الأردن في مواجهة فتنة حماس وإيران

الأردن في مواجهة فتنة حماس وإيران

الأردن في مواجهة فتنة حماس وإيران


01/05/2024

سامح إسماعيل

في مطلع نيسان/ أبريل الجاري، أقرّت جماعة “الإخوان المسلمين” في الأردن، عبر الناطق باسمها معاذ الخوالدة، بوجود اتصالات مع حركة “حماس” الفلسطينية، في إطار مواجهة ما وصفته الجماعة بمواجهة “الأطماع الصهيونية” التي تستهدف الأردن. وقال الخوالدة إن “أمن واستقرار الأردن؛ يُعد بالنسبة للحركة الإسلامية من الثوابت، ومصلحة تتقدم على أي مصلحة أخرى”.

الخوالدة نفى في الوقت نفسه، وجود أي تنسيق مع “حماس” أو إيران، فيما يتعلق بالتظاهرات المستمرة في الشارع الأردني، أو بالدعوات التي وجّهتها بعض قيادات “حماس” للشارع الأردني؛ للتحرّك صوب محيط السفارة الإسرائيلية في عمّان.

جدير بالذكر أن خالد مشعل، زعيم “حماس” بالخارج، وجه دعوات صريحة للشارع الأردني، بالتحرّك المكثّف، والخروج بالملايين بشكل مستدام، وذلك في كلمة وجّهها ضمن أحد الفعاليات الداخلية لـ”الحركة الإسلامية”، وهي التصريحات التي وصفها الخوالدة بأنّ البعض حمّلها ما لا تحتمل.

بدوره، لم يبدِ المتحدث الرسمي باسم الحكومة الأردنية، مهند مبيضين، استغراباً من وجود اتصالات بين “إخوان” الأردن و”حماس”، بوصفهما تنطلقان من بوتقة أيديولوجية واحدة، لكنّه هاجم قياداتٍ في حركة “حماس”، لم يسمها؛ قائلاً إنّها تسعى إلى تأليب الرأي العام الأردني وإثارة الفوضى.

الأردن هدفاً صريحاً لإيران

وجد الأردن نفسه في قلب المعركة، بفعل الضغط الهائل الذي مارسته الحركة الإسلامية على النظام، منذ اليوم الأول لعملية “طوفان الأقصى”، وقد بات المراقب للأمر أمام شارع لا يكاد يهدأ، حتى يثير “الإخوان” الصخب فيه، عبر تظاهرات حاشدة في كل أنحاء البلاد، ومحاولات متكررة لاستهداف السفارتين الإسرائيلية والأميركية.

من جهة أخرى، مارست طهران ضغطاً من نوع آخر على عمّان، من خلال تحريك أذرعها المسلحة في العراق، لقطع طريق شاحنات النفط عبر الحدود، قبل أن تتخذ التحركات الإيرانية شكلاً من أشكال انتهاك السيادة الأردنية، والتسبب في إثارة الغضب الشعبي تجاه النظام؛ بإطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار عبر السماء الأردنية نحو إسرائيل، بدلاً من إرسالها عبر سوريا ولبنان، حيث رأت عمّان أن قرار انتهاك المجال الجوي الأردني، يهدف إلى زعزعة استقرار البلاد، وجعل الأردن ممرّاً في هذه الحرب، وإحراجها بوصفها الدولة التي لديها معاهدة سلام مع إسرائيل، وتستضيف قواعد عسكرية أميركية. 

وعليه اتخذ الأردن قراراً حاسماً بالتصدي للمقذوفات الإيرانية التي اخترقت مجاله الجوي، وقال وزير الخارجية أيمن الصفدي، إن المملكة ترى أن الصواريخ الإيرانية تشكّل خطراً حقيقياً على أراضيها.

وسرعان ما عملت الآلة الدعائية الإيرانية و”الإخوانية”، على تصوير تحرك الأردن لإسقاط المقذوفات الإيرانية، بالتحالف الضمني مع إسرائيل وحمايتها، والمشاركة في المذبحة التي تجري فصولها الدموية في قطاع غزة. بينما حذّرت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية، من أن الأردن قد يكون “الهدف التالي”.

أعقب هذا التصعيد الدعائي، دعواتٍ من قيادات “حماس”، لتصعيد الاحتجاجات في عمّان، وبالأخص في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في البلاد. لكنّ التحرك اللافت، هو إعلان ميليشيا “حزب الله” العراقي، الموالية لإيران، عن استعدادها لتوفير السلاح لــ (12) ألف أردني، من أجل الدفاع عن الشعب الفلسطيني.

وفيما يبدو، تحاول طهران تكوين ميليشيا تابعة لها في الأردن، على غرار ميليشيا “حزب الله” في لبنان، وكتائب “حزب الله” في العراق و”الحوثيين” في اليمن.

البحث عن ملاذ آمن

يمثّل الأردنيون من أصل فلسطيني حوالي 40 بالمئة من سكان المملكة، وهو رقم يسمح بوجود حاضنة شعبية هائلة لحركة “حماس”، وينذر في الوقت نفسه بتكرار كارثة “أيلول الأسود”، التي جرت فصولها الدموية في العام 1970، بين الجيش الأردني و”المقاومة الفلسطينية”.

في 30 آب/ أغسطس 1999، أغلقت السلطات الأردنية مكاتب حركة “حماس” في عمّان، بسبب أنشطةٍ وصفتها الأردن بأنّها تنتهك اتفاقاً جرى بينها وبين الحركة، وفي أعقاب الإغلاق، جرى إبعاد قيادات “حماس” عن الأردن، قبل أن يتم استئناف العلاقات بين الطرفين، في العام 2012، بعد توسط الشيخ تميم بن حمد ولي عهد قطر، آنذاك.

وظلّلت العلاقة متوترة بين الطرفين في ظل انحياز عمّان للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وإن كان فضّ الاشتباك بين الطرفين يظل معقّداً، في ظل التركيبة الديموغرافية في الأردن، وفي ظل امتلاك معظم قيادات “حماس” للجنسية الأردنية.

من جهة أخرى، تتواصل الضغوط الأميركية على الدوحة، من أجل إغلاق مكاتب “حماس” في أراضيها، حيث وجه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن رسالة صارمة إلى قطر، في آذار/ مارس الفائت، مؤكداً أن عدم التوصل إلى اتفاق بخصوص الرهائن، يحتّم على الدوحة طرد قيادات “حماس” من العاصمة القطرية.

وقالت شبكة الأخبار الأميركية (CNN) إن بلينكن سلّم رسالة إلى رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بوجوب ممارسة ضغوط أكبر على حركة “حماس”، أو طرد قياداتها فوراً. وقال مسؤولون أميركيون إن قطر فهمت الرسالة واستقبلتها دون معارضة كبيرة. ولم يعلّق المسؤولون القطريون، لكنّهم قالوا إنّهم يمارسون ضغوطاً هائلة على “حماس”، وأنّه لا يوجد حتى اللحظة ما يبرّر إغلاق مكاتب “حماس”، طالما استمرت جهود الوساطة القطرية بين طرفي الصراع. ما يعني ضمناً أنّه في حال فشل الوساطة، فإنّ الدوحة لن تمانع في تنفيذ الطلب الأميركي.

وأنشأت “حماس” مكتبها السياسي في قطر عام 2012، بعد إغلاق مكاتبها في دمشق، حيث يقيم كبار أعضاء الحركة في الدوحة بشكل شبه دائم.

في غضون ذلك، وفي ظل تعثر المفاوضات، ومع استمرار الضغوط الأميركية على الدوحة، بحثت حركة “حماس” الملاذات الآمنة المحتملة لقياداتها، في حال إغلاق مكتب قطر، ولم تخرج المقترحات عن ثلاث دول هي: تركيا، وإيران، والأردن. وبحسب صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، فإنّ “حماس” تواصلت أيضاً مع سلطنة عُمان لمعرفة موقفها من استضافة قادتها السياسيين. بينما أشارت “لوموند” الفرنسية إلى اقتراح سعودي بنفي قيادات “حماس” إلى الجزائر.

المصدر أكّد لـ”الحل نت”، أنّه جرى استبعاد طهران، نظراً لعدم وجود ضمانات أمنية كافية؛ لحماية أعضاء المكتب السياسي من هجمات إسرائيلية محتملة، ووجود اختراقات إسرائيلية في الداخل الإيراني، وكذا عدم رغبة الحركة في الظهور بمظهر التابع لدولة المرشد. وإن اقترح خليل الحية، بحسب المصدر، الانتقال إلى أي من دول محور المقاومة: لبنان أو سوريا أو اليمن، لكنّ الاعتبارات الأمنية أيضاً لم ترجّح هذا الاقتراح.

وبحسب مصدر خاص، مقرّب من “حماس”، فإنّ إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي، يميل إلى اختيار تركيا، نظراً لصعوبة قيام إسرائيل باستهداف قيادات الحركة هناك، بفعل الارتباطات العسكرية بين أنقرة وتل أبيب من جهة، ووجود الأولى كعضو فاعل في “حلف شمال الأطلسي” (الناتو) الأمر الذي دفع إسماعيل هنية إلى السفر إلى إسطنبول، الأسبوع الفائت، ولقائه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. 

وفيما يبدو، فقد تحفّظت أنقرة على استضافة قيادات “حماس”، في ظل التقلبات التي تجتاح الساحة التركية، وكذا التوازنات السياسية، الخاصّة بالعلاقات التركية الأميركية، بالإضافة إلى جملة من المخالفات التي ارتكبتها عناصر “حماس” داخل الأراضي التركية، في وقت سابق، ورغبة النظام التركي في تكريس معادلة “صفر مشاكل”؛ من أجل التصدي للأزمة الاقتصادية.

الأردن بوصفه ملاذاً آمناً للقيادات

وبحسب مصدر خاص مقرّب من “حماس” في غزة، تواصلت معه “الحل نت”، فإنّ موسى أبو مرزوق، هو الذي اقترح أن يكون الأردن وجهة مستقبلية لقيادات “حماس”، نظراً لعدة اعتبارات، أبرزها: وجود حاضنة شعبية قوية، ووجود معاهدة سلام بين الأردن وإسرائيل، ما يمنع الأخيرة من استهداف قيادات “حماس” في الأراضي الأردنية، بالإضافة من الضغط الإيراني المحتمل على عمّان، والذي من شأنه فرض وجود “حماس” على النظام الأردني.

وبالفعل، تواصل إسماعيل هنية مع قيادات “الإخوان” في الأردن، قبل أن يستقبل في مقرّ إقامته بإسطنبول، الأحد 28 نيسان/ أبريل نائبي الجماعة في البرلمان الأردني: محمد عقل و سعود أبو محفوظ؛ حيث جرى التشاور بشكل مباشر حول مدى إمكانية استضافة المكتب السياسي لـ “حماس” في عمّان، وهو الأمر الذي لقى، بحسب المصدر الخاص، ترحيباً من الجماعة.

وفي اليوم التالي 29 نيسان/ أبريل الجاري قررت “حماس” اختبار السلطات الأردنية، حيث قال موسى أبو مرزوق، في تصريحات لقناة العالم الإيرانية، إنّه في حال أُجبرت “حماس” على الخروج من قطر، فإنّ قادتها سوف يتوجهون إلى الأراضي الأردنية.

ويبدو أن النظام الأردني في موقف لا يحسد عليه، حيث إن الشروط الموضوعية التي تمّ على إثرها طرد قيادات “حماس” من عمّان، في العام 1999، واعتقال بعضهم، لا تزال موجودة، وأبرزها انتماؤهم إلى تنظيم خارجي، لكنّ الشارع المشتعل، بالإضافة إلى آلة الدعاية “الإخوانية” الموجّهة من طهران، تكاد تضع استقرار البلاد على المحك، في حال رفض طلب “حماس”، كما أن الدعوات المنفصلة، التي وجّهتها قيادات في “كتائب القسام”، للفلسطينيين في الأردن، بشكل خاص، للتحرك صوب المصالح الإسرائيلية، ربما تعيد استنساخ مأساة “أيلول الأسود” من جديد.

عن "الحل نت"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية