إسرائيل تستولي على آثار فلسطينية لخلق تاريخ مزيف لأكاذيب الاحتلال

إسرائيل تستولي على آثار فلسطينية لخلق تاريخ مزيف لأكاذيب الاحتلال


06/10/2020

استيلاء ونهب ممنهج يطالان المواقع الأثرية التي تزخر بها محافظة سلفيت شمال الضفة الغربية، والتي تشهد على الحقب التاريخية التي مرّت على فلسطين منذ آلاف السنين، وذلك بهدف ضمّها للبؤر والمستوطنات الصهيونية وتحويلها لمناطق سياحية وترفيهية خاصة بالمستوطنين لربط تاريخ تلك المستوطنات بشكل مزيف بتاريخ المواقع الأثرية الفلسطينية، للسيطرة الصهيونية عليها.

الأهمية التاريخية لدير سمعان ودير قلعة وموقعهما الإستراتيجي، دفع سلطات الاحتلال الإسرائيلي لمصادرة وتهويد الموقعين الأثريين، بعد مطالبة المستوطنين بجعل الموقعين متنفساً ومنطقة سياحية

وفي سلفيت لا يعدّ الصراع حضارياً وتراثياً فقط، بل يمتدّ ليكون ديموغرافياً؛ فهي المحافظة الوحيدة بالضفة الغربية المحتلة التي يتفوق فيها حجم الاستيطان وأعداد المستوطنين على عدد الفلسطينيين وقراهم، ففوق أراضيها، التي تقدّر مساحتها بـ 204 كيلومترات مربعة، تجثم 25 مستوطنة، فضلاً عن البؤر الاستيطانية، والتي يقابلها 17 تجمعاً فلسطينياً فقط.

دير سمعان

وأخطرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي الطرف الفلسطيني، بتاريخ 5 أيلول (سبتمبر) 2020، ونشرت إعلاناً مكتوباً باللغة العبرية يفيد بالاستيلاء على موقع دير سمعان الأثري، الذي تبلغ مساحته ستة دونمات و57 متراً مربعاً، وخربة دير قلعة التي تبلغ مساحتها 17 و915 دونماً، وذلك بهدف توسيع المستعمرات القريبة من الخربة، والتأسيس لإنشاء مستعمرة جديدة ستعرف باسم (ليشيم) على أراضي قريتي دير بلوط وكفر الديك في محافظة سلفيت.

اقرأ أيضاً: مشروع وادي السيلكون: إسرائيل تهوّد القدس والسلطة الفلسطينية تتفرّج

ودير سمعان خربة أثرية بيزنطية تقع على قمة تلة ارتفاعها 350 متراً عن سطح البحر، وتقع على بُعد ثلاثة كيلومترات من الشمال الغربي لبلدة كفر الديك غرب محافظة سلفيت، وهي منطقة يعود عمرها التاريخي إلى أكثر من 1600عام، أما دير قلعة الأثري فيقع إلى الشرق بنحو كيلو مترين من بلدة دير بلوط غرب محافظة سلفيت، على ارتفاع 368 متراً عن مستوى سطح البحر في منطقة تشرف على الساحل الفلسطيني المحتل عام 1948، ويعود تاريخها أيضاً إلى أكثر من 1600 عام قبل الميلاد.

اقرأ أيضاً: أساليب شيطانية تلجأ إليها إسرائيل لسرقة أراضي الفلسطينيين

ويضم دير سمعان أكثر من 12 غرفة، ومعصرة للزيتون وأخرى لصنع النبيذ، ومطحنة للحبوب، كما ويضمّ داخله بقايا أربعة خزانات مائية تتصل ببعضها مع قنوات تمتدّ إلى جانب الواجهات الحجرية وتحت الأرضيات الفسيفسائية، ويضمّ أيضاً معبداً ومخازن للحبوب ومرابط للخيل، فيما يطلّ شباك غربيّ من داخل هذه الغرفة على ثلاث برك مائية، نحتت في الصخور الصماء، على غرار برك سليمان في بلدة أرطاس، جنوب بيت لحم.

دير سمعان

أما دير قلعة؛ فيضمّ أكبر خزانات مياه تعود للفترة البيزنطية، وسوراً داخلياً وآخر خارجياً، وأقواساً وبركاً منحوتة في الصخر، وطاقات في أعلى جدران الدير، وغرف طعام واستقبال.

وصادر الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 17 ألف دونم، هي مساحة أراضي كفر الديك، ونحو 50 ألف دونم تعود لدير بلوط، اللذين يتواجد فيهما الدَّيران الأثريان، ولم يتبقَّ إلا الفتات من الأرض، وذلك لصالح بناء جدار العنصري وتشييد أربع مستوطنات صهيونية، هي: إيلي زهاف، وبدوئيل، وبروخين، وليشم.

الباحث خالد معالي لـ"حفريات": هناك قصور شعبي ورسمي بالاهتمام بالمواقع الأثرية الفلسطينية وزيارتها، وهو ما مكّن الاحتلال من وضع لافتات عبرية وصناعة تاريخ مزيّف لتلك المواقع

وتضمّ الأراضي الفلسطينية أكثر من 11 ألف موقع ومعلم أثري، 61% من هذه المواقع تقع ضمن المناطق المصنفة "ج"، والتي تخضع للسيطرة الأمنية والإدارية الإسرائيلية الكاملة، وأغلب السرقات تتمّ في تلك المناطق، عبر تجنيد المهربين ولصوص الآثار ليقوموا بسرقتها ونقلها لدولة إسرائيل بعدة طرق مختلفة.

منطقة سياحية للمستوطنين

بدوره، يقول مدير مديرية السياحة والآثار في محافظة سلفيت، منتصر موسى، خلال حديثه لـ "حفريات" إنّ "الأهمية التاريخية لدير سمعان ودير قلعة وموقعهما الإستراتيجي، دفع سلطات الاحتلال لمصادرة وتهويد الموقعين الأثريين، بعد مطالبة المستوطنين في مستعمرتي ليشم وايلي زهاف المجاورتين، بجعل الموقعين متنفساً ومنطقة سياحية للمستوطنين"، مشيراً إلى أنّ "الاحتلال استولى على 6 دونمات من دير سمعان، و10 دونمات من موقع دير قلعة، بالإضافة إلى 10 دونمات أخرى تقع حول الموقع الأثري".

دير القلعة

ويضيف موسى: "سلطات الاحتلال واصلت منذ عقود التنقيب داخل الموقعين الأثريين، وسرقة بعض القطع الأثرية، بالإضافة إلى اقتحام هذين المعلمين بحماية من قوات الاحتلال الإسرائيلي، حتى أصبح دخول الموقعَين من قبل سلطة الآثار الفلسطينية أو المواطنين الذين يرغبون بزيارتهما مغامرة كبيرة وشبه مستحيلة".

وتابع: "سلفيت غنية بالمواقع الأثرية على مستوى محافظات الضفة الغربية، وتضمّ أكثر من 300 موقع ومقام أثري، تعود للحقبة الرومانية والإسلامية والكنعانية"، مبيناً أنّ "70% من المواقع الأثرية الفلسطينية تقع في المناطق المصنفة (ج)، والتي يسيطر عليها الاحتلال إدارياً وأمنياً، وتهدف إسرائيل من وراء السيطرة على تلك المواقع جعل المخطط الهيكلي للقرى الفلسطينية محدوداً، دون أيّة محاولة لتوسعتها".

اقرأ أيضاً: فلويد الفلسطيني لـ"حفريات": نجوت بأعجوبة من موت محقق

وعمّا هو المطلوب فلسطينياً لحماية المواقع الأثرية من بطش الاحتلال، يقول موسى: "الوقت الحالي يتطلب تفعيل السياحة الداخلية للمواقع الأثرية، تحديداً في المواقع المهددة بالمصادرة، بالإضافة إلى ضرورة قيام منظمة اليونسكو بحماية المواقع الأثرية الفلسطينية من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، وفضح الممارسات الإسرائيلية التعسفية حول العالم".

موقع إستراتيجي بارز

من جهته، يقول الباحث في شؤون الاستيطان بمحافظة سلفيت، خالد معالي: إنّ "الاحتلال الإسرائيلي يتعمّد استهداف الديرَين الأثريَّين، بسبب موقعهما الإستراتيجي البارز، لأنّهما يشرفان على مطار اللدّ في تل أبيب والساحل الفلسطيني والمدن المحتلة عام 1948، كرأس العين وكفر قاسم؛ لذلك أنشأ الاحتلال مستوطنة ليشم في دير سمعان، ومستوطنة بدوئيل في دير قلعة، وهما مستعمرتان مقابلتان لبعضهما، لا يفصلهما سوى سهل دير بلوط الفلسطيني".

دير القلعة

ولفت إلى أنّ "دوافع الاحتلال الحقيقية من وراء الاستيلاء على الموقعين الأثريين أيضاً؛ هي الهيمنة ومصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية، وليست خدمة الجمهور كما يدّعي، وكأن الاستيلاء يأتي لصالح السكان الفلسطينيين، وهي حجج ومبررات مزيفة وغير صحيحة"، مشيراً إلى أنّ "الإجراءات الصهيونية على الأرض تثبت عكس ذلك؛ حيث يتمّ منع دخول الفلسطينيين إلى المنطقتين، كما أنشأ الاحتلال برج مراقبة كبير يقوم بحراسة مستوطنتي ليشم وبدوئيل".

استغلال إسرائيل اتفاقية أوسلو

وتابع معالي: "الاحتلال الإسرائيلي استغلّ الثغرات في اتفاقية أوسلو الموقَّعة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل عام 1995 لصالحه فقط؛ لجعل المواقع الأثرية ضمن المناطق التي يسيطر عليها، لتسهيل الاستيلاء عليها، وهو ما مكّنه من بناء المزيد من المستوطنات والطرق الالتفافية، وسرقة المزيد من الأراضي الزراعية، وطرد الفلسطينيين منها".

اقرأ أيضاً: هل تفرض اليونسكو ولايتها على مؤسسات التعليم الفلسطينية؟

وأكّد أنّ "السياسة الإسرائيلية الحالية تهدف السيطرة على المزيد من الأراضي الفلسطينية لمنع أيّة محاولات فلسطينية مستقبلية لإقامة دولتهم المستقلة، وبالتالي السيطرة على المزيد من الموارد الطبيعية والمواقع الأثرية، في مخالفة واضحة لقرارات منظمة اليونسكو والقوانين الدولية".

وعن حاجة الفترة الحالية للوعي الشعبي الفلسطيني بأهمية المواقع الأثرية وقيمتها الأثرية، ومدى درجة التعويل على ذلك الوعي، يقول معالي: "هناك قصور شعبي ورسمي بالاهتمام بالمواقع الأثرية الفلسطينية وزيارتها، وهو ما مكّن الاحتلال من وضع لافتات عبرية وصناعة تاريخ مزيّف لتلك المواقع، على اعتبار أنّهم موجودون على هذه الأرض قبل الفلسطينيين أنفسهم، على الرغم من أنّ جميع الشواهد تشير إلى أنّ جميع المواقع الأثرية والتاريخية في فلسطين تعود للحقب الإسلامية والرومانية والإغريقية التي توالت على فلسطين، ولا توجد على الإطلاق أيّة شواهد لآثار يهودية فيها".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية