إستراتيجية الإخوان الجديدة في بنغلاديش.. شعارات اليسار في قالب ديني

في تواصل لمساعيها نحو تقليم أظافر الجماعة الإسلاميّة، الذراع السياسيّة للإخوان المسلمين في بنغلاديش، اعتقلت الأجهزة الأمنيّة البنغاليّة، في 22 نيسان (أبريل) الماضي، الأمين العام للجماعة في مدينة راجشاهي، عماد الدين مندل، بعد أن ثبت لديها تورطه في عقد اجتماعات سريّة، تهدف إلى تنظيم عدة تظاهرات، تتخللها أحداث عنف، وهو ما كشفت عنه تقارير أمنيّة وإعلاميّة محليّة.

القائم بأعمال الأمين العام للجماعة الإسلاميّة، أبو طاهر محمد معصوم، أدان في بيان رسمي، ما وصفه بـ"الاعتقال غير القانوني" لمندل، مطالباً بالافراج الفوري عنه، زاعماً أنّ "الأجهزة الأمنية تعتقل منسوبي ونشطاء الجماعة الإسلاميّة، من دون أيّ مبرر". كما ادعى أنّ اعتقال عناصر الإخوان في بنغلاديش، بات "من الأعمال الروتينية للحكومة"، والتي وصفها بالقمعية.

تصعيد حاد في خطاب الإخوان

الجماعة الإسلاميّة لجأت إلى نوع من التصعيد الإعلامي الحاد؛ حيث أصدر أمير الجماعة الدكتور شفيق الرحمن، يوم 28 نيسان (أبريل) الماضي، بياناً رسمياً، طالب فيه الحكومة بالإفراج عن جميع الزعماء والقادة المعتقلين لديها من عناصر الجماعة الإسلاميّة، وعلى رأسهم نائب أمير الجماعة، الشيخ دلاور حسين سعيدي، ومساعد الأمين العام للجماعة، أبو تراب محمد أظهر الإسلام، والنائب البرلماني السابق عبد الخالق مندل، نائب أمير الجماعة الإسلاميّة، والنائب البرلماني الإخواني السابق، شمس الإسلام، والأمين العام للجماعة، ميا غلام بروار، ومساعد الأمين العام للجماعة، رفيق الإسلام خان، وأمهل الحكومة حتى حلول عيد الفطر للإفراج عن المعتقلين، والذين وجهت إليهم اتهامات تتعلق بالتخطيط لأعمال إرهابيّة، والسعي إلى قلب نظام الحكم، وتنفيذ جرائم طائفيّة.

بيان الإخوان زعم كذلك أنّ الحكومة البنغاليّة الحالية، تحتجز زعماء الجماعة الإسلامية الكبار دون وجه حق، وأنّ نائب أمير الجماعة الإسلاميّة، دلاور حسين سعيدي، ومساعد الأمين العام للجماعة، أبو تراب محمد أظهر الإسلام، وغيرهم قد مرّ على احتجازهم أكثر من عقد من الزمن، على ذمة قضايا سياسيّة، وصفها البيان بـ"الملفّقة والمفبركة"، كما زعم أنّهم "يتعرضون لشتى أنواع التعذيب النفسي والجسدي في السجون". وأضاف البيان: "الحكومة الحالية لم تكشف حتى الآن، عن مصير الابن الرابع لأمير الجماعة الإسلاميّة السابق، الشيخ غلام أعظم، العميد متقاعد عبد الله الأمان الأعظمي، الذي تم اختطافه واقتياده من منزله في العام 2016، إلى مكان مجهول، على أيدي الأجهزة الأمنية". مضيفاً أنّ ذلك ينطبق أيضاً على المحامي الإخواني، مير أحمد بن قاسم.

بيان الجماعة الإسلاميّة تطاول بشكل حاد على المؤسّسة القضائيّة، زاعماً أنّ الحكومة الحالية، ومن أجل تحقيق مآربها السياسيّة، تدخلت بشكل متكرر في عمل الجهاز القضائي

جدير بالذكر أنّ المحكمة الجنائية المحلية، التي تحاكم كلّ هؤلاء، قد ثبت لديها قيامهم بالتورط في جرائم حرب، وممارسة العنف بشتى أشكاله؛ من قتل ونهب واغتصاب، وأنّ كثيراً من هذه الجرائم، تمّ اقترافها إبان حرب الاستقلال؛ حيث قامت مليشيات البدر والشمس الإخوانيّة، بجرائم عنف موثقة ضد أبناء الشعب البنغالي الثائر في وجه السيطرة العسكرية الباكستانيّة، آنذاك.

بيان الجماعة الإسلاميّة تطاول بشكل حاد على المؤسّسة القضائيّة، زاعماً أنّ "الحكومة الحالية، ومن أجل تحقيق مآربها السياسيّة، تدخلت بشكل متكرر في عمل الجهاز القضائي، ما أدى إلى تدمير السلطة القضائية بأكملها في الدولة" بحسب مزاعم البيان الذي اتهم الحكومة بالتآمر والتخطيط؛ لقتل قادة وزعماء الجماعة الإسلاميّة الكبار قضائياً؛ باسم المحاكمة، كما لوّح البيان في تصعيد خطير بخيار الحرب الأهلية.

اشتراكية الإخوان المزعومة

الدكتور أحمد فؤاد أنور، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجيّة، خصّ "حفريات" بتصريحات، قال فيها إنّ التحول الحاد في إستراتيجية الجماعة الإسلاميّة البنغالية، من رفع شعارات المظلومية، إلى التهديد بالحرب الأهلية، تجلى بوضوح إبان الاحتفال بعيد العمال؛ حيث حاولت الجماعة توظيف الحدث العالمي، في الأول من أيّار (مايو) الجاري، لتفجير الشارع البنغالي بتظاهرات حاشدة وأعمال عنف، حيث أصدر، شفيق الرحمن، أمير الجماعة الإسلاميّة بياناً رسمياً، يوم 29 نيسان (أبريل) الماضي، دعا فيه المواطنين إلى إقامة فعاليات صاخبة في اليوم العالمي للعمال، مطالباً الشعب، بحسب مزاعمه، بالخروج لانتزاع حقوقه المشروعة.

ويلفت أنور إلى أنّ الإخوان، وكعادتهم، انتهزوا الفرصة لتوظيف الخطاب الديني لصالح الأيديولوجيا السياسيّة، حيث زعم أمير الجماعة الإسلاميّة أنّ الوضع الاقتصادي آخذ في الانهيار، ذلك أنّ "القوانين الوضعية، مهما بلغت درجة الكمال، فإنّها لن تستطيع أن تحل أيّاً من المشاكل التي تعترض طريق الانسان". على حد قوله.

ويرى أنور أنّ متاجرة الإخوان بقضايا العمال في بنغلاديش، تأتي في سياق إستراتيجيّة جديدة، تقوم على تمثل قيم اليسار، لكسب دعم وتعاطف العمال والفلاحين، وتوظيف قضاياهم العادلة لصالح أجندة التنظيم الدولي، حيث كثّف الإخوان رفع الشعارات العمالية، في بنغلاديش وباكستان، ومهاجمة أصحاب المصانع وملاك رأس المال، وهو ما ظهر بوضوح في توجهات وبيانات سراج الحق، أمير الجماعة الإسلاميّة الإخوانيّة في باكستان.

أحمد فؤاد أنور: الهدف من وراء إستراتيجيّة الإخوان الجديدة، هو محاولة الاستفادة قدر الإمكان، من الصعوبات الاقتصادية التي تضرب بقوة معظم بلدان العالم، جراء تبعات فيروس كوفيد-19، وكذلك الحرب الروسيّة الأوكرانيّة

وربما يكون الهدف من وراء إستراتيجيّة الإخوان الجديدة، هو محاولة الاستفادة قدر الإمكان، من الصعوبات الاقتصادية التي تضرب بقوة معظم بلدان العالم، جراء تبعات فيروس كوفيد-19، وكذلك الحرب الروسيّة الأوكرانيّة، حيث يضغط الإخوان باستمرار على وتر ارتفاع الأسعار، ونقص السلع، من أجل كسب التأييد الشعبي، وضرب الحكومات في مقتل، وتجلى هذا بوضوح في البيان الذي أصدره القائم بأعمال الأمين العام للجماعة الإسلاميّة في بنغلاديش، أبو طاهر محمد معصوم، في 6 أيّار (مايو) الجاري، حيث وبّخ الحكومة لرفعها أسعار زيوت الطهي، على الرغم من كونها أزمة عالمية، زاعماً أنّ "الحكومة رضخت للتجار وأصحاب مصانع التكرير، الذين عقدوا اجتماعاً مع وزارة التجارة في الـ5 من الشهر الجاري". على الرغم من أنّ الارتفاع لم يتجاوز مقدار 38 تاكا (العملة المحلية) للتر عبوات زيت الطهي الصويا المعبأ، مع تثبيت سعر الزيت غير المعبأ، وتحمل الحكومة للجزء الأكبر من الارتفاع العالمي.

البيان حاول اللعب على وتر معاناة الشعب البنغالي، الذي وصفه بالمثقل بالارتفاع الجنوني للأسعار، دون تقديم أيّ مقترحات أو حلول، لتجاوز الأزمة الاقتصاديّة العالمية.

مواضيع ذات صلة:

- إخوان بنغلاديش بين ممارسة الحسبة وخطاب المظلوميّة

- الإخوان المسلمون في بنغلاديش: خطابات تحريضية ومخططات أفغنة

- الفتنة الطائفيّة.. خطة الإخوان الأخيرة في بنغلاديش