الإمارات والسعودية لماذا تقاطعان رئيساً أطرش

الإمارات والسعودية لماذا تقاطعان رئيساً أطرش


12/03/2022

علي الصراف

مليونا برميل إضافيين لتغطية الاحتياجات الأوروبية من النفط لا يتطلبان من السعودية أكثر من جرة قلم. لقد حدث ذلك في عدة أزمات سابقة تمكنت فيها السعودية ليس من توفير فائض يحد من التقلبات، بل الحد من قفزة الأسعار أيضا.

جانب كبير من ذلك كان يتعلق بالتحالف المتين مع الولايات المتحدة. هذا التحالف يتصدع الآن حيال أزمة عالمية كبرى تتعلق باستقرار النظام الدولي نفسه.

السبب الوحيد لذلك هو أن هناك في البيت الأبيض رئيسا قرر أن يتعامل مع السعودية بعدائية ملموسة؛ قرر أن يتجاهل اعتباراتها الأمنية، وقرر أن يمزق التحالف.

الشيء نفسه حصل مع الإمارات، بالتردد في تنفيذ صفقة طائرات أف – 35، وبالتلكؤ في مواجهة الاعتداءات الإيرانية على خطوط الملاحة في مياه الخليج، وبرفع الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية، والتواطؤ مع هذا التنظيم ضمنيا بالتعامل معه كطرف في الحرب مساوٍ للسعودية والإمارات، بينما هو مجرد تنظيم مسلح نفذ انقلابا على السلطة الشرعية.

قضية مقتل جمال خاشقجي ليست سوى ذريعة، ارتكبت الولايات المتحدة جرائم أبشع منها في كل مكان وطأته أقدامها.

وعلى الدوام، فقد كان يمكن لقضايا انتهاكات حقوق الإنسان أن تثير انتقادات بين الدول، ولكنها لم تكن سببا لانقلاب تحالفات استراتيجية. هذه حماقة لم يرتكبها أحد من قبل.

الوجه الحقيقي للمسألة هو أن الرئيس جو بايدن أراد أن يعمل شيئين: الأول، أن يعكس كل ما فعله سلفه دونالد ترامب “على العمياني” لاعتبارات تتعلق بالكراهية الشخصية المتبادلة بينهما، حتى ليبدو أن ترامب تحول إلى عقدة نفسية له. والثاني، هو أن يعيد إحياء اتفاق نووي صممته إدارة الرئيس باراك أوباما مع إيران، وذلك برغم معرفته بنواقصه، وبرغم معرفته بحجم الضرر الذي تعرضت له الولايات المتحدة نفسها من الأعمال العدوانية التي شنتها الميليشيات التابعة لإيران، حتى دفعت بالقوات الأميركية إلى أن تُطرد من العراق.

هذا يعني أن هناك رئيسين سابقين هما اللذان يتحكمان بالرئيس بايدن، كلّ من اتجاه مختلف. وهو يناكف واحدا، ويميل بعواطفه إلى آخر. هذا يعني أيضا أنه هو نفسه لا يتصرف كرئيس، ولا يملك الثقل الشخصي الكافي لكي يتبنى رؤية سياسية خاصة به.

الرؤية الخاصة، أيا كانت، تتطلب نظرة متفحصة لمكانة التحالفات الاستراتيجية. وحالما يختار الرئيس، أي رئيس، تكسيرها أو تكسير بعضها، فعليه تقع المسؤولية، وعليه أن يتحمل العاقبة.

المعركة الدائرة في أوكرانيا الآن ليست معركة تتعلق بأوكرانيا وحدها. إنها معركة نظام دولي، تقررُ نتائجُها ما إذا كانت روسيا سوف تنقلب من “قوة إقليمية عظمى” إلى “قطب دولي” منافس للقطب الذي تتصدره الولايات المتحدة.

النفط والغاز هما السلاح الأهم في معركة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. لا تهم كل العقوبات الأخرى، طالما أن روسيا تظل تحصل على نحو مليار يورو يوميا من صادراتها من النفط والغاز. ولو أن الولايات المتحدة أرادت أن تكسب المعركة فإنها بحاجة إلى أن تتغلب على هذا السلاح بأن تستجمع كل قوة تحالفاتها الاستراتيجية لتوفير البدائل الكافية لأوروبا لكي تستغني عن النفط والغاز الروسيين.

ماذا فعلت إدارة بايدن؟ لكي ترى كيف أنها إدارة تطوف على رأسها الحماقة، فإنها بدلا من أن تستجمع قدرات حليفين رئيسيين مثل السعودية والإمارات، وأن تصغي إلى مشاغلهما وتحترم تعهداتها هي نفسها معهما، فإنها اختارت أن تراهن على عودة إيران إلى سوق النفط، وأن تقبل بشروطها المذلة. ثم اختارت أن تستميل خصما آخر، ظلت تحاربه وتقاطعه وتعتدي عليه، هو فنزويلا لإقناعها بتصدير نفطها إلى الولايات المتحدة، مقابل رفع العقوبات.

عندما يقاطع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان محاولات بايدن للاتصال بهما، فليس لأنهما يرغبان بالتخلي عن التحالف مع الولايات المتحدة، ولكن لأنهما لا يريان رئيسا في البيت الأبيض.

الحماقة، والاعتبارات السطحية، وفوضى الذهن، لا تصنع رئيسا يمكن الثقة به.

رعونة ترامب تقابلها الآن رعونة مضادة. وفي النهاية، فإنها هي نفسها، رعونة فحسب. ولقد أتيحت الكثير من الدلائل على أن هذين الرئيسين لم يتوفرا على النضج الكافي لبناء تحالفات متينة. ترامب دمر العلاقات مع الاتحاد الأوروبي. وبايدن دمر العلاقات مع التحالف الخليجي. الأول، ناصب إيران العداء من دون أن يجرؤ على مواجهة أعمالها العدوانية. والثاني، هرب من أمامها تاركا خلفه بلدا دفعت الولايات المتحدة تريليوني دولار و50 ألف ضحية من أجل أن تملي نفوذها عليه. الأول، أسس لعودة طالبان إلى السلطة في أفغانستان، بدلا من أن يؤسس لنظام قادر على الدفاع عن نفسه. والثاني نفذ انسحابا فوضويا تحت تهديد السلاح.

السؤال الذي لن يعثر الرئيس بايدن على جواب له هو: لماذا تريد أن نخوض حربا معك، بينما لا تخوض حربا معنا؟

الذهاب إلى إيران وفنزويلا ليس من دون ثمن. وهما ليسا تعويضا حقيقيا عن الدور الذي يمكن للتحالف الخليجي أن يلعبه في المعركة من أجل استقرار النظام الدولي.

إيران وفنزويلا يمكن أن توفرا مليوني برميل من النفط للأسواق. إلا أنهما لن تساعدا في أن يعود النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ليجلس على مقعده. إنهما مسماران ناتئان في هذا المقعد. وهما، في الأصل، حليفان للرئيس بوتين، وهو أصدق معهما، وأكثر جدارة بالثقة من الرئيس بايدن، بل ومن أي رئيس أميركي آخر.

ولقد حاولت السعودية والإمارات مرارا وتكرارا أن تلفتا انتباه البيت الأبيض إلى أن العلاقات تتصدع بسبب موقف الولايات المتحدة المتخاذل حيال تهديدات إيران، وأعمال الإرهاب التي تمارسها جماعة الحوثي، حتى بلغ السيل الزبى بأن قال السفير الإماراتي في الولايات المتحدة يوسف العتيبة “إن العلاقة بين بلاده والولايات المتحدة تمرّ بمرحلة اختبار القدرة على تحمّل الإجهاد”.

لا يمكن للدبلوماسية أن تطلق صرخة أعلى من هذه. ولكن الأطرش أطرش في النهاية. وأي اتصال يحاول أن يجريه، سيكون مكالمة مع أطرش تطوف الحماقة على رأسه، حتى أنه لا يعرف من هو العدو ومن هو الصديق.

عن "العرب" اللندنية

الصفحة الرئيسية