الإخوان والخصوم: تشهير بالأعراض وتحريض على القتل

الإخوان والخصوم: تشهير بالأعراض وتحريض على القتل

الإخوان والخصوم: تشهير بالأعراض وتحريض على القتل


27/07/2023

من بين الأمور التي أتاحتها تجربة الإخوان المسلمين في أحداث الربيع العربي التي انطلقت عام 2011، وتبعاتها التي ما تزال مستمرة إلى اليوم، بعد مرور أكثر من 12 عاماً، هي قضية التعامل مع الخصوم. تنبع أهمية تلك القضية من كونها معياراً لقياس مدى صدق الشعارات الرنانة التي ترفعها الجماعة عن الديمقراطية وتداول السلطة والحقوق والعدالة.

كان لافتاً أنّ تنشر الجماعة عبر قناتها على "تيليجرام" ورقة بعنوان "ضوابط ومنطلقات لفهم المواقف السياسية للإخوان" من إعداد عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين، محمد عبد الرحمن المرسي. قام المرسي بإظهار جماعته بشكلٍ مثالي في تعاملها مع الخصوم، متجاهلاً عن عمد أنّ التجربة السياسية للإخوان المسلمين في مرحلة ما ظنت الجماعة أنّها التمكين كشفت عن زيف تلك الادعاءات التي حاول الترويج لها.

لا شرف في الخصومة

كتب المرسي "جماعة الإخوان لها أسلوبها وضوابطها في مسألة المعارضة السياسية ومواجهة الخصوم ممن يختلف معها من أبناء الوطن، حتى ولو كان صاحب سلطة فيها تجاوز وانحراف." وذكر من الضوابط ما يلي؛ الأخلاق الإسلامية التي لا يمكن تجاوزها، ومراعاة شرف الخصومة، والحرص على عدم تجريح الأشخاص والهيئات، ومراعاة آداب الخطاب الموجه لصاحبه، والتعميم عند النقد، والرد بالمثل على من تجاوز في حقها، أو الانصراف عنه مع الالتزام بآداب القول وأخلاق الإسلام.

وكتب: "نحن لا ندعي المثالية، أو أننا فوق الجميع، ولكننا نؤمن بهذه الضوابط، ونجاهد للالتزام بها، ونتمنى أن تكون هي المناخ السائد بين مختلف القوى الوطنية والسياسية."

منير أديب: الإخوان لا يعترفون بالوطن

وبخلاف ما يدعيه الكاتب، قدمت الفترة بين 25 كانون الثاني (يناير) في مصر عام 2011 حتى 30 حزيران (يونيو) 2013 فرصة فريدة لتبيان صحة دعاوى الإخوان. في تلك الفترة ظنت الجماعة أنّها وصلت إلى مرحلة التمكين، بعد هيمنتها على القرار السياسي في مصر، مع تحقيق نجاحات كبيرة في تونس والمغرب وليبيا، وفوق كل ذلك نيلها القبول والدعم الغربي لتكون بديلاً للنظم السياسية في المنطقة.

شنت الجماعة حملات تشهير واسعة طالت جميع من عارض هيمنة الإخوان على شؤون البلاد وشملت الطعن في الأعراض والتهديد بالقتل والتعدي بالعنف البدني

في تلك الفترة حدثت العديد من الصدامات بين معسكر المحتجين وجماعة الإخوان المسلمين، بسبب الخلاف حول المسار المفترض لبناء النظام السياسي كما في حالة مصر. بالعكس مما يروج له عضو مكتب الإرشاد وما كتبه مؤسس الجماعة حسن البنا، قامت الجماعة بتوظيف المنبر الديني ضد الخصوم، وتشويه الأفكار التي يتبنوها من علمانية وليبرالية واشتراكية، فضلاً عن تجييش المجتمع ضدهم.

ولاحقاً في محطات خلافية أخرى، شنت الجماعة والمنتمين إليها حملات تشهير واسعة طالت جميع من عارض هيمنة الإخوان المسلمين على شؤون البلاد، وشملت الطعن في الأعراض والتهديد بالقتل والتعدي بالعنف البدني. وحين تولى محمد مرسي رئاسة الجمهورية، استخدمت الجماعة الشباب لفض الاعتصامات المناوئة لها بالقوة، كما في حادث فض اعتصام المتظاهرين أمام قصر الاتحادية.

يقول الباحث في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، منير أديب، بأنّ هناك رؤى نظرية وضعها المؤسس الأول وأعطاها مسمى ضوابط، ترتبط بعدم التجريح في الهيئات أو الأشخاص أو الدولة، لكن ذلك كلام نظري ليس له علاقة بالواقع. وذكر لـ"حفريات" بأنّ الإخوان هم أكثر التنظيمات التي تقوم بالتجريح في الأشخاص والهيئات وتسعى لإسقاط الأوطان.

وأفاد بأنّ فكرة الخصومة السياسية لدى الإخوان قائمة على فكرة الاغتيال المعنوي للخصوم والمختلفين، لمجرد الاختلاف في الرأي، ولهذا كل من هو ضد التنظيم الفكرة والدعوة يتم اغتياله معنوياً إن لم يكن جنائياً.

العودة إلى مرحلة الاستضعاف

وفي موضع آخر من الورقة المنشورة لعضو مكتب الإرشاد، جاء ما يلي "يصدر الإخوان في تحديد نهجهم ومواقفهم السياسية عن عمل وموقف مؤسسي، أي بالرجوع لمؤسساتهم، واستعمال الشورى." وتعبر تلك الجملة عن حالة التناقض التي يعيش فيها الفرد المنتمي إلى الإخوان المسلمين؛ إذ بينما تؤكد الجماعة على العمل المؤسسي والشورى نظرياً، تعيش الجماعة واحدة من أشد فتراتها في الانقسام وتفكيك كل ما له صلة بالمؤسسات. 

يعلق منير أديب، بأنّ الأفكار النظرية عند الإخوان المسلمين لا علاقة لها بالواقع، وهي مجرد نظرية. ونوه بأنّ التطبيق والسلوك يؤكد على أنّ التنظيم سلوكه في جانب وأفكاره في جانب آخر، ولهذا فهم الأكثر اغتيالاً للأشخاص والهيئات ومحاولة إسقاط الوطن.

سامح عسكر: تكتيك هدفه تصدير صورة معقولة

من جانبه، يرى الباحث في التاريخ والفكر الإسلامي، سامح عسكر، بأنّ نشر تلك الكتابات نابع من رغبة في الميل إلى الهدوء لدى الجماعة، بغرض التثبيت وجذب الأنصار. وقال لـ"حفريات" تهدف الجماعة إلى "تثبيت أنفسهم سياسياً وروحياً واجتماعياً لتجنب الدمار، لأنّ الاندفاع معناه الدمار."

الباحث سامح عسكر لـ"حفريات": الغالب على سلوك أفراد الجماعة هو الاندفاع والغضب والتهور ولهذا تأتي مثل هذه الخطابات لتعيد برمجة الأفراد

وأفاد عسكر بأنّ مثل هذا الخطاب هو تكتيك وليس مبادئ رئيسية تلتزم بها الجماعة، وهدفهم تصدير صورة معقولة، على غرار ما قبل العام 2011 في مصر، حين كانوا يتبنون خطاب التسامح والقبول، لكن حين وصلوا إلى السلطة أثبت الواقع حقيقتهم التي تخالف كل تنظير لديهم.

وأشار عسكر إلى أنّ أي جماعة تهدف إلى التمكين وخصوصاً الإخوان المسلمين حتماً تنتهج العنف والشراسة، لأنّه لا تمكين دون عنف. ولفت إلى أنّ الغالب على سلوك أفراد الجماعة هو الاندفاع والغضب والتهور، ولهذا تأتي مثل هذه الخطابات لتعيد برمجة الأفراد، لأنّ الهدف الأساسي للجماعة هو العودة والرجوع إلى الأوضاع السابقة.

الإخوان والأوطان

وفي الورقة المنشورة لعضو مكتب الإرشاد، ذكر من ضمن ثوابت الجماعة، ما يلي "الجماعة دائماً تجعل الحفاظ على الوطن، ونشر الخير فيه، وتحريره من كل سلطان أجنبي، من أهدافها الرئيسة، وهي في سبيل ذلك تجعل مصلحة الوطن والأمة فوق مصلحة الجماعة، ما لم يتعارض الأمر مع هذه الأهداف العليا."

وربما يقصد الكاتب بالأهداف العليا تحقيق مصالح الجماعة، وعلى سبيل المثال حين أزاحت ثورة 30 يونيو الشعبية في مصر بالجماعة من السلطة، لجأت إلى انتهاج سبيل الإرهاب انتقاماً من المجتمع المصري، وخاصة المواطنين المسيحيين.

الوطن في فكر الإخوان المسلمين "حفنة تراب نجس"

يعلق الباحث في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، منير أديب، بأنّ الإخوان المسلمين لا يعترفون بالوطن، ولا يؤمنون بالدولة الوطنية، ولا يعطون حقاً للمواطنة، وإنما يتعاملون على أنهم أصحاب الرؤية ووجهة النظر وأصحاب الوطن، والمختلفون هم الاعداء. 

وأشار إلى أنّ الوطن في فكر الإخوان المسلمين "حفنة تراب نجس" كما قال منظرهم سيد قطب. وتابع بأنّهم يعتبرون المسلم غير المصري أقرب من غير المسلم المصري، ويتعاملون بعنصرية شديدة مع الوطن والمواطنين. ونوه بأنّ رؤية الإخوان للوطن ليست ضبابية، بل عنصرية، وضد كل الأفكار الحديثة التي عرفت الوطن والحرية والديمقراطية وشركاء الوطن. وبحسبه فإن الإخوان مثل كل التنظيمات المتطرفة يمثلون خطراً على الأوطان؛ لأنهم يختصرون الوطن في محاولة الصعود إلى السلطة، بدعوى أنهم الذين يمثلون الدين والوطن، ولأنّ الوطن بالنسبة إليهم حفنة تراب، يمكن الاستغناء عنه أو التنكيل بالمختلفين داخله.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية