الإخوان في ألمانيا: هندسة مجتمعات المهاجرين والانقلاب على الديمقراطية

الإخوان في ألمانيا: هندسة مجتمعات المهاجرين والانقلاب على الديمقراطية

الإخوان في ألمانيا: هندسة مجتمعات المهاجرين والانقلاب على الديمقراطية


08/08/2023

ترفع ألمانيا درجة الحذر من جماعة الإخوان المسلمين، بينما تبعث بمخاوفها من التأثيرات المتنامية على المجتمعات الأوروبية؛ فالتحركات الأوروبية لمواجهة نشاط الجماعة الأم لقوى الإسلام السياسي، وتعطيل شبكاتها المختلفة، سواء الثقافية أو المجتمعية، فضلاً عن المساجد والمراكز الدينية، بات واضحاً ويعكس استراتيجية مباشرة للحدّ من مخاطر الإرهاب.

تحذيرات قصوى من الإخوان بأوروبا

ولا تعدو التقارير، الأمنية والاستخبارية وحتى السياسية والإعلامية، في ألمانيا، بخصوص مخاطر الإخوان، كونها أمراً جديداً أو مباغتاً، بل إنّ ثمة سوابق عديدة لهذا الموقف الذي يبدو ثابتاً في الذهنية الرسمية الألمانية، ويؤكد التخوف من الجماعة الإسلاموية، والأعباء التي تفرضها على المجتمع الألماني والمخاطر المحدقة بـ"الديمقراطية". وذلك لدرجة أنّ تقريراً استخبارياً، قبل أعوام قليلة، اعتبر تنظيم الإخوان، المصنف على قوائم الإرهاب في عدّة دول عربية، "على المدى المتوسط" أخطر من تنظيمي داعش والقاعدة الإرهابيين.

عام 2018، ذكر موقع "فوكوس اونلاين" استناداً إلى مصادر من أجهزة استخبارات ألمانية، أنّ الإقبال على منظمات أو مساجد مقربة من الإخوان المسلمين أصبح ملموساً، خاصة في ولاية شمال الراين فيستفاليا. وتابع: "ينتاب السلطات الأمنية قلق من حصول تأثير كبير من قبل الإخوان المسلمين على المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا. والممثل الرئيس لشبكة الإخوان المسلمين في ألمانيا هي "الجمعية الإسلامية" في ألمانيا. وهي جمعية مسجلة ومقرها كولونيا". فيما لمّح الجهاز الاستخباري في تقييمه للجمعية الإسلامية في ألمانيا إلى أنّ الأخيرة تقوم "بجهود إقامة نظام اجتماعي وسياسي على أساس الشريعة فهي تخرق النظام الديمقراطي الحر".

سعيد ناشيد: الإسلام السياسي يصنع مجتمعات بديلة

ونقلت المجلة الألمانية عن رئيس جهاز الاستخبارات في ولاية شمال الراين فيستفاليا، بوركهارد فرايير، قوله إنّ "الجمعية الإسلامية في ألمانيا وشبكة المنظمات الناشطة تنشد، رغم الإدعاءات الرافضة، هدف إقامة دولة إسلامية في ألمانيا". وحذر فرايير من أنه "على المدى المتوسط قد يصدر من تأثير الإخوان المسلمين خطر أكبر على الديمقراطية الألمانية مقارنة مع الوسط السلفي الراديكالي الذي يدعم أتباعه تنظيمات إرهابية مثل "القاعدة" أو "داعش"".

الإسلام السياسي يسعى إلى بناء سرديات عن الهوية والخصوصية الثقافية والدينية، الأمر الذي يحقق له الوجود والبقاء، ويكون بمثابة "المصيدة التي تستهدف الشباب

 وكشف التقرير الاستخباري عن وجود منهج تربوي للجماعة عبر "برنامج مدرسي لتكوين شامل للأشخاص المسلمين والمهتمين بالدين من جميع الفئات العمرية". وبحسب المجلة الألمانية فإنّه "من خلال خطب وندوات وعروض مدرسية يتواصل النشطاء من الجمعية الإسلامية في ألمانيا وشركاؤهم مع عشرات آلاف المسلمين لنشر فهمهم المحافظ للقرآن".

المجتمعات الانعزالية.. ما علاقة الإخوان؟

وصرح رئيس جهاز الاستخبارات ولاية شمال الراين فيستفاليا أنّ "الجمعيات المقربة من الإخوان المسلمين تستقطب بشكل متزايد لاجئين من بلدان عربية لتجنيدهم من أجل أهدافها".

وفي حديثه لـ"حفريات" يوضح المفكر المغربي، سعيد ناشيد، أنّ الإسلام السياسي يؤدي دوراً خطيراً "وفي منتهى الحساسية داخل المجتمعات الأوروبية، وبين أوساط المهاجرين العرب والمسلمين، حيث يحاول أن يصنع لهم مجتمعات بديلة، كما يجري في المجتمعات العربية ودولهم الوطنية، فتكون لهم الجماعة عائلة بديلة، وهوية مغايرة، تفصم عرى الارتباط العضوي مع الانتماء الوطني. من ثم، عوضاً عن الاندماج مع المجتمع الأوروبي، والتعاطي الحر مع فضاء الحرية والقبول بالديمقراطية والقوانين، التي تؤدي إلى تعميم الشعور بالمواطنية، وعدم التفرقة على أساس ديني طائفي أو عرقي إثني، فإنّ الإسلام السياسي يصنع التباينات والفجوات لتحقيق الصدام الحضاري المزعوم".

الباحث العراقي المختص في قضايا الإسلام السياسي، كامل داود لـ"حفريات": شبكات الإخوان المتجذرة في أوروبا لا تتوقف عن هندسة المجتمعات بما يخدم مصالحها التنظيمية

ووفق ناشيد، فإنّ الإسلام السياسي يسعى إلى بناء سرديات عن الهوية والخصوصية الثقافية والدينية، الأمر الذي يحقق له الوجود والبقاء، وتكون بمثابة "المصيدة التي يجري استهداف الشباب والأفراد من خلالها في المجتمعات الأوروبية. والنتيجة، حتماً، هي تشكيل مجمعات انعزالية، ترى الآخر بصورة سلبية بل عدائية. من هنا؛ يمكن فهم بعض جوانب وملابسات تدفق الإرهابيين من المجتمعات الاوربية إلى مناطق النزاع في سوريا، مثلاً، والالتحاق بتنظيم داعش الإرهابي". ويضاف إلى ذلك، شبكاتهم الاجتماعية والهيئات التي تقوم بدور تنموي وإغاثي؛ حيث إن "الوفرة التمويلية تضحى وسيلة أخرى لجذب بعض الأفراد واستمالتهم بالامتيازات الاقتصادية".

التغيير الناعم

يعود تاريخ وجود الإخوان، في ألمانيا، إلى خمسينات القرن الماضي، لكن المركز الأوروبي لدراسة مكافحة الإرهاب والاستخبارات يكشف عن شبكات الجماعة في ألمانيا، ومنها "المجلس الأعلى للمسلمين" الذي تأسس عام 1994 برئاسة "نديم الياس". ويقول المركز الأوروبي ومقره ألمانيا: "تركز أهداف المجلس على القضايا المتعلقة بتعليم الدين الإسلامي، وتمثيل مصالح الجاليات الإسلامية. وتذهب تقديرات المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا إلى أنّ عدد المساجد في البلاد بلغ حوالي (2500) مسجد، كما قدّرها خبراء في البرلمان الألماني (بوندستاغ) بين (2350 و2750) مسجداً. يعد المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا/ ZMD أحد أهم المنظمات الإسلامية ويضم المجلس (10000) عضو يمثلون أعداداً مهمة من نحو (3.5) مليون مسلم يعيشون في ألمانيا، ويمثل المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا/ ZMD بالدرجة الأولى مسلمين غير أتراك".

يعود تاريخ وجود الإخوان، في ألمانيا، إلى خمسينات القرن الماضي

فضلاً عن منظمة "الجماعة الإسلامية الألمانية"، والتي أكدت الاستخبارات الداخلية الألمانية، عام 2017، من خلال استنادها لأحكام قضائية في ولاية "هيسن"، أنّ أيديولوجية الجمعية متوافقة تماماً مع أيديولوجية تنظيم الإخوان المسلمين. وتتضمن تلك الأيديولوجيا، وفق المركز الأوروبي، إقامة أنظمة سيادة إسلاموية ومجتمع مواز لا يتفق مع مبادئ الديمقراطية والقيم الألمانية. وذكرت هيئة حماية الدستور أنّ المنظمة المرتبطة بالإخوان تعد جزءاً مما يسمي "الطيف القانوني" الذي يقصد به الجماعات التي تحاول إحداث تغيير على المدى البعيد استناداً إلى القوانين المحلية في المجتمع الألماني دون اللجوء إلى العنف أو شنّ هجمات إرهابية.

ووفق الباحث العراقي المختص في قضايا الإسلام السياسي، الدكتور كامل داود، فإنّ شبكات الإخوان المسلمين المتجذرة في أوروبا لا تتوقف عن "هندسة المجتمعات من جديد بما يخدم مصالحها التنظيمية الحركية وكذا الأيديولوجية"، موضحاً لـ"ـحفريات" أنّ هذه التنظيمات الإسلاموية تسعى إلى الاستفادة البراغماتية من الحماية القانونية التي توفرها التشريعات الخاصة بالمجتمع المدني، وتعمل على تطويق المجتمعات الديمقراطية بقيم الإسلام السياسي، وذلك من خلال استهداف مجتمعات المهاجرين".

مواضيع ذات صلة:

تحذير استخباراتي... تقرير حول آلية عمل الإخوان في ألمانيا

الإخوان في ألمانيا.. من التأسيس إلى المواجهة



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية