إرهاب الجماعات الجهادية في خليج غينيا يوقظ المخاوف

إرهاب الجماعات الجهادية في خليج غينيا يوقظ المخاوف


كاتب ومترجم جزائري
28/03/2022

ترجمة: مدني قصري

منذ سنوات عديدة شهدت كوت ديفوار وبنين وتوغو تضاعف الهجمات الإرهابية على أراضيها، لمواجهة هذه التوغلات من قبل الجماعات الجهادية بدأ الردّ العسكري والأمني ​​لدول غرب أفريقيا الساحلية، كما يتم وضعُ سياسات تهدف إلى معالجة الانقسامات الاجتماعية والاقتصادية .

في غضون ثلاثة أشهر ارتُكبت خمس هجمات إرهابية في شمال بنين، لقي فيها ما لا يقل عن 11 شخصاً مصرعهم، بمن فيهم فرنسي كان عضواً في القوات الخاصة. وبحسب مذكرة حديثة صادرة عن المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (IFRI)؛ فإنّ بنين "هي الدولة الثانية الأكثر تضرراً من وجود وحركة الجماعات الجهادية التي تنتمي إلى جماعة دعم الإسلام والمسلمين (JNIM)، وللدولة الإسلامية في العراق بالصحراء الكبرى (EIGS)، في المنطقة الساحلية، فيما تحتفظ كوت ديفوار بسجل قياسي حزين لعدد الهجمات التي تشنها هذه الجماعات على أراضيها، وبدرجة أقلّ تواجه توغو وغانا والسنغال وغينيا التهديد الجهادي أيضاً.

منذ سنوات عديدة شهدت كوت ديفوار وبنين وتوغو تضاعف الهجمات الإرهابية على أراضيها

وبحسب مصدر حكومي من بنين؛ فمن المقرّر عقد اجتماع جديد في الأيام المقبلة للدول الموقعة على مبادرات أكرا (بنين وتوغو وغانا وساحل العاج وبوركينا فاسو)، الذي انطلق في عام 2017، ويستند المشروع بشكل خاص إلى تبادل المعلومات والاستخبارات، وتدريب أفراد الأمن وإجراء عمليات عسكرية مشتركة عبر الحدود. "نحن نشيطون وملتزمون بالعمل المشترك للتغلب على هذه الظواهر في منطقتنا الفرعية"، هكذا قيل في كوتونو، حيث يفضل المسؤولون التحدث دون الكشف عن هويتهم "وعدم الإسهاب في الموضوع عبر الصحافة" في الوقت الذي تتكاثر فيه العمليات العسكرية وسياسات ضم شعوب الحدود.

حدود نفيذة

"في هذه الأيام أصبح توسّع الجهادية نحو دول خليج غينيا حقيقة واقعة، لم يعد الأمر مجرد تهديد، كما يشير ويليام أسانفو، الباحث المتخصص في القضايا الأمنية في معهد الدراسات الأمنية (ISS Africa). يمكننا بالفعل اعتبار الهجوم على Grand-Bassam في كوت ديفوار، عام 2016، وخطف السياح الفرنسيين في حديقة بندجاري "Pendjari"، عام 2019، في بنين، بمثابة توسّعات، أو على الأقل ميول نحو التوسع.

إذا كان إجلاء القوات الفرنسية في مالي أو بوركينا فاسو قد أثار بعض الارتياح؛ فإنّ "رحيل بركان وتاكوبا يخلق فراغاً"، كما أقرّ بذلك الرئيس الإيفواري الحسن واتارا

إذا كان تكثيف هذه الهجمات، التي حدثت في الأشهر الأخيرة، ما يزال غير واضح  للخبراء في الوقت الحالي فقد أجمعوا جميعاً على نفاذية الحدود وسهولة اختراقها، مع بوركينا فاسو بالنسبة لكوت ديفوار وتوغو وغانا وبنين، أو أيضاً مع مالي بالنسبة إلى غينيا والسنغال. في هذا الشأن تلاحظ كارولين روسي، الباحثة في معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية (IRIS)، ورئيسة برنامج أفريقيا أنّ "المناطق الحدودية الموروثة من الاستعمار تم بشكل عام التخلي عنها"، وأشارت الباحثة إلى أنّ "القادة غالباً ما قاموا بالاستثمار في المدن الكبرى، لكنّ المناطق الحدودية لم تلقَ منهم الاهتمام الذي تستحقه".

في هذه الأيام أصبح توسّع الجهادية نحو دول خليج غينيا حقيقة واقعة

هناك إذاً تخلٍّ وفراغ من قبل الدولة تستغله وتلعب عليه الجماعات الجهادية اليوم لمحاولة التوغل بين هؤلاء السكان من خلال "خطابات" إصلاحية "مطعّمة بمبادئ المساواة والعدالة الاجتماعية"، وهذه معاينة يشاطرها ويليام أسانفو، كبير الباحثين في معهد غرب أفريقيا للدراسات الأمنية؛ حيث يوضح أنّ "الجماعات الجهادية التي تحاول العمل على الحدود الشمالية لبنين وكوت ديفوار تستثمر إحباط السكان المحليين"، في بعض الأحيان عن طريق المشاركة في النزاعات بين المجتمعات، وفي أوقات أخرى عن طريق الوعود بالوصول إلى مناطق الصيد أو صيد الأسماك المحظورة أو التي تمت مصادرتها من قبل السلطة السياسية".

سياسات اجتماعية اقتصادية

ولهذا السبب، بالإضافة إلى تعزيز قوّاتها الأمنية، تعتمد البلدان الساحلية في غرب أفريقيا على سياسات إدماج سكان الحدود المعرضين بشكل خاص للتجنيد في صفوف الإرهابيين. في هذا السياق أفاد دبلوماسي مقيم في أبيدجان أنّ "هذا أحد الدروس التي تعلمتها دولُ خليج غينيا مقارنة بما حدث في مالي، لقد فهم الجميع أهمية الحصول على استجابة شاملة وليس مجرد استجابة أمنية".

اقرأ أيضاً: مجهولون أسسوا تنظيم الجهاد واختفوا.. تعرّف إليهم

في كوت ديفوار أعلنت الحكومة مؤخراً عن مشروع توظيف واسع النطاق للشباب بقيمة 8 مليارات فرنك أفريقي على مدى خمس سنوات (12 مليون يورو). بينما تشهد مشاريع تشييد البنية التحتية النور في شمال شرق البلاد على الحدود مع بوركينا فاسو، ومنها إنشاء طرق معبدة لرفع العزلة عن المنطقة. وهو منطق اعتمدته بنين أيضاً من خلال وكالة إدارة الحدود المتكاملة (ABEGIEF).

لم يعد الأمر مجرد تهديد، بل واقع، كما يشير ويليام أسانفو، الباحث المتخصص في القضايا الأمنية في معهد الدراسات الأمنية

تهدف هذه الوكالة، التي تم إنشاؤها عام 2012، إلى الحد من بعض نقاط الضعف الاجتماعية والاقتصادية: تطوير البنية التحتية الأساسية والمياه والصحة والمدارس، ...إلخ.

وهي طريقة تتبعها السنغال أيضاً، على الرغم من أنّ دولة تيرانجا تظلّ في الوقت الحالي بمنأى عن الهجمات المميتة؛ فقد اعتقلت قوات الأمن بالفعل العديد من الأشخاص المشتبه في ارتباطهم بمؤسسات إرهابية في الشرق، على الحدود المالية (أربعة على الأقل عام 2021 بانتظار صدور الحكم).

يؤكد بوبكر برتراند بالدي، المدير التنفيذي لشركة استشارات الإستراتيجية والتنمية (Cosdev): "ليس عبثاً إن كان لدينا وزارة للتنمية المجتمعية والمساواة الاجتماعية والإقليمية، من الضروري للغاية أن نمتلك هذا النهج الاجتماعي والاقتصادي؛ لأنّ الأرض خصبة للجهادية، بسبب الفقر ونقص فرص العمل وعدم المساواة في توزيع الموارد".

تعزيز الأمن

ومع ذلك، فإنّ الاستجابة الأمنية لا تنقص، بل هي المهيمنة، في توغو وغانا والسنغال تم إنشاء خلايا لمكافحة الإرهاب وقمعه. أثناء وجودك في كوت ديفوار، تم افتتاح أكاديمية لمكافحة الإرهاب قبل ستة أشهر، ويوضح أحد الدبلوماسيين: "يتعلق الأمر بتدريب جنود من جميع البلدان التي تحتاج إلى تقنيات قتال الجماعات الجهادية وتحييدها".

اقرأ أيضاً: الدعاية الجهادية: تنظيم الخطاب الأصولي للإرهاب

منذ تضاعف الهجمات على أراضيهما عززت كوت ديفوار وبنين قواتهما الموجودة على طول حدودهما الشمالية، وكذلك دعمهما اللوجستي؛ "كانت هناك استثمارات كبيرة في التقنيات المتقدمة والمراقبة، وكذلك الاستهداف، مثل الطائرات المسيّرة".

 

اقرأ أيضاً: الإستراتيجية الأمريكية في مواجهة الإرهاب.. "القاعدة" و"طالبان" نموذجاً

 إضافة إلى الإجراءات المتخذة على المستوى الوطني، انطلق التعاون الثنائي بين بنين وبوركينا فاسو أو حتى النيجر وكوت ديفوار وبوركينا فاسو، ويتعلق هذا التعاون بشكل خاص بمسألة تبادل المعلومات والاستخبارات، وتدريب أفراد الأمن، إضافة إلى إجراء عمليات عسكرية مشتركة عبر الحدود، وهذا إطار عمل قدمته مبادرات أكرا منذ عام 2017.

إذا كان إجلاء القوات الفرنسية في مالي أو بوركينا فاسو قد أثار بعض الارتياح؛ فإنّ "رحيل بركان وتاكوبا يخلق فراغاً"، كما أقرّ بذلك الرئيس الإيفواري الحسن واتارا، خلال مقابلة مع "RFI"، و"فرنس 24"، في 16 شباط (فبراير). وقد أضاف: "سنضطر إلى زيادة قواتنا الدفاعية، وزيادة حماية حدودنا، وشراء الأسلحة والحصول على قدر أكبر من الاحتراف. يجب على الجيوش الوطنية حلّ المشاكل على أقاليمنا الوطنية. هذه هي فلسفتنا وسوف نتخذ جميع التدابير الممكنة حتى لو اضطررنا إلى إنفاق 3 أو 4٪ من الناتج المحلي الإجمالي في النفقات العسكرية، سنفعل ذلك من أجل حمايتنا؛ لأنّه من دون الأمن لن تكون هناك تنمية".

 

اقرأ أيضاً: لماذا يستهدف الإرهاب مصر؟

واليوم، ما تزال إعادة انتشار قوات عمليتَي بركان وتاكوبا في البلدان الساحلية لغرب أفريقيا قيد المداولات، في هذا السياق وضّح مصدر دبلوماسي: "علينا أن نرى كيف يمكن للمجتمع الدولي أن يساعد ويدعم"، لكنّ فلسفة هذه البلدان، على حدّ تعبير واتارا؛ هي "إدارة أمنها بنفسها وبطريقة شاملة، مع إدراج الملف الاجتماعي والاقتصادي".

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

www.marianne.net

https://www.marianne.net/monde/afrique/apres-le-sahel-la-lutte-contre-les-groupes-djihadistes-se-deploie-dans-le-golfe-de-guinee




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية