"الإفتاء المصرية" تحصد ثمار مناكفة الأزهر والإخوان والسلفيين

"الإفتاء المصرية" تحصد ثمار مناكفة الأزهر والإخوان والسلفيين

"الإفتاء المصرية" تحصد ثمار مناكفة الأزهر والإخوان والسلفيين


17/08/2023

أحمد حافظ

حمل قرار الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بالتجديد لشوقي علام في منصب مفتي الديار المصرية لعام ثالث على التوالي رسائل سياسية ودينية، يمكن تلخيصها في أن دار الإفتاء تحصد ثمار شجاعتها في مناكفة الأزهر والسلفيين والإخوان والتناغم مع الحكومة من بوابة دعم قرارات وتشريعات ملتهبة، لتوفير حصانة دينية للحكومة أمام أغلبية متدينة أو شبه متدينة في المجتمع.

ويوحي القرار بأن الحكومة تأكدت من عدم سير الأزهر على نفس خط التحديات التي تواجهها، مقابل مرونة واضحة من دار الإفتاء، حيث ينشغل الأزهر وعلماؤه بصناعة كيان يريد احتكار الأمور الدينية وعدم التخلي عن التركيز على مضاعفة النفوذ، ما كرس الفكر المنغلق الذي أدركت السلطة خطورة وصوله إلى الإفتاء في البلاد.

وتتعامل الحكومة مع المفتي شوقي علام باعتباره رجل الدين الأكثر انفتاحا وشجاعة في مواجهة الأصوات المنغلقة فكريا، وقد يستمر في تعويض دور الأزهر نسبيا بعد أن أثبتت بعض الشواهد أن قادته لم يحققوا تقدما ملموسا منذ تطرق الرئيس السيسي إلى حتمية تنقيح التراث ونشر الفكر المعتدل كمدخل لمحاصرة التشدد.

ونجحت دار الإفتاء المصرية تحت قيادة علام في أن تنأى بنفسها عن طغيان الأهواء السلفية والإخوانية على قادتها، عكس الأزهر الذي تراخى أحيانا في القيام بعملية رشيدة لتطهير نفسه واستمر في تصدير علماء ورجال دين إلى المشهد، بعضهم يحمل أفكارا تتناقض مع توجهات السلطة، في وقت تدرك فيه الأجهزة الرسمية الأهمية التي تنطوي عليها الفتوى كسلاح سياسي.

ويرى مراقبون أن التمديد لشوقي علام لولاية ثالثة يحمل تكريما سياسيا من رأس السلطة لدار الإفتاء، كونها لم تتسبب في اكتواء الحكومة بنيران فتاواها طوال فترة وجوده، وسهّل تمرير الكثير من القرارات التي كانت السلطة تعاني من توصيلها إلى الشارع وإجراء حوار مجتمعي بشأنها، مثل قوانين الأحوال الشخصية.

ورغم إقرار الدستور المصري لمدنية الدولة، لا تزال الفتوى تمثل خصوصية كبيرة لحاجة بعض التوجهات العامة إلى دعم ديني يقود إلى إضفاء شرعية عليها، وهو ما تفعله دار الإفتاء بشكل معلن، في حين اصطدم الأزهر ببعض القضايا، ورفض التنازل عن الاحتكام إلى التراث في الكثير من تصورات السلطة.

وطالب الرئيس المصري أكثر من مرة المؤسسات الدينية بالاشتباك مع القضايا التي تهدد تماسك المجتمع وتصنع حالة استقطاب ديني خطيرة، لكنّ الأزهر ظل على موقفه المتردد أو الرافض، بينما تصدت دار الإفتاء للتعامل مع جملة من الأزمات وأصبحت مبادراتها تحظى باهتمام من المواطنين، وبدت عند الحكومة صاحبة نفوذ كبير.

ولأن ملفات الأسرة والزواج والطلاق تحظى بأهمية لدى الحكومة مضت دار الإفتاء في اتجاه تطبيق رؤى مناهضة لقناعات الأزهر في هذه الملفات، وباتت تعوّل عليها السلطة في إقناع الشارع بوجهات نظرها طالما أن الأزهر يعارض فتح النقاش المجتمعي حول الحلول المعاصرة، مثل عدم الاعتراف بالطلاق الشفهي.

ويحمل استمرار وجود علام طمأنينة سياسية للحكومة، كون دار الإفتاء لا تكل ولا تمل من السعي إلى إيجاد حلول وسطى لرؤى متلامسة مع الدين، بحيث تتجنب الحكومة والنظام برمته الدخول في خصومة مع أي تيار أو مؤسسة أو فصيل لديه رؤى متشددة، وأنقذت الدار السلطة من تهمة معاداة الدين.

وقال محمد أبوحامد، البرلماني السابق والباحث في شؤون الأديان، إن "التجديد للمفتي جزء من أسبابه أن دار الإفتاء تتعامل مع القضايا الشائكة بشكل مرن، بينما البعض من علماء الأزهر يتمسكون بالتراث، وهذا يعطل تمرير رؤى النظام المصري لإصلاح المشهد الدعوي".

وأضاف لـ"العرب" أن "دار الإفتاء مؤسسة مرنة في نظر السلطة وتتعامل بمعايير فقهية سهلة، فهي سلاح حيوي في مواجهة التشدد، والظرف السياسي لا يسمح برؤى موازية في المجالات المرتبطة بالمجتمع، أو أن تكون هناك اجتهادات متطرفة، وتعتمد دار الإفتاء على رؤى فقهية موجودة في التراث وتجتهد في جعلها مناسبة للعصر".

ويتماشى هذا التوجه مع سياسة الحكومة التي أدركت خطورة وجود نقاش محتدم حول قضايا فقهية بين الرئاسة والأزهر، لكن المعضلة الحقيقية تكمن في أن دار الإفتاء تدافع عن النظام على الدوام بصورة سياسية، ما يجلب ردود فعل سلبية على صورة المؤسسة كجهة دينية، ويتم تسويق الأمر من قبل خصوم السلطة على أن الفتوى جاءت بتعليمات رسمية.

ودعا مفتي مصر المصريين إلى الالتزام بدفع الضرائب التي يقرها ولي الأمر (الحاكم)، لأن دفعها من أنواع التعبد والتقرب إلى الله الذي يفرض على عباده طاعة ولي الأمر في الحق والخير والبناء عبر طاعة القانون، وبالغ في دفاعه عن إقرار الضرائب التي أثقلت كاهل المصريين، بتأكيده أنها جائزة طالما فرضها الحاكم لتغطية النفقات العامة والبحث عن موارد للتنمية.

واستبعدت دوائر سياسية وجود تكليف حكومي لدار الإفتاء بالوقوف خلفها في القضايا السياسية والدينية الشائكة، رغم أنها المستفيد الأول منها، لكن الدار طوال فترة وجود شوقي علام على رأسها اعتادت التبرع بالدفاع عن قرارات تغضب شريحة من الناس، حتى تُظهر الولاء للنظام وتَظهر أمامه شريكة في مواجهة التحديات.

ويعتبر معارضون لاستمرار علام على رأس دار الإفتاء في مصر أن بقاءه في المنصب لولاية ثالثة ضد التجديد الذي تطالب الحكومة بتطبيقه في الخطاب الديني، ويظهر الرجل في صورة توحي بأنه يكافأ نظير أنه قدم نفسه على أنه الحزب السياسي الديني للدولة، خاصة أن بعض فتاواه مثيرة للشكوك ويسوقها كدعم لرؤية الحاكم.

وأكد محمد أبوحامد لـ"العرب" أن "أي مؤسسة دينية هي جزء من كيان الدولة، ويجب عليها دعم الحكومة في القضايا الوطنية عندما تحاصرها التحديات، وهذا لا يتعارض مع الاستقلالية وغير مطلوب من دار الإفتاء الوقوف على الحياد والتزام الصمت طالما أن لديها رؤى فقهية تسهم في حل جزء من المشكلة القائمة ويكون طرفها الحكومة، لكن العبرة في تقديم الحلول بشكل متزن".

ولا ينكر الكثير من رافضي انخراط دار الإفتاء في معارك طرفها السلطة والأزهر، أو الحكومة والشارع، أن تكون أهدافها نبيلة كنوع من التعبئة العامة، لكن الخطورة تكمن في أن بعض المواطنين يتعاملون مع أعضاء هيئة الفتوى على أنهم جزء من السلطة، ما يعني أن الناس يعطون لأنفسهم حق القبول والرفض، والشك في أهداف الفتوى وتوقيتاتها.

وتتطلب القضايا التي تختار المؤسسات الدينية دعم الحكومة فيها حشدا شعبيا لمساندتها، وهذا منطقي في أجواء سياسية واقتصادية واجتماعية معقدة، غير أن الخطاب الديني في المجمل ليس معنيا بإضفاء قدسية على كل قرار سياسي، ما يوحي بأن الدولة ضعيفة، في حين نجح النظام الحالي في تثبيت أركان الأمن والاستقرار.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية