"إعادة التفكير الأخيرة في الإسلاموية".. دليل للتطرف غير العنيف

"إعادة التفكير الأخيرة في الإسلاموية".. دليل للتطرف غير العنيف

"إعادة التفكير الأخيرة في الإسلاموية".. دليل للتطرف غير العنيف


14/09/2023

فيما ظلّ التطرف العنيف والجهادي يطغى لفترة طويلة على دراسات الإرهاب والتطرف، غير أنّ قراءات جديدة اهتمت بالتطرف غير العنيف، الذي قالت إنّه يمكن أن يكون مقدمة للإرهاب، ويجب اعتباره مجالاً قائماً بذاته للدراسة.

ومثلت هذه الرؤية الجديدة ركيزة أولى بنى عليها كلٌّ من الدكتورة إليسا أوروفينو والدكتور ويليام ألكورن كتابهما الجديد حول التطرف غير العنيف، وعلاقته المعقدة والمتعددة المستويات مع النشاط السياسي والاجتماعي، والتشدد، والتطرف العنيف، والإرهاب، بعنوان: "إعادة التفكير الأخيرة في الإسلاموية ما وراء العنف الجهادي".

تشغل إليسا أوروفينو منصب المشرفة الأكاديمية لأبحاث التطرف ومكافحة الإرهاب في معهد الدراسات الأمنية للمنطقة الشرقية، جامعة أنجليا روسكين، بالمملكة المتحدة. ولديها منشورات كثيرة بشأن التطرف والجماعات المتطرفة والتشدد، والمسلمين في الغرب والحركات الاجتماعية.

أمّا ويليام ألشورن، فهو أستاذ مشارك في السياسة والعلاقات الدولية في ريتشموند، الجامعة الأمريكية الدولية في لندن، والمدير المؤقت لمركز تحليل اليمين المتطرف، ويعمل أيضاً خبيراً في الحركات الاجتماعية اليمينية المتطرفة المعادية للإسلام في المملكة المتحدة، ويقدّم المشورة لحكومات المملكة المتحدة والولايات المتحدة وأستراليا بشأن أساليب تعاملها مع التطرف اليميني. الدكتور ألشورن هو أيضاً مؤلف كتاب "الاحتجاج المناهض للإسلام في المملكة المتحدة: النهج السياسي تجاه اليمين المتطرف" (2018)؛ وكتاب "تجاوز التطرف الإسلاموي: تقييم السرديات المضادة لليمين المتطرف العالمي" (2022).

المنطقة الرمادية

هذا الكتاب الذي تناوله موقع "عين أوروبية على التطرّف" في تحليل متعمق وشامل للتطرف غير العنيف، عبر مختلف الإيديولوجيات والمناطق الجغرافية، لفت فيه المحرّران إلى أنّه "يمكن للأفراد أن يستريحوا في المنطقة الرمادية بين التشدد والتطرف لفترة طويلة قبل الانتقال إلى الإرهاب، إذا كانوا سيمضون قُدماً في المقام الأول باتجاه الإرهاب".

غلاف الكتاب

إنّ الافتراض بأنّ جميع المتطرفين سيصبحون إرهابيين قد يمنع العلماء من دراسة التحدي الذي تطرحه تلك الجماعات أمام الحكومات الوطنية، تلك الجماعات التي لا تمارس ضغطها من خلال العنف، ولكن من خلال قوة الأفكار.

وقد قدّم الكتاب مجموعة ضخمة من الإسهامات من الباحثين الذين يركزون على المظاهر الإسلاموية والبوذية والهندوسية واليمينية المتطرفة واليسارية المتطرفة والنسوية وجماعات حماية البيئة. ويناقش الأساس الإيديولوجي لـ "حرب الأفكار" التي يمارسونها ضد النظم الاجتماعية والسياسية والثقافية السائدة التي يعيشون فيها، ويقدّم فحصاً تجريبياً لمطالبهم، ووجهات نظرهم الرئيسة.

قراءات جديدة اهتمت بالتطرف غير العنيف الذي قالت إنّه يمكن أن يكون مقدمة للإرهاب، ويجب اعتباره مجالاً قائماً بذاته للدراسة

ويتقاطع دليل روتليدج مع العديد من التخصصات ذات الصلة، بما في ذلك دراسات الحركة الاجتماعية والعلوم السياسية، وعلم الجريمة، والدراسات الإسلامية، والأنثروبولوجيا. وعلى الرغم من أنّ الدليل مفصل للغاية ومتخصص للغاية من ناحية، فإنّه يقدم من ناحية أخرى صورة أكبر مثيرة للاهتمام للتطرف غير العنيف للشخص العادي غير المتخصص.

الحاجة إلى نهج أفضل

كاتب مقدمة "الدليل" الذي تناول تحليلاً للكتاب ماثيو فيلدمان يشير إلى أنّ المحررين والمؤلفين يظهرون أنّه عند شرح التطرف غير العنيف، يمكننا، بل يجب علينا، أن نفعل ما هو أفضل من اعتماد نهج "أعرف ذلك عندما أراه"، ووصف التطرف غير العنيف على أنّه "معارضة الخصم (في الغالب المؤسسة) باستخدام جميع الأدوات القانونية المتاحة (الاحتجاجات بشكل عام، والالتماسات، والمظاهرات، والحملات عبر الإنترنت) ولكن من دون استخدام العنف". ومن السمات الأساسية رفض التعددية والعداء للديمقراطية المتعددة الثقافات، سواء من قبل الدول أو الجماعات أو العقائد.

ويختلف المتطرفون غير العنيفين عن العنيفين الذين يؤيدون قتل الأبرياء، وبالتالي يُحظرون ويضطهدون بسهولة أكبر من قبل الحكومات في جميع أنحاء العالم، ويقف المتطرفون غير العنيفين في مساحة محدودة للغاية في الدول الغربية، حيث تمنحهم حرية التعبير وتكوين الجمعيات والحق في العمل بشكلٍ قانوني، على الرغم من معارضتهم للقيم والآليات الرئيسة داخل الدول الديمقراطية.

يختلف المتطرفون غير العنيفين عن العنيفين الذين يؤيدون قتل الأبرياء

وبحسب القراءة التحليلية للكتاب، تمثِّل الجماعات المتطرفة غير العنيفة، مثل حزب التحرير، دليلاً حيّاً على انتقال الأفراد من تأييد أفكار محددة (التشدد) إلى التعبير عن المعارضة الصريحة (التطرف) دون القيام بأعمال عنف (الإرهاب). وعلى الرغم من أنّ بعض الأشخاص المنتسبين إلى الجماعة قد تحولوا إلى الإرهاب، فإنّ الحزب ككل وقف بثبات إلى جانب التزامه باللّا عنف.

صنوف مختلفة من التطرف

إلى جانب سهولة الخلط بين التطرف وبين النشاط السياسي والاجتماعي، يمكن أن يأتي التطرف في العديد من الأشكال: التطرف بالطريقة وليس بالهدف، أو التطرف بالهدف وليس بالطريقة، أو التطرف بالهدف والطريقة.

ويشير الكتاب بحسب "عين أوروبية على التطرّف" إلى أنّ الشيء الذي يوحّد المتطرفين (سواء بالرأي أو العنف) هو رفضهم للتعددية والقواعد القانونية والنظام الاقتصادي والسياسي والديني والاجتماعي الذي يعيشون فيه. ومع ذلك، فلا ينبغي أن يكون تبنّي الأفكار النقدية للنظام السائد كافياً لتجريم مجموعة (أو أفراد) في الغرب، حيث يجب منح الحقوق العالمية (مثل حرية التعبير وتكوين الجمعيات).

يمكن للأفراد أن يستريحوا في المنطقة الرمادية بين التشدد والتطرف لفترة طويلة قبل الانتقال إلى الإرهاب

وقد يحدث التجريم (والحظر اللاحق) عندما يكون هناك دليل على أنّ جماعة ما قد شقت طريقها بالفعل على طول الحزام الناقل المعرفي والسلوكي للتطرف/ العنف. الإشكالية هي أنّه حتى هذا قد ثبُت أنّه غير كافٍ لحظر جماعات متطرفة صريحة محددة في بعض الدول الغربية مثل المملكة المتحدة.

الحاجة إلى أجندة بحثية جديدة

يحث دليل "روتليدج" حول الكتاب على الحاجة إلى أجندة بحثية جديدة تتجاوز مشكلتين رئيسيتين تسببتا في الدور الهامشي الحالي الذي تنهض به البحوث حول اللّا عنف في دراسة التطرف؛ المشكلة الأولى هي ميل الباحثين إلى ربط التطرف غير العنيف بالإرهاب، على افتراض أنّ جميع المتطرفين غير العنيفين سيصبحون إرهابيين عاجلاً أم آجلاً.

وتتمثل المشكلة الثانية في الثغرة الموجودة في البحث الأكاديمي الحالي، حيث ما تزال دراسة التطرف غير العنيف تركز على دراسة إيديولوجية معينة (أي التطرف الجهادي).

ومع قبول أنّ التطرف غير العنيف يسبق الإرهاب، يرفض هذا الكتاب الافتراضات الأكاديمية التي تقول بحتمية تطور التطرف إلى إرهاب. ويقرّ بأهمية التطرف غير العنيف كمساحة انتقالية فاصلة غير محددة المعالم تسبق الأعمال الإرهابية، ولكنّه يجادل في الوقت نفسه بأنّ التطرف غير العنيف يحتفظ بنفسه كمجال مستقل للدراسة في حدّ ذاته.

 التطرف غير العنيف يسبق الإرهاب

كما يهدف إلى أن يكون مصدراً شاملاً للأدبيات التي تمسّ صنوفاً مختلفة من التطرف غير العنيف -التقليدي وما بعد الحداثي على حدٍّ سواء- تتجاوز التركيز الحصري تقريباً على الإسلاموية. وسيضيف كاتب هذه المراجعة أيضاً اليمين البديل الذي أصبح حالة نموذجية للدراسات الحديثة.

وفيما يتعلق ببنية الكتاب، فهو ينقسم بعد المقدمة الشاملة إلى (4) أجزاء؛ كلّ منها يضم عدداً من دراسات الحالة لجماعات أو اتجاهات محددة للتطرف غير العنيف. الجزء الأول: بين التطرف: العنف واللّا عنف عبر إيديولوجيات متعددة. الجزء الثاني: التطرف الديني "القديم" و"الجديد": الحركات الإسلاموية والبوذية والهندوسية غير العنيفة. الجزء الثالث: التطرف اليميني: الحركات اليمينية الإقصائية غير العنيفة. الجزء الرابع: تطرف ما بعد الحداثة؟ الحركات اليسارية والنسوية والبيئية غير العنيفة منذ سبعينيات القرن الـ (20).

(3) مراحل متصلة

وفي الدليل التحليلي المعمّق للكتاب، يشير الدكتور أوروفينو والدكتور ألكورن في الخاتمة إلى أنّه على الرغم من أنّ المتطرفين ليسوا جميعاً إرهابيين، فإنّ الحقيقة هي أنّ جميع الإرهابيين قد تحرّكوا على طول السلسلة المتصلة المتخيّلة، بدءاً من التطرف، والمضي قُدماً في التطرف، وانتهاءً بالعمل الإرهابي.

بالنظر إلى العلاقة بين هذه المراحل الـ (3)، فإنّ هذه المساهمة تمثل إضافة موضوعية للنقاش الأكاديمي والسياسي الحالي حول مثل هذه القضايا الأمنية الملحة التي تشدِّد على الحاجة إلى إعادة تركيز البحوث على الوقاية بدلاً من النُهج القمعية.

يقف المتطرفون غير العنيفين في مساحة محدودة للغاية في الدول الغربية، حيث تمنحهم حرية التعبير وتكوين الجمعيات الحق في العمل بشكل قانوني

وتجدر الإشارة إلى أنّ الفصول المخصصة للعديد من دراسات الحالة أظهرت أنّ الجماعات المتطرفة غير العنيفة تتقاسم الأسس الإيديولوجية نفسها لنظيراتها الإرهابية، وأنّ الاختلاف يكمن في الطريقة (الأساليب) المختارة لتحقيق أهدافها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية، كونها لا تنطوي على استخدام العنف.

وكما هو موضح في جميع أنحاء الكتاب، وعبر الإيديولوجيات المختلفة، تميل الجماعات المتطرفة غير العنيفة في الغالب إلى بناء منهجيتها على الدعاية الموجّهة إلى الجماعات المستهدفة من أجل كسب قلوب وعقول أكبر عدد ممكن من الأتباع. ينبع هذا من قناعتها بأنّ التغيير طويل الأجل يتطلب وقتاً لتنفيذه: الناس يحتاجون أوّلاً لقبول الأفكار التي تتبنّاها الجماعة، ثم تبني قضيتها، وأخيراً التوق بقوة إلى التغيير الذي تدعو إليه.

مواضيع ذات صلة:

بين ثقافتين... كيف نواجه التطرف بالإبداع؟

بهذه الطرق تستغل الجماعات المتطرفة والميليشيات الإيرانية الكوارث الطبيعية

هل يتحول إقليم آتشيه في إندونيسيا إلى محطة للاجئين المتطرفين؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية