الإخوان فى "مرحلة الكمون"

 الإخوان فى "مرحلة الكمون"

الإخوان فى "مرحلة الكمون"


14/12/2023

رجب البنا

عندما نشأت جماعة الإخوان سنة 1928 أعلنت أنها جماعة دينية اجتماعية هدفها تربية الفرد المسلم وبناء المجتمع على أساس القيم والأخلاق الإسلامية.. وبهذا الشعار لقيت ترحيبًا من المجتمع، وصارت لها فى الأربعينيات شعبة فى كل مدينة وفى كل قرية، وانضم إليها كثير من رجال الدين وعلماء الأزهر وطلابه على أساس هذه الدعوة.

وبعد ذلك تحولت الجماعة إلى مرحلة جندت فيها الشباب، الذين تتوافر فيهم قوة الجسم وضعف الإرادة والاستعداد للانقياد وقبول مبدأ السمع والطاعة، وأقامت لهم معسكرات للتدريب على استخدام السلاح تحت شعار «تحرير فلسطين»، وقد تعرفت منذ سنوات على رجل فاضل، هو الأستاذ صلاح البنا، الذى كان طالبًا فى الكلية الحربية، وأُصيب فى عينه أثناء التدريب بالسلاح الحى، فخرج من الكلية، والتقطه حسن البنا، وأوكل إليه إدارة معسكرات الإخوان فى صحراء حلوان وجبل المقطم. وقال لى الأستاذ صلاح البنا إن حسن البنا كان يطلب منه أن يقسو على الشباب، ولا يسمح لهم إلا بطعام محدود وزجاجة ماء واحدة لاستعمالها طول اليوم والليل للشرب والوضوء، وقال له إنه يريد منهم أن يعتادوا المشقة والمعارك والجهاد، وأن يجاهد الأخ نفسه أولًا.. وترك الأستاذ صلاح الجماعة، بعد أن أحس أن لها أهدافًا خفية.

وفى مرحلة تالية بدأ الإخوان تكوين الجهاز السرى للقيام بعمليات الاغتيال وإثارة الفوضى والرعب كمرحلة لتحقيق الهدف والاستيلاء على السلطة، وفى هذه المرحلة ترك علماء الأزهر الجماعة، ومنهم الشيخ الشعراوى والشيخ محمد الغزالى والشيخ الذهبى والشيخ محمد سيد طنطاوى وغيرهم، بعد أن اكتشفوا أنهم كانوا ضحية لعملية خداع. وحين سألت فضيلة الشيخ محمد الغزالى: كيف انخدعتم وأنتم أهل علم وأدرى الناس بالمنافقين الذين حذرنا منهم الله؟، قال لى: يا سيدى.. مَن خدعنا بالله انخدعنا له.

وهكذا كانت الجماعة تنفذ استراتيجية موضوعة منذ البداية للاستيلاء على الحكم تحت شعار الحكم بالشريعة، وتستخدم كل أساليب الخداع والكذب والمناورة وهم ينطبق عليهم قول الله: «وإذا قيل لهم لا تُفسدوا فى الأرض قالوا إنما نحن مصلحون». «البقرة 11».

وفى المرحلة الأخيرة كشفت الجماعة بوضوح عن هدفها الوحيد، وهو الاستيلاء على السلطة بالانتخابات الحرة أو المزورة لصالحها.. أو بتدبير الانقلابات والفوضى.. أو بالتخريب والقتل.. وبعد ثمانين عامًا من العمل السرى، حيث كانوا يسمونها فترة «الكمون»، ظهرت الجماعة على حقيقتها، وكان ما كان من تخريب ودمار ودماء، ووصلوا إلى الحكم بطريقة سوف تظهر خفاياها ومؤامراتها كاملة لأن ما ظهر منها حتى اليوم ليس إلا القليل.

لم تتورع الجماعة عن الاستعانة بالقوى الأجنبية وإعلان عدم الاعتراف بالوطن والوطنية واعتبار مصر مجرد «ولاية» فى دولة «الخلافة» التى يحكمها «الخليفة»، وهو طبعًا «المرشد العام»، ووصلت إلى الحكم فى السودان وتونس وغزة وتركيا، ونشرت فكرها فى البلاد العربية وفى دول أوروبا وبعض البلاد الإفريقية عن طريق «التنظيم الدولى»، الذى يحتاج إلى حديث وحده.

وصلت الجماعة إلى مرحلة «التمكين»، بعد مرحلة الكمون، ووصلت إلى الحكم، فظهر عجزها وفشلها فى إدارة كل بلد حكمته.. فشلت فى مصر والسودان وتونس، ووصلت بهذه الدول إلى الإفلاس. فى ظل حكمها وجدنا «الجماعة» تعتبر البلاد بلادًا فتحتها «بالغزو»، وصار أهلها وخيراتها «غنائم». أعضاء الجماعة مواطنون من الدرجة الأولى، وبقية الشعوب مواطنون من الدرجة الثانية، وغير المسلمين رعايا وليسوا مواطنين.

صار أعضاء الجماعة هم الطبقة الحاكمة، واستولوا على كل المناصب والامتيازات.. منهم رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء والوزراء ونوابهم والمحافظون ورؤساء المدن ورؤساء الشركات والأغلبية الساحقة فى البرلمان ومنهم رؤساء الجامعات وعمداء الكليات ورؤساء مجالس ورؤساء تحرير الصحف القومية.. إلخ، وحاولوا السيطرة على الجيش وأجهزة الأمن، ولكنها مؤسسات وطنية لا يمكن أن تخضع لغير الحكم الوطنى، وهى الحارس للوطن والشعب.

ماذا كانت النتيجة فى البلاد التى حكموها؟.

تدهورت أحوال الناس، وازدادت البطالة، وتوقفت برامج التنمية، وتم اعتقال المعارضين، وأعلن محمد مرسى، فى إحدى خطبه: «مَن يعارض عليه أن يلزم بيته أو يدخل السجن»، ولم يحقق الإخوان شيئًا مما وعدوا به. النهضة.. الحكم الرشيد.. العدالة.. القضاء على الفساد.. وعبرت عن ذلك الباحثة التونسية «آمال قوامى»، فقالت: «عزلْنا ديكتاتورًا، فحكمَنا ديكتاتور جديد..». وهذا ما حدث فى السودان، وزاد عليه انفصال جنوب السودان. وفى غزة وصل الإخوان إلى الحكم بالانتخابات، ثم استمروا فيه بالقوة، وبشعار «الانتخابات بدعة».

وكما وصل هتلر والحزب النازى إلى حكم ألمانيا بالانتخابات، ثم حكموا حكمًا ديكتاتوريًّا لا مثيل له فى التاريخ الحديث، كذلك فعل الإخوان، وكان طبيعيًّا أن يلقوا نفس المصير. غضب الشعب، وقام بثورة على حكمهم، الذى كان أشد فسادًا من كل حكم سبقه.. وكانت 30 يونيو و3 يوليو ثورة لإنقاذ البلاد، وكذلك كان الحال فى تونس، وانكشف المستور، ولم يعد أمام الإخوان فرصة للظهور علنًا، بعد أن عُلم ما لم يكن يُعلم. أصبح معلومًا أن الإخوان لا يهمهم الأمن القومى ولا وحدة البلاد وسلامة أراضيها، ولا يهمهم تحقيق النهضة ولا حتى الحكم بالشريعة، ولا يؤمنون بقدسية الدستور ومبدأ الفصل بين السلطات وسيادة القانون وحقوق المواطنة.. كل ذلك عندهم كلام فارغ.. شىء واحد عندهم: أن يحكموا.. أن يتحكموا.. أن يستأثروا بالغنائم فى البلاد التى فتحوها فى «غزوة الانتخابات» أو غزوة التخريب.

فشلوا.. وعادت البلاد إلى أهلها.

أين الإخوان الآن؟.

هم الآن عادوا إلى المربع الأول «مرحلة الكمون».. رحلة الشتات وتنظيم الصفوف، على أمل الوصول إلى مرحلة «التمكين» مرة أخرى.. السلطة هى الفردوس المفقود، الذى لن يتوقفوا عن السعى للوصول إليه مهما طال الزمن.. وكما ظلوا فى الكمون 80 عامًا، يمكنهم أن يعودوا إلى الكمون، مهما طال بهم الزمن، لأنهم يتصورون أن الزمن لصالحهم مهما طال بهم الانتظار.

لهذا.. فالحذر واجب.

عن "المصري اليوم"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية