احتجاجات إيران يُسمع صداها في لبنان.. ما خيارات حزب الله؟

احتجاجات إيران يُسمع صداها في لبنان.. ما خيارات حزب الله؟

احتجاجات إيران يُسمع صداها في لبنان.. ما خيارات حزب الله؟


13/10/2022

هشام النجار

بعد انطلاق الانتفاضة ضد سلطة دولة المرشد في إيران عقب مقتل الفتاة مهسا أميني في منتصف سبتمبر الماضي، لم تعد التساؤلات المطروحة حول مدى تأثير تحجيم نفوذ حزب الله في الساحة اللبنانية على قدرات داعميه الإقليميين، بل بات النظر يتجه صوب المسار العكسي فيما يتعلق بتأثير استمرار الأوضاع المتوترة في طهران على الوكلاء المهمين في المنطقة العربية، وأبرزهم حزب الله اللبناني الموالي لإيران.

وتبدو موجة الاحتجاجات المتصاعدة ضد النظام الحاكم في إيران، رغم محاولات قمعها بالقوة، أكثر تصميمًا من سابقاتها، ما يشير إلى أنها قد تكون إرهاصًا لحدث أكبر، هو ما يقلق في المقام الأول الكيانات المدعومة من طهران والميليشيات الممولة من قبلها والموزعة على شكل كيانات وكتل قوية داخل بعض دول المنطقة العربية.

ولم تفلح الاحتجاجات، التي شارك فيها مئات الآلاف من اللبنانيين منذ ثلاثة أعوام ضد النخب السياسية والحكومة وحزب الله الذي يلعب الدور الأكبر في ظل انهيار اقتصادي غير مسبوق، في هز سلطة الحزب ونفوذه.

ويُرجح أن يختلف الأمر إذا قادت الاحتجاجات في إيران إلى تغييرات من شأنها أن تؤثر بقوة في الحزب المدعوم من نظام ولاية الفقيه، واكتسب نفوذًا مضاعفًا إثر فشل الثورة السورية على نظام بشار الأسد، وبعد توقيع الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران في عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما.

ضبابية صفحة المرشد

ويرى مراقبون أن انتقال الصراع إلى الداخل الإيراني يعني بروز عنوان رئيسي للمرحلة مفاده احتمال طي صفحة دولة المرشد إلى الأبد أو على الأقل إحاطتها بضبابية، وما يترتب على ذلك من قصقصة كبيرة لتدخلات إيران الإقليمية وترك الميليشيات الموالية لها في العراق وسوريا واليمن ولبنان في العراء دون غطاء سياسي وإسناد عسكري.

ويسهّل هذا السيناريو تحجيم الكيانات الطائفية التي تعمل بأذرع سياسية وعسكرية بمعزل عن الدولة الوطنية، وربما إنهاء أدوارها ونسف نفوذها بجهد شعبي أقل مقارنةً بما بُذل على مدار السنوات الماضية.

ويؤدي حدوث تغيير جوهري في معادلة السلطة بإيران خلال المرحلة المقبلة إلى خسارة حزب الله الداعمَ الأول له ماديا ومعنويا، ما يفقده القدرة على الوقوف على قدميه، لأن الحزب يعاني أصلًا من أوضاع تشوبها الكثير من التعقيدات في الداخل اللبناني منذ أن انفجر مرفأ بيروت قبل عامين.

وفقدت العنتريات التي أطلقها قادة حزب الله، وما يتعلق بمزاعم إنقاذه لبنان من أزمته الاقتصادية الخانقة عبر التعاون مع النظام الإيراني، قيمتها قبل حتى انطلاق شرارة الاحتجاجات في غالبية المدن الإيرانية.

وتعمق الأوضاع المتوترة في إيران مأزق حزب الله الذي يستمد الجزء الأكبر من نفوذه من كونه يعمل كرأس حربة إقليمية للحرس الثوري الإيراني في المنطقة، وهو ما جعل احتواءه وتحجيمه أمرا صعبًا في السابق.

وتتوج التطورات في المشهد الإيراني جملة من التحولات الكبيرة التي يصعب حجب تأثيرها عن الساحة اللبنانية، بداية من تراجع حظوظ حزب الله بعد انفجار مرفأ بيروت ونتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ومرورًا بالتغييرات الناجمة عن الحرب الروسية – الأوكرانية والتحول الطارئ على مفاوضات الملف النووي الإيراني، فضلًا عن التفاهم والتقارب بين إسرائيل وبعض الدول العربية.

ولن يقدر حزب الله على المواصلة بنفس النفوذ وبذات الخطاب الاستعلائي المعاند للطيف الحزبي والسياسي ولغالبية اللبنانيين في حال فقدانه الراعي والداعم الإيراني.

حسابات حذرة

وإذا انهار النظام في إيران تصبح قوة حزب الله المسلحة بلا قيمة حقيقية؛ وستصير بمثابة “يد من حديد لذراع من جريد” وفقًا لوصف الأديب المصري عباس محمود العقاد، في مقال له بصحيفة “البلاغ” اليومية في يوليو 1928 اعتراضًا وسخرية من تصريح رئيس الحكومة حينئذ محمد محمود بـ”أنه سيضرب بيد من حديد”، قاصدًا المعارضة وحركات النشاط الثوري آنذاك.

وتضطر المتغيرات والتحولات في المشهدين المحلي والإقليمي حزب الله إلى وزن حساباته بحذر وبالكثير من التواضع والمرونة عبر الإسراع في إعادة التموضع لإيصال تأثير ما يجري في الإقليم وفي الداخل الإيراني عليه إلى الحد الأدنى.

وقد يدفع الحدث الإيراني حزب الله إلى الاستسلام وقبول إستراتيجية الدفاع الوطني التي وعد بها الرئيس اللبناني ميشال عون ثم تخلى عنها حتى لا يغضب قادة حزب الله، وتتضمن دمج الميليشيا المسلحة ضمن المؤسسات كما حدث مع قوات الحشد الشعبي في العراق.

ودرست مراكز تحليل تابعة لحزب الله في الآونة الأخيرة سيناريوهات الاندماج السياسي والذوبان في مؤسسات الدولة وتعيين نائب رئيس جمهورية من الطائفة الشيعية والحصول على مناصب عليا في المراكز والمؤسسات الكبرى، مثل قيادة الجيش والبنك المركزي.

وسوف يكون حزب الله اللبناني حريصًا على الحفاظ على مكتسباته ونفوذه في الداخل اللبناني على الأقل، متفاديا تأثير أي تغيير قد يحصل في إيران عليه عبر التخلي عن كونه جناحا عسكريا ضمن أجنحة الحرس الثوري وتسريع عملية دمجه سياسيًا وعسكريا داخل المعادلة اللبنانية.

وقبل أن تصبح التفاعلات المحلية داخل لبنان أكثر ميلًا واستعدادًا لتغييرات أكثر عنفًا وحدّية باتجاه إحداث تغيير لا مفر منه على وقع المستجدات الإقليمية سيجتهد حزب الله في صياغة تصور دستوري وسياسي يبقيه في قلب المشهد وفي ذروة السلطة، وذلك في ظل صعوبة استمراره متحكمًا وحيدا في القرارات الإستراتيجية والسيادية في لبنان.

ولن تتغير الأوضاع في لبنان بين يوم وليلة ولن يتساقط نظام ولاية الفقيه بداية من المركز وانتهاءً بالفروع (خاصة الجناح اللبناني) كتساقط قطع الدومينو المتراصة، حيث تظل مسألة سلاح الحزب وتلويحه بالحرب الأهلية ورقة ضغط يوظفها لتعزيز صلاحيات الشيعة، مطالبًا بوزن سياسي أفضل من غيره.

ولن تظل المعادلة في لبنان مستقبلًا كما كانت قبل حدوث الحراك الشعبي في إيران، لكن حزب الله سيناور بما في يده من أوراق قوة للحفاظ على نفوذه كما هو دون أن يتكبد خسائر جسيمة.

وكانت طموحات حزب الله في ظل الأوضاع الإقليمية الطبيعية وقبل اندلاع شرارة الاحتجاجات في إيران تدور حول تغيير الدستور للخروج من اتفاق الطائف وإعادة توزيع ميزان القوى السياسية.

وبُنيت تلك الطموحات على تصور مفاده أن تمثيل الشيعة السياسي في لبنان ضعيف مقارنةً بالمسيحيين والسنة، ولهذا خطط حزب الله لتشكيل نظام جديد يرتكز على قوته وتحالفاته الإقليمية ويحوز فيه القدر الأكبر من السلطة على حساب الأطراف الأخرى.

وتعاظمت قوة حزب الله طوال العقود الماضية وأصبح أقوى من الدولة نفسها بفضل الصلات الوثيقة التي تربطه بالنظام الديني الحاكم في إيران، وحقق لنظام الولي الفقيه أهدافًا عديدة؛ حيث كان الأداة الأهم في تنفيذ أجندته التوسعية في الشرق الأوسط، فضلًا عن الهيمنة على لبنان، ودافع عن حليفهما المشترك في سوريا ودعم الفصائل الشيعية المسلحة المدعومة من إيران في كل من العراق واليمن.

ولم يتورع حزب الله عن القيام بأي مهمة تحقق مصالح إيران على حساب الدولة اللبنانية، حيث أسهم في تفكيك المؤسسات وتحويلها إلى دولة مفلسة وشبه فاشلة، وتدمير علاقاتها مع المحيط العربي والخليجي.

طموحات وإخفاقات

وظل الحزب على استعداد دائم للزج بلبنان في مواجهة مع إسرائيل لتخفيف الضغط عن النظام الإيراني وتحقيق مكاسب في ملفات تخصه غير آبه بتدمير ما بقي من بنيته التحتية ومواصلة تهجير سكانه، خاصة المسيحيين منهم، في سياق مخطط لإزالة الوجود المسيحي من المنطقة كلها.

وتحدث المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي عن لبنان وسوريا والعراق باعتبارها قواعد الدفاع الأمامية لطهران بجهود الميليشيات الموالية لها، خاصة حزب الله الذي لا يُخفي موالاته لإيران الخمينية منذ تأسيسه.

وجاء في الإعلان التأسيسي للحزب أو ما يُسمى بـ”الرسالة المفتوحة” التي وجهها الحزب إلى البسطاء في لبنان والعالم في فبراير 1985: "إننا أُمة أبناء حزب الله نعتبر أنفسنا جزءًا من أمة الإسلام المركزية في العالم، نلتزم بأوامر قيادة واحدة، حكيمة عادلة، تتمثل بالولي الفقيه الجامع للشرائط، وتتجسد حاضرًا بالإمام المسدد آية الله العظمى روح الله الموسوي الخُمِيني دام ظله".

ومقابل هذه الموالاة المطلقة والتفاني في خدمة أجندة دولة المرشد في إيران يحصل الحزب على دعم عسكري ومالي سخي جعله مكتفيًا بذاته ولا يتأثر بالوضع الاقتصادي والاجتماعي الكارثي الذي يعاني منه أغلب اللبنانيين.

ونتيجة هذا الدعم سيطر حزب الله على جهاز مخابرات قوي ومتشعب يقوم بمهام حماية قادته وحفظ الأمن في مناطق سيطرته بجنوب لبنان والضاحية الجنوبية في العاصمة بيروت، علاوة على المناطق الحدودية مع سوريا.

وبجانب النفوذ السياسي الذي تُوج في عام 2018 بفوزه مع حلفائه بأغلبية المقاعد في مجلس النواب يدير الحزب ضمن أنشطته التجارية إمبراطورية متكاملة تشمل شركات خاصة بمواد البناء والسلع الغذائية فضلًا عن المستشفيات والمدارس.

ومن الطبيعي أن تتفكك هذه المعادلة التي تقضي بالدعم السخي من الكفيل الإقليمي مقابل خدمة أجندته ومصالحه من قبل الوكيل المحلي، حال حصول تقويض لنفوذ أحد طرفيها؛ فتراجع حظوظ حزب الله داخل لبنان يهدد طموحات إيران الكبرى، كما أن أي هزة لسلطة دولة المرشد سيرتج لها جسد الحزب اللبناني.

ولن يقتصر تأثير الاحتجاجات، المرشحة بقوة لأن تتحول إلى ثورة، على الداخل الإيراني بل سيمتد إلى دول عربية بحكم الدور القوي الذي يلعبه وكلاء النظام الإيراني داخلها.

ولن يكون من المستبعد أن يرضخ حزب الله إذا سقط نظام المرشد الداعم له في إيران ويغير سياساته في لبنان، متخليّا عن سلاحه للجيش اللبناني مقابل الاندماج والشراكة في السلطة والنفوذ، شريطة أن يكف عن التدخل في شؤون الدول وأن يكتفي بكونه مجرد حزب سياسي لا أكثر.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية