"الإسلاموفوبيا"... الأسباب والتصدِّي

"الإسلاموفوبيا"... الأسباب والتصدِّي

"الإسلاموفوبيا"... الأسباب والتصدِّي


01/08/2023

لبنى الهاشمي

لا ينكر أحد أن الإنسانية استفادت من كتب علماء المسلمين وتراثهم على كافة مشاربهم في عصور حضارتنا الإسلاميّة، ما جعلهم مراكز التنوير ودعاة الاستنارة والحضارة، في الوقت الذي كانت أوروبا تعيش في أتون الجهل والهمجية والبربرية والرقِّ والعبودية.
الإسلام نشأ في مكّة وفيها كل خصائص المدينة الخاصة، فأكمل المسيرة الحضاريّة بالتوحيد ونبذ الشرك، ونهى عن التعرب أو الرجوع إلى البداوة بعد الهجرة.
ولأن التاريخ مرآة الأمم، يعكس ماضيها، ويترجم حاضرها، ويستلهم- من خلاله- مستقبلها؛ فمن الأهمية أن نعرف أنّ قريشًا في عهد عبد المطلب كانت تربطها معاهدات سياسيّة واقتصاديّة بالممالك الكبرى في العالم القديم، وكان توقيع هذه الممالك للمعاهدات اعترافًا بقريش كوحدة سياسية لها كيانها وقوامها واقتصادها.
وكانت مكّة مقصد الناس، يفدون إليها من كل مكان، وكانت ملتقى العرب، وكانت قريش أعلى المجتمعات فكرًا وأشهرها نسبًا، ولغتهم من أقوم اللّغات من حيث الفصاحة والبيان، وكانوا حريصين على عرض إنتاجهم الأدبي والشعري، وكان موسم الحجِّ كلَّ عام موسمًا ثقافيًّا وفكريًّا، وتوفرت في مكَّة كلُّ العناصر للمدينة المتحضرة والأمّة المزدهرة اقتصاديًّا، والغنيّة بالخيرات وبعلاقاتها التجارية الواسعة مع الروم والفرس. وهذه الصور تكفي أن تكون مشهدًا متكاملًا على بلورة الشخصيّة  العربيّة المتفردة.
فلم ينزل القرآن الكريم على أمّة تتَّسم بالجمود والانغلاق، ما عدا تخلفهم الكبير في مسألة الشرك والكفر، وينبغي أن نفهم أنّ في القرآن كثيرًا من الآيات التي تُحدّثنا عن الحقائق المتّصلة بالتطور العلمي، والعلوم والمعارف وإعمار الأرض، ليسطر الوحي بكل كماله وسموه التاريخ المجيد للأمة الإسلامية.

 لكنَّ هناك كثيرًا من المعاني والدلالات غير الدقيقة التي لحقت بمفهوم الإسلام الصحيح، نلمسها من خلال جمع كلّ تصريحات الإعلام الغربي، حيث يصب جامّ غضبه على الإسلام، ويصفه بأنّه يعادي الحضارة والتمدّن؛ لأنه يستمد هذه الوحشية والعنف من حياة التخلف والبدائية.

وإنه من المؤسف عدم فعالية الدُّعاة الحقيقيين الذين يحترمون التنوع في الفضاء الإسلامي، ومحاولة تغيير الوضع الحالي من الأفكار المطروحة المضللة ضد الإسلام، وما يحدث من تشجيع على حرق القرآن ما هو إلا بعض من التأثيرات السلبية للأفكار التي يحملها الأغلبية عن هذا الدين العظيم. 
 إن ما نشهده من الهجمات الشعواء – الإسلاموفوبيا- التحامل والكراهية والمضايقة والدعاوى المضلّلة ضدّ الإسلام، تدعونا إلى تصحيح الأفكار المغلوطة التي يغذيها جهل المجتمعات الغربيّة بحقيقة الإسلام؛ لأنّ المسلمين- برأيهم- أعداء الحضارة والتقدّم، وإن الدين الإسلامي أتى على أقوام جهلاء، وأهل بداوة، وبأن هذا الدين غير قادر- حاليًا- من خلال نهجه على استشراف مستقبلهم!
فالتاريخ الإسلامي القديم اكتظَّ بعلماء أفضل كثيرًا من أولئك المنظّرين الذين حاولوا أن يجدّدوا في الدين بالاجتهاد، فزادوه تعقيدًا، والحقيقة أنّ تبنّي الفكر السلفي المتشدِّد على أنه من مسلَّمات الفكر الإسلامي .. وأنّه محلُّ إجماع بين علماء المسلمين، فيه ميل عن الحقيقة.
فبعض أولئك الدعاة ضيّقوا من روافدهم الشرعيّة، وتعصّبوا لفكر خارج سياق الزمن، مع أنّ هناك فسحة كبيرة في الدين،كما نلاحظ ذلك الكسل والصمت الطـــاغيين على بعض العلماء الذين نعول عليهم  في توضيح الحقائق، والتقاعس عن تناول الأوضاع الجارية، ومعالجتها بالحجّة والبرهان، والردّ بالدليل الشرعي على الشبهات والمغالطات التي تعلنها بعض الجماعات بين الحين والآخر.
والواقع مختلف حتمًا عن هذا السياق؛ لأنّ ذلك الفكر نتاج خصب لثمار الأحاديّة المذهبيّة والعقائديّة، فقد فشلت تلك الجماعات في أن تعبّر عن المرحلة التي تعيشها الأمّة، من باب التعصب لجماعة من السلف، وهذا فيه إلغاء الفكر والتراث المختلف معه وتغييبه من ثقافتنا.. ما أحوجنا إلى علماء يتسمون بالاعتدال يأخذون مسألة الرد على الهجمات المغرضة على الإسلام أولوية أولى ينافسون دعاوى الغلو والتشدد.
نحن في بعض الحالات نفتقد التديّن الحقيقي الذي يبيّن المقاصد الشرعيّة دون شدّة، واستحضار ظروف العصر دون تراخٍ في الدين وأصوله، والاهتمام بفقه الواقع دون إخلال به أو تزييف له.
كما أن هناك حقائق وأمثلة ناصعة لا بدَّ من تأكيدها، حينما نجحت السياسة الخارجية الإماراتية في الترويج للإسلام السمح عالميًّا، وهو نوعية من الثقافة الإنسانية تتسم بالروحانية والتسامح، والرحمة للعالمين، كما ركَّزت الإمارات على مجابهة قوى التطرف والإرهاب، وعملت جاهدة على توضيح زيف أفكاره، وتجفيف منابع الحواضن الثقافية لأفكار الغلو والعنف، كما إنها تعرّي الزيف، وتزرع التنوير والازدهاروالأمل في كلِّ مكان، لتتفرغ حينئذٍ لرسالتها الأخلاقية والمعرفية بنشر معالم الحضارة من الآداب والمعارف والفنون، وهذه المعايير باتت مطلبًا مهمًّا للمسلم المعاصر.

عن موقع "24"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية