إدارة بايدن واليمن... والجهل بالحوثيين

إدارة بايدن واليمن... والجهل بالحوثيين


23/03/2022

خيرالله خيرالله

كما كان متوقّعاً، ردت إيران على دعوة مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة الى مؤتمر لحوار وطني بين اليمنيين، يعقد في الرياض أواخر الشهر الجاري، من طريق التصعيد العسكري. ليس الردّ الإيراني موجهاً الى دول مجلس التعاون فحسب، بل هو أيضاً رسالة استخفاف بأميركا وإدارة جو بايدن وجس نبض لهما في هذه الظروف المعقّدة التي يمرّ فيها العالم في ضوء ما تشهده أوكرانيا وحاجة أوروبا الى بديل من الغاز الروسي. 

لجأ الحوثيون الى إطلاق صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة من صنع إيراني في اتجاه الأراضي السعوديّة لتأكيد أن الأراضي اليمنية التي يسيطرون عليها ليست سوى قاعدة عسكريّة إيرانيّة وورقة في المفاوضات المباشرة وغير المباشرة الدائرة بين "الجمهوريّة الإسلاميّة" و"الشيطان الأكبر" الأميركي في فيينا وأماكن أخرى. لا هدف إيرانياً من استخدام الأوراق التي تملكها "الجمهوريّة الإسلاميّة" في المنطقة سوى إقناع إدارة بايدن بأنّ ليس امامها سوى الاستسلام أمام ما تطرحه من مطالب في المنطقة. في مقدّم هذه المطالب الاعتراف الأميركي بأنّ إيران هي القوّة المهيمنة في الخليج والشرق الأوسط وما هو أبعد منهما.

لا وجود لأوهام في ما يخصّ موقف الحوثيين من أي حوار يمني – يمني بغية الوصول الى تسوية سياسيّة. عارض الحوثيون أيّ تسوية نظراً الى أنّهم مقتنعون بنظام يكرّس عودة الإمامة. عرف الحوثيون منذ البداية كيف يكون استغلال الانقلاب الذي نفّذه "الإخوان المسلمون" (حزب التجمع اليمني للإصلاح) على علي عبدالله صالح في شتاء العام 2011 من أجل التخلّص منه... ووراثته.

كانت حسابات الحوثيين في محلها في ظلّ "شرعيّة" رخوة من جهة وسعي "الإخوان المسلمين" الى تفاهمات معهم من تحت الطاولة من جهة أخرى. سمحت لهم حساباتهم في إقامة نظام خاص بهم في جزء من اليمن، خصوصاً بعد سيطرتهم على صنعاء ابتداء من 21 أيلول (سبتمبر) 2014.  

لا شكّ في أن لوماً كبيراً يقع على علي عبدالله صالح الذي شجّع انطلاق الحركة الحوثية تحت تسمية "الشباب المؤمن" وذلك بهدف إيجاد توازن مع "الإخوان المسلمين" ومتفرّعاتهم نتيجة ما أسفرت عنه حرب صيف العام 1994. دخل اليمن مع نهاية تلك الحرب مرحلة جديدة بعد أربع سنوات من الوحدة التي تحقّقت في أيّار (مايو) 1990، نظراً الى أن تلك الحرب ألغت الحزب الاشتراكي الذي كان يحكم الجنوب. شكّل الحزب الإشتراكي في مرحلة ما بعد الوحدة قوة توازن حقيقيّة في البلد. خرج الحوثيون باكراً من تحت عباءة الرئيس السابق وأصبحوا جزءاً من مشروع إيراني في اليمن. كانت الحرب الأولى بينهم وبين علي عبدالله صالح في العام 2004.

في ضوء الموقف الحوثي، أي الإيراني، لم يعد لمؤتمر الحوار الوطني اليمني المتوقّع عقده في الرياض من وظيفة سوى إعادة تشكيل "الشرعيّة" اليمنية القائمة منذ شباط (فبراير) 2012. ولدت هذه "الشرعيّة"، التي على رأسها رئيس موقت، لا يمتلك أيّ قاعدة شعبيّة هو عبد ربّه منصور هادي، من رحم الانقلاب الذي نفّذه "الإخوان المسلمون" على علي عبدالله صالح.

لم يراهن الحوثيون في يوم من الأيّام على تسوية سياسية في اليمن. يؤمنون بخرافات زرعتها فيهم إيران التي تنظر الى اليمن بصفة كونه موطئ قدم لها في شبه الجزيرة العربيّة. هذا ما لم تستطع الإدارات الأميركية استيعابه أبداً. جاءت إدارة جو بايدن لتشجّع الحوثيين، ومن خلفهم إيران، على السير في تحويل اليمن قاعدة للصواريخ والمسيّرات الإيرانيّة.

ثمّة سوء فهم أميركي عميق لما دار وما زال يدور في اليمن. في أساس سوء الفهم هذا، الجهل بطبيعة الحركة الحوثيّة التي باتت تسمي نفسها "جماعة أنصار الله" بما يؤكّد عمق العلاقة بينها وبين "الحرس الثوري" الإيراني الذي يمتلك وجوداً طاغياً في صنعاء.

قبل سنة تماماً، أطلقت السعوديّة مبادرة سلميّة تجاه اليمن. سارعت إيران عبر سفيرها في صنعاء حسن ايرلو، وهو ضابط في "الحرس الثوري" (توفّى لاحقاً إثر اصابته بكورونا) الى رفض المبادرة السعوديّة رفضاً قاطعاً. وضع ايرلو الحوثيين أمام أمر واقع هو الموقف الإيراني. أراد القول إن "الجمهوريّة الإسلاميّة" هي صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في مناطق سيطرة الحوثيين. ترفض إدارة بايدن أخذ العلم بمثل هذا التطوّر مثلما ترفض الاعتراف بأنّ دول الخليج، في مقدّمها السعوديّة والإمارات مستهدفة من إيران انطلاقاً من اليمن. هل هذا يمثل وقوفاً لأميركا مع حلفائها أم دعوة أميركيّة الى إيران لابتزاز هؤلاء الحلفاء؟

تبدو الحاجة أكثر من أي وقت الى إعادة نظر أميركيّة في الموقف من الحوثيين ومن الوجود الإيراني في اليمن. هناك بالطبع حاجة الى إعادة تشكيل "الشرعيّة" اليمنيّة كي تتمكن من مواجهة الحوثيين بدل تسهيل مهمّتهم ومهمة إيران في اليمن. على التحالف العربي، الذي يواجه الحوثيين في اليمن، مساعدة نفسه أوّلاً. لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح في كلّ وقت: هل تريد إدارة جو بايدن أن تكون أميركا موجودة في إحدى المناطق المهمّة من هذا العالم أم لا... أم تريد أن تكون تحت رحمة إيران في تلك المنطقة التي تشمل الخليج والشرق الأوسط؟

عن "النهار" العربي

الصفحة الرئيسية