الإخوان المسلمون: استغلال المرأة لتمكين الرجال سياسياً

الإخوان المسلمون: استغلال المرأة لتمكين الرجال سياسياً

الإخوان المسلمون: استغلال المرأة لتمكين الرجال سياسياً


23/08/2023

بتجنيب الأحكام القيمية والأخلاقية على جماعة الإخوان المسلمين، يمكن القول أنّه لولا الأدوار التي تقوم بها المرأة المنتمية إلى الجماعة، لما كُتب لها البقاء على مدار العقود السابقة، مع ما تعرضت له من انتكاسات نتيجة اصطدامها وعدائها مع الدولة الوطنية.

ولا يقتصر أهمية دور المرأة على جماعة الإخوان فقط، بل هو دور هام بجميع أشكاله، سواء أكانت المرأة نفسها فاعلة في عمل عام أو داعمة. وعلى سبيل المثال، تلعب المرأة في جماعة الإخوان أدواراً كبرى مباشرة وغير مباشرة، منها تقديم الدعم للرجل الذي يباشر العمل السياسي، وتحمل أعباء كبرى نتيجة هذا الدور، ثم انخراطها في تقوية الجماعة عبر السير بحياتها كأنثى لخدمة ذلك الهدف، من خلال ربط اختيار شريك حياتها بأنّ يكون عضواً في الجماعة.

فضلاً عن ذلك، تُستغل المرأة في العمل السياسي الداعم للجماعة، وقد لا يعتبر ذلك استغلالاً إن كان ذلك نابعاً من إرادة حرة للمرأة وهو الغالب التزاماً منها بخدمة الجماعة، لكن من جانب آخر يعتبر ذلك استغلالاً لأنّ هذا الدور السياسي الكبير يُقابل بتحقير من شأن المرأة، عبر وصمها لكونها أنثى بصفات تجعل منها غير صالحة لممارسة وتبوأ المناصب الهامة في العمل العام، مع الحفاظ على كونها جندية لخدمة طموحات الرجال السياسية باسم الدين.

المرأة في خدمة الجماعة

في تقرير نشره موقع "الجزيرة" للكاتبة زهرة العلا حول أسباب انضمام النساء إلى جماعة الإخوان المسلمين، نقلت الكاتبة عن دراسة الباحثة النرويجية "Ragna Lillevik" بأنّه رغم تناول الباحثة لأسباب ضعف التمثيل السياسي للنساء داخل الجماعة، فإنها أكدت أن حضور المرأة داخل التيارات والحركات الدينية ساهم بشكل واسع في أسلمة المجتمع، وساهم في تكوين شبكات اجتماعية جديدة وسّعت من تغلغل التيار الإسلامي في المجتمع، إلا أن هذا التفاعل مع المجتمع لا يستخدم خطاب وأدوات الحركة النسوية نفسها.

زينب الغزالي

وفي نفس المقال، أشارت الكاتبة إلى أنّ توفير بيئة حاضنة للعمل التطوعي والدعوي للنساء من خلال الشبكات النسائية داخل الجماعة، مكنها من استقطاب الفتيات الراغبات في العمل التطوعي. واستفادت الجماعة من ذلك عبر تشكيل هؤلاء النسوة "قاعدة داعمة لانتشار الجماعة بين أوساط الطبقات الاجتماعية المختلفة قبل ثورة 25 يناير، وفي عدة دوائر لم تستطع النسويات أنفسهن الوصول لها والاحتكاك بها مباشرة، ويعد ذلك عاملاً مهما في الصعود السياسي للإخوان فيما بعد."

مسؤول قسم الأخوات في مصر دوما ما يكون رجلاً ولم يكن ثمة امرأة واحدة داخل مكتب الإرشاد أو مجلس شورى الجماعة على مدار تاريخها

وإلى جانب التجنيد والاختراق الاجتماعي عبر عضوات الجماعة، لعبت المرأة دوراً كبيراً في خدمة الجماعة، وتحديداً الطموح السياسي لرجال الجماعة، كما في حالات حشد الأصوات الانتخابية للنساء في أوقات الانتخابات. على سبيل المثال في مصر، وتحديداً في القرى استغلت نساء الإخوان الصلات الاجتماعية لتنظيم نقل السيدات بمختلف فئاتهن التعليمية والعمرية إلى أماكن الاقتراع، وهي ميزة تواصل لا يمكن للرجال القيام بها في البيئات المحافظة.

كما شاركت المرأة الإخوانية في جميع الفعاليات الداعمة للعمل السياسي العام لجماعة الإخوان. وفي الفترة قبل أحداث الربيع العربي كانت المرأة تشارك في الفعاليات التي تنظمها الجماعة، ثم خلال أحداث الربيع العربي توسع هذا الدور لتتصدر الصفوف وتشارك في المسيرات والاحتجاجات. كما أنّ الجماعة تقدم المرأة للحديث أمام المنظمات الإنسانية الغربية على وجه الخصوص لكسب التعاطف باسم المرأة.

وكما تسببت مخططات الجماعة وصدامها مع الدولة الوطنية في سقوط ضحايا من المنتمين والمؤيدين للجماعة فالأمر نفسه حدث مع العضوات والمؤيدات للجماعة، اللاتي أيدن مخططاتها وصدامها مع الدولة الوطنية، كما هو الحال في مصر.

تحجيم المرأة بالدين

وفي تقرير الكاتبة زهرة العلا الذي حاورت فيه عضوات في الجماعة، جاء ما يلي "على الرغم من توفير الجماعة للنساء ساحة آمنة للعمل الدعوي والعام، فإن ذلك لا ينفي وجود قصور في تعامل جماعة الإخوان المسلمين مع ملف المرأة، سواء في عدم تمكينها للمرأة سياسياً ولا تقلّدها لمناصب قيادية، وحصر دورها في التعبئة والحشد." وأشارت الكاتبة إلى ملمح هام للنظرة الدونية لرجال جماعة الإخوان إلى المرأة، كتبت "حتى إن مسؤول قسم الأخوات في مصر دوما ما يكون رجلاً، ولم يكن ثمة امرأة واحدة داخل مكتب الإرشاد أو مجلس شورى الجماعة على مدار تاريخها."

حضور المرأة داخل التيارات والحركات الدينية ساهم بشكل واسع في أسلمة المجتمع

لكن كيف نجحت الجماعة في الحصول على كل هذه المكاسب من المرأة، مقابل عدم منحها شيء يذكر سوى الحديث عن العمل التطوعي، الذي توفره مؤسسات أهلية ومدنية عديدة. يقدم مقال الكاتبة ندى جمال في موقع "إخوان أونلاين" بعنوان "المساواة المستحيلة بين الرجل والمرأة" مثالاً على توظيف الإخوان للدين لإبقاء المرأة في الأدوار التي تخدم الرجال في الجماعة.

افتتحت الكاتبة مقالها باستنكار قائلة "نجحت العلمانية في إقناع بعض المجتمعات بوجوب المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في كل شيء؛ في السياسة، والعمل، والحياة الاجتماعية، وفي كل الحقوق وكذلك في كل الواجبات." وترى أنّ هذه المساواة "مصادمة لكل من الفطرة والواقع، فالفطرة والواقع في كل المجتمعات يقولان بلسان الحال والمقال: إن الذكر ليس كالأنثى؛ (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى)، وأن قدرات الرجل تختلف اختلافاً كاملاً عن قدرات النساء."

أما ما يميز المرأة بحسب الكاتبة، فهو الحنان والصبر والحب، والتعامل مع الأطفال، وحب التزين والتجمل، والاهتمام بالملابس والذهب والأثاث. وتقول الكاتبة عن المرأة "هي أكثر ارتباطاً بالقرار في البيت من الرجل."

ولا خلاف على تلك الرؤية التقليدية لمكانة المرأة في المجتمع حين تخرج من الدعوات السلفية التي تطبق ذلك في دعوتها، وتصرح بذلك علانية، لكن حين يكون الأمر مع جماعة الإخوان المسلمين فذلك هو عين التناقض؛ كوّن الجماعة توظف المرأة سياسياً في المقام الأول دون اعتراف بهذا الدور أو عدم القيام به التزاماً بما تروج له نظرياً.

نسرين الريش لـ"حفريات": على مستوى قضايا المرأة بشكل عام لا يختلف أعضاء الإخوان عن غيرهم ممن يبررون الكثير من التحيز ضد المرأة باسم الدين

أما لمواجهة أي طموح سياسي للمرأة، فجاء في مقال الكاتبة "الرجل في المقابل أقدر على النجاح في مجالات العمل خارج البيت، وخاصة في المجالات السياسية والعسكرية والتجارية، وأقل رغبة في إنفاق المال." ومقابل هذه الحديث، من المعروف أنّ المرأة في جماعة الإخوان المسلمين لا تقرّ في البيت، بل تنشط في الفعاليات السياسية والدعوية والترويجية لخدمة جماعة الإخوان المسلمين، لكن مثل هذا الخطاب مطلوباً لحصر المرأة في أداء وظائف سياسية يجني الرجال مكاسبها بالمناصب القيادية.

المرأة والعمل العام

تقول رئيسة منظمة جنى وطن السورية، نسرين الريش، بأنّ أغلب العاملين في منظمات الإخوان المدنية من الرجال، ويسمحون بتواجد للمرأة في عدد من المنظمات من أجل الظهور بمظهر تمكين مشاركة المرأة، لأن ذلك مطلوباً أمام المجتمع الغربي.

وأضافت لـ"حفريات" بأنّ الإخوان لا يؤمنون بقضايا الجندر وحقوق المرأة، ولديهم رؤية لمكانة المرأة تقوم على إكمال دور الرجل، بما يحقق أهدافهم في نهاية المطاف وهي المشاركة في السلطة سواء عن طريق المعارضة أو الاتفاق مع النظام كما في الحالة السورية.

نسرين الريش: الإخوان المسلمين بعيدين عن مفاهيم حقوق المرأة

وتوضح الناشطة الحقوقية، بأنّ الإخوان يبررون وجود المرأة في العمل الدعوي والمدني لكي تتواصل مع النساء، سواء في البيوت أو في تجمعات خاصة بالمرأة، لكن ليس من كونها عضو فاعل ينافس على الأدوار كافة داخل الجماعة أو المجتمع، ولهذا لا وجود للنساء في أدوار قيادية، إلا لو كانت هناك حاجة لذلك، ووقتها يكون الدور القيادي من نصيب بنات القادة، مع رسم خطّ الحركة لهن.

وأفادت نسرين الريش بأنّ جماعة الإخوان تتصف بالطبقية فيما يتعلق بالخطاب الموجه للمرأة؛ بين خطاب لا يختلف عن الرؤى الدينية المتطرفة ويُوجه لعوام الناس، وآخر مخصص لبنات الطبقة الأعلى من الجماعة والمجتمع، يختلف في المضمون والأسلوب. وتابعت بأنّه على مستوى قضايا المرأة بشكل عام لا يختلف أعضاء الإخوان عن غيرهم ممن يبررون الكثير من التحيز ضد المرأة باسم الدين، كما في قضية العنف الأسري، الذي يجد تبريره في نصوص دينية، وكذلك في الترويج لفكرة تعدد الزوجات.

تقول الريش بأنّ "الإخوان المسلمين بعيدين عن مفاهيم حقوق المرأة، ومقياس الحق عندهم مفقود."



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية