، بشقّيه المعتدل "جماعة الإخوان المسلمين"، والمتطرف  "القاعدة وداعش"، والتحولات في علاقات واشنطن وعواصم أوروبية مع الإخوان، بعد ثبوت أدوار ومخططات إخوانية في تعزيز خطابات الكراهية والتطرف، وما لحق بالجماعة من انشقاقات في التنظيم الدولي والتنظيمات القطرية، بالرغم من كل ذلك، إلّا أنّ بعض التنظيمات القُطرية لجماعة الإخوان ما تزال أسيرة لخطابات إيديولوجية، تنتمي مفرداتها لمرحلة "الربيع العربي" وما قبله.

 سمة "الغموض" بقيت عنواناً للعلاقة بين الإخوان المسلمين والدولة

الجديد الذي يشكل نموذجاً فريداً في هذا الخطاب، هو الخطاب الذي تمارسه جماعة الإخوان المسلمين في الأردن في هذه الأيام، عبر حملات إعلامية واسعة تنفذها فروع ذراعها المرخص "حزب جبهة العمل الإسلامي" استعداداً للانتخابات النيابية المتوقع إجراؤها في أواخر العام 2024، وفقاً لقانون انتخابي جديد، شاركت في إنتاجه الجماعة عبر عضويتها في اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، لكنّها سرعان ما وجهت انتقادات له، بل جددت شكوكها بإدارة العملية الانتخابية، ويتضمن القانون الجديد تخصيص نسبة تقارب ثلث المقاعد للقوائم الحزبية، وهو ما يخطط حزب جبهة العمل الإسلامي للاستحواذ على النسبة الأكبر منها، والبالغة (41) مقعداً من أصل (138) مقعداً هي مجموع مقاعد البرلمان القادم.

مفردات الخطاب الإخواني في عام 2023، ورغم تحولات وتغييرات عميقة، ما تزال أسيرة لقاموس خطابات "معلبة" تقفز فوق الواقع، ولا تحفل بالمتغيرات الموضوعية والذاتية التي أصابت الإقليم والمنطقة، وفي الوقت نفسه تقفز فوق متغيرات داخل الجسم الإخواني أبرز عناوينها انشقاقات، كانت نتيجة لعدم استجابة تيارات متشددة لتلك التحولات؛ وتالياً أبرز اتجاهات هذا الخطاب:

فالخطاب الإخواني ما يزال يراهن على مقاربة تبنتها جماعة الإخوان تزعم أنّ خطاباتها معتدلة، وتشكّل بديلاً للخطابات المتشددة التي تعزز التطرف والكراهية والإرهاب، وهي مقاربة بحاجة لفحص وتمحيص، إذ تكشف الخطابات الإخوانية استخداماً موسّعاً لمفردات التطرف وتبنّي خطاب كراهية تجاه الآخر وبناء الهوية الإسلامية، تتقاطع في كثير منها مع خطابات القاعدة وداعش، وتجعل الفروق معهما غير واضحة، وربما كانت الجماعة قادرة على تسويق هذه السردية في العقد الماضي، أمّا اليوم، فهي موضع شكوك عميقة، ليس بسبب تراجع القاعدة وداعش، بل أيضاً أفول مقارباتهما، وفقدان الإخوان لهذه الورقة بمساومة الدولة.

الخطاب الإخواني ما يزال يراهن على مقاربة تبنتها الجماعة تزعم أنّ خطاباتها معتدلة، وهي مقاربة بحاجة لفحص وتمحيص، إذ تكشف الخطابات الإخوانية استخداماً موسّعاً لمفردات التطرف وتبنّي خطاب كراهية تجاه الآخر، تتقاطع في كثير منها مع خطابات القاعدة وداعش، وتجعل الفروق معهما غير واضحة

ورغم المحاولات الحثيثة لتحقيق مقاربة "الفصل بين الدعوي والسياسي" لدى جماعة الإخوان، وما سببته المواقف المتباينة في مستويات قيادية داخل الجماعة من انشقاقات، على خلفية هذه المقاربة، من الواضح أنّ الجماعة لأسباب بنيوية غير قادرة على تحقيق هذا الفصل، ويصعب على المتابع اليوم لخطابات الإخوان الإجابة عن تساؤلات مرتبطة بالخطيب والخطاب نفسه، إذا ما كان الخطيب والخطاب سياسياً أم دينياً، ولعلّ من المفارقات استمرار الدمج المقصود بين الديني والسياسي من قبل خطباء الإخوان، وبمرجعيات رهانات تفضي بالضرورة إلى إنتاج خطاب يؤسس لمساحات تطرف وكراهية جديدة، تسائل مزاعم حول مقولات التسامح والاعتدال، ومفاهيم حقوق الإنسان والتعددية، التي يتم استثمارها بمنظور أحادي في خطابات الإخوان.

بعض التنظيمات القُطرية لجماعة الإخوان ما تزال أسيرة لخطابات إيديولوجية تنتمي مفرداتها لمرحلة "الربيع العربي" وما قبله

الخطاب الإخواني يكرر تناقضات تبرزها الانتقائية وغياب المعايير، والأمثلة والشواهد أكثر من أن تُعدّ، ولا تتوقف عند ليّ أعناق النصوص وتأويلها بما يتناسب ورسالة الجماعة، بل إنّ هذا التناقض يصل الى درجة منح الإخوان أنفسهم صفة "الناطق باسم الله، المفسّر لأقواله" بتبرير تعزيز حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا علاقاته وتوثيقها مع إسرائيل، بالتزامن مع شن هجوم على حكومات عربية وإسلامية، لم تصل في مستوى علاقاتها مع إسرائيل إلى ما وصلت إليه تركيا، فيما تصمت حول علاقات حماس والجهاد الإسلامي مع القيادة الإيرانية، المتهمة بقتل المسلمين في العراق وسوريا.

الخطاب الإخواني يطرح مقاربات نقدية للأوضاع الاقتصادية، لكنّه يفشل في تقديم حلول واقعية لها، إلّا بحدود العموميات التي لا تغوص بالكيفيات، فعناوين: تحرير فلسطين، واستعادة القدس والأقصى، ومكافحة الفساد، وتحقيق العدالة، عناوين برّاقة، لكنّ القيمة بنتائجها وتطبيقاتها

ربّما نجح الخطاب الإخواني في بناء سرديات صغرى تترجم مقولات صدام الحضارات، وتقدم أدلة وشواهد عليها، عبر بناء خطاب يلامس "المعرفي الإدراكي" عند المتلقي المسلم، بما فيه من استعلاء ومزاعم امتلاك الحقيقة ونفي الآخر، إلّا أنّ الخطاب الإخواني لإخوان الأردن لم يستفد من تجارب إخوانية في الدول العربية وصلت إلى الحُكم "كليّاً أو جزئيّاً"، وتبين أنّ  التشاركية هي الأصل، ثم إنّ بناء قطيعة مع الآخر لا تعدو أن تكون أفكاراً "عاطفية" تلامس آمال الفقراء، وأنّه لا مفرّ للدولة الحديثة من التعامل مع مؤسسات "الكفار والاستعمار الجديد" بعناوين البنك والصندوق الدوليين، هذه السردية الإخوانية تتناسل منها سردية أخرى تطرح بوصفها إشكالية في الخطاب الإخواني، وهي أنّ الخطاب يطرح مقاربات نقدية للأوضاع الاقتصادية، لكنّه يفشل في تقديم حلول واقعية لها، إلّا بحدود العموميات التي لا تغوص بالكيفيات، فعناوين: تحرير فلسطين، واستعادة القدس والأقصى، ومكافحة الفساد، وتحقيق العدالة، عناوين برّاقة، لكنّ القيمة بنتائجها وتطبيقاتها.

تلك التناقضات تطرح على بساط البحث مجدداً تساؤلات حول: قدرة الخطاب الإخواني على مغادرة مربعات وخنادق، لم تعد أدواتها مناسبة لبناء خطاب جديد يلامس هموم الفقراء، ولا يستثمر في أوجاعهم، وبالتزامن يفتح هذا الخطاب تساؤلات حول الحدود الفاصلة بينه وبين خطابات داعش والقاعدة، وخطورة بناء بيئات تغذي التطرف والكراهية، وتمهد لتزويد الإرهاب بعناصر مشبعة تمتلك دوافع راسخة لممارسة الإرهاب.

مواضيع ذات صلة:

شبح جديد يلاحق إخوان الأردن

هل يتعرض إخوان الأردن لعقاب جديد؟

الملف السوري يشعل الصراعات داخل إخوان الأردن... ما القصة؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية