إيران المستفيد الحقيقي من الحرب في غزة... كيف؟

إيران المستفيد الحقيقي من الحرب في غزة... كيف؟

إيران المستفيد الحقيقي من الحرب في غزة... كيف؟


02/01/2024

على الرغم من أنّ الصراع المسلح بين إسرائيل وفلسطين كان مصدر قلق لعقود من الزمن، إلا أنّ الوضع في المنطقة بات يزداد سوءاً بمعدل غير مسبوق، خصوصاً أنّ هجمات حماس المدعومة من إيران لم تفعل شيئاً على الإطلاق للمدنيين في غزة أو للقضية الفلسطينية ككل فيما يتعلق بتحقيق أيّ مصالحة محتملة أو سلام في غزة.

وبحسب دراسة حديثة نشرها (المركز العربي لدراسات التطرّف) بعنوان "إيران: المستفيد الحقيقي من صراع غزة"، فإنّه من المحتمل جدّاً أن تكون إيران على علم بخطط حماس مسبقاً. 

الدراسة لفتت إلى أنّ المملكة العربية السعودية كانت على وشك التوصل إلى اتفاق تطبيع مع إسرائيل برعاية الولايات المتحدة، وكان من المرجح أن يتضمن مثل هذا الاتفاق إمكانية وجود برنامج نووي مدني للمملكة العربية السعودية، وزيادة تعزيز التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، وإمكانية التوصل إلى اتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين تحت مظلة النفوذ السعودي، وفق الدراسة.

كما أنّه تم، قبل شهر تقريباً من هجمات حماس، الإعلان عن خطة لإنشاء ممر بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا خلال قمة مجموعة الـ (20) في نيودلهي. ولفتت الدراسة إلى أنّ هذا الممر، الذي يُنظر إليه على أنّه مشروع ربط استراتيجي إقليمي، يشمل في المقام الأول الهند والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والأردن وإسرائيل. 

من المحتمل جدّاً أن تكون إيران على علم بخطط حماس مسبقاً

وهذا يتعارض بلا شك مع طموحات إيران الإقليمية طويلة الأمد وأجندتها المزعزعة للاستقرار تجاه العديد من الدول العربية، وفقاً لما جاء في الدراسة.

وترى الدراسة أنّ التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في المنطقة بشأن الحرب المستمرة في غزة تؤدي إلى تأجيج المشاعر العامة في العديد من الدول العربية، ممّا يضغط على الحكومات الإقليمية فيما يتعلق بعدم المضي قُدماً في أيّ خطوات ملموسة نحو التطبيع أو المزيد من التعاون الاقتصادي مع إسرائيل، وهو بالتحديد أحد الأهداف الرئيسة لإيران. 

وبما أنّ إيران قد خذلت حماس بالفعل في صراعها مع إسرائيل، فمن الواضح أنّ أيّ رهان على موقف إيران تجاه الحرب في غزة أصبح في غير محله الآن. وهذا يعني أيضاً أنّ التهديد الإقليمي والعالمي الذي تشكّله إيران هو أكثر بكثير من مجرد إشعال مواجهة بين حماس وإسرائيل. 

 

من الواضح أنّ أيّ رهان على موقف إيران تجاه الحرب في غزة أصبح في غير محله الآن

 

ومن خلال استخدام الصراع كتكتيك لتأجيج نيران الصراع وعدم الاستقرار في المنطقة، تسعى إيران لصرف الانتباه عن مصاعبها الاقتصادية، وتحدياتها الاجتماعية والسياسية، وطموحاتها الإقليمية، وتطوير برنامجها النووي. وقد تعمل هذه الاستراتيجية أيضاً على تشتيت انتباه مواطنيها، والسماح لإيران بحشد المشاعر القومية وإظهار نفسها كبطل للمضطهدين ممّا يعزز أجندتها الإقليمية.

كما أنّ الفوضى والاهتمام الدولي الذي ينجذب إلى الصراع في غزة يوفران لإيران فرصة لتحويل الانتباه العالمي بعيداً عن أنشطتها في مجال التطوير النووي. فمن خلال تكثيف مشاركتها في الصراعات الإقليمية والاستفادة من الاهتمام المحيط بالحرب في غزة، ربما تحاول إيران إخفاء تقدمها النووي. لقد واجهت إيران انتقادات وعقوبات على مر الأعوام بسبب المخاوف المحيطة ببرنامجها النووي.

كذلك، تتمتع إيران بتاريخ راسخ في استخدام الحرب بالوكالة، حيث تدعم الجهات الفاعلة غير الحكومية في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغزة، وتمثل الحرب المستمرة في غزة فرصة لإيران لتعزيز وترسيخ علاقاتها وتحالفاتها في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

إيران قد خذلت حماس بالفعل في صراعها مع إسرائيل

وبالنسبة إلى إيران، كانت زعزعة استقرار المنطقة وخلق بيئة مواتية للتمرد هدفين طويلي الأمد. ومن خلال استغلال التوترات الجيوسياسية الحالية ستهدف إيران إلى زعزعة استقرار البلدان المجاورة، وخاصة تلك التي تُعدّ معادية لمصالحها، بما في ذلك الدول العربية المختلفة، بحسب ما جاء في الدراسة.

ومن خلال استغلال الصراعات والتوترات الطويلة، يمكن لإيران أن تحاول تقويض استقرار الدول العربية المجاورة، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر، العراق وسوريا واليمن. ويخلق عدم الاستقرار هذا بيئة مواتية لانتشار الإيديولوجيات المتطرفة الإيرانية، ممّا يؤدي إلى إدامة الإرهاب داخل المنطقة.

وقد أصبح مثل هذا النمط واضحاً مؤخراً في اليمن، حيث زاد الحوثيون، الذين يتلقون الدعم من إيران، من هجماتهم على السفن التجارية خلال الأسابيع القليلة الماضية، بما في ذلك الهجوم الذي أدى إلى ضربة صاروخية ضد ناقلة نرويجية.

 

تسعى إيران لصرف الانتباه عن مصاعبها الاقتصادية وتحدياتها الاجتماعية والسياسية وطموحاتها الإقليمية

 

وترجح الدراسة أنّه في حالة تصاعد التوترات الإقليمية يمكن توجيه القدرات المسلحة للحوثيين، تحت نفوذ إيران، نحو دول عربية مختلفة تعتبرها إيران شركاء إقليميين للولايات المتحدة، مشيرةً إلى أنّ مثل هذا السيناريو ليس غير واقعي؛ لأنّ إيران، من الناحية العملية، غير قادرة على مواجهة الولايات المتحدة أو إسرائيل عسكرياً بشكل مباشر، وبالتالي تضطر إلى اللجوء إلى الجماعات الوكيلة لها في شن هجمات على مصالح الولايات المتحدة في المنطقة وشركائها العرب الإقليميين، خاصة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وهي المنطقة التي يطلق عليها اسم "محور المقاومة".

في غضون ذلك، ما يزال التهديد الناجم عن صعود حركات التمرد والجماعات المتطرفة في العراق وسوريا يشكّل مصدر قلق بالغ وطويل الأمد، فضلاً عن أنّه يمثل فرصة لإيران لمواصلة تعزيز دعمها لهذه الجماعات في ضوء الأزمة المستمرة في غزة. ومن المعروف أنّ كلا البلدين يتمتعان بحضور قوي للفصائل المدعومة من إيران. 

بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الصراع الدائر في غزة يخلق أرضاً خصبة لتمكين العناصر المتطرفة التي تدعو إلى العنف لتحقيق أهدافها، ونتيجة لذلك قد يكون الأفراد المحبطون عرضة للتجنيد من قبل المنظمات المتمردة والإرهابية التي تسعى لاستغلال إحباطاتهم.

ويظل إحباط استغلال إيران غير المباشر للوضع عبر مجموعاتها الوكيلة في الشرق الأوسط أمراً في غاية الأهمية. ومن الأهمية بمكان تعزيز الوحدة بين الحلفاء العرب الإقليميين، الذين ينبغي لهم أن ينظروا إلى التهديد الذي تمثله إيران باعتباره خطراً مشتركاً. 

ومن خلال تبنّي جبهة موحدة، يصبح بوسع الولايات المتحدة والشركاء العرب الإقليميين تقديم معارضة أقوى وأكثر اتحاداً لإيران، وبالتالي تقليص نفوذها وسلوكها العدواني المتوقع. وترى الدراسة أنّ التعاون في تطوير القدرات الدفاعية، وقابلية التشغيل البيني، والتدريبات العسكرية المشتركة، وزيادة المشاركة الدبلوماسية، يمكن أن تعزز قدرة الردع الجماعي ضد التدخل الإيراني المستمر.

 

الفوضى والاهتمام الدولي الذي ينجذب إلى الصراع في غزة يوفران لإيران فرصة لتحويل الانتباه العالمي بعيداً عن أنشطتها في مجال التطوير النووي

 

ومع ذلك، وبالنظر إلى تاريخ إيران في الحرب بالوكالة ودعم الإرهاب، يجب على الولايات المتحدة والحلفاء العرب الإقليميين التركيز على العمل معاً لتعزيز قدراتهم في مكافحة الإرهاب ومكافحة التمرد. ويمكن أن تركز الجهود المنسقة على تبادل المعلومات الاستخبارية، ومراقبة الحدود، والعمليات العسكرية المنسقة التي تستهدف الوكلاء المدعومين من إيران. ومن خلال تعطيل قدرة إيران على دعم وإمداد مثل هذه الجماعات، تستطيع الولايات المتحدة والحلفاء العرب تقويض نفوذ إيران في الشرق الأوسط.

وخلصت الدراسة إلى أنّه على الرغم من أنّ الوضع في غزة مهم للغاية بالنسبة إلى المجتمع الدولي، نظراً لأنّ الصراع يهدد بآثار غير مباشرة عديدة، فمن الأهمية بمكان أيضاً أن يظل المجتمع الدولي يقظاً، ويضمن بذل الجهود الدبلوماسية والاستراتيجية لمنع إيران من استخدام الصراعات الإقليمية بمثابة ستار من الدخان لتعزيز طموحاتها النووية. 

مواضيع ذات صلة:

روسيا وإيران في قمة حرب غزة: تمارين سياسية لمرحلة إقليمية جديدة

الحوثيون يثيرون القلق العالمي... خطة إيرانية جديدة



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية