الاتفاق الروسي – الصيني... عودة غير مضمونة العواقب للحرب الباردة

الاتفاق الروسي – الصيني... عودة غير مضمونة العواقب للحرب الباردة


07/02/2022

في خطوة لم تكن بعيدة عن أجواء التصعيد بين روسيا من جهة والولايات المتحدة وبريطانيا من جهة أخرى على خلفية أزمة أوكرانيا، أُعلن في بكين وعلى هامش دورة الألعاب الأولمبية الشتوية عن توقيع اتفاق تاريخي جديد بين الرئيسين؛ الروسي فلاديمير بوتين، والصيني شي يينغ، تنوعت مضامينه لتشمل اتفاقات في كافة الحقول، بما فيها التعاون السياسي والأمني والعسكري، فيما كان التعاون الاقتصادي في مجال الطاقة وإمدادات الغاز الروسي للصين العنوان الأبرز لتلك الاتفاقات.

اتفاق العودة للحرب الباردة

خارج العلاقة الثنائية بين روسيا والصين، تضمن اتفاق التعاون الشامل بين موسكو وبكين والمكون من "31" بنداً، مضامين تعيد إنتاج سياقات ما يوصف بالحرب الباردة بين بين أمريكا والغرب مع الاتحاد السوفيتي السابق والكتلة الشرقية، ولكن بمفهوم جديد عبّر عنه عنوان "وثيقة الإعلان المشترك بخصوص دخول العلاقات الدولية عهداً جديداً" عنوانها الاحترام والتعايش السلمي، ومطالبة مباشرة لأمريكا بوقف تمدد الأطلسي شرق أوروبا، وإعادة نشر منظومات صواريخ ومخزونات أسلحة كيماوية، والتدخل في المحيطين "الهادي والهندي"، وفي الوقت الذي أكدت فيه موسكو رفضها لاستقلال تايوان، أعلنت أيضاً رفضها انضمام أوكرانيا لحلف الأطلسي.

تملك واشنطن سلّة خيارات سيكون لها تأثير حقيقي على موسكو، من بينها عقوبات اقتصادية على روسيا وقد تصل لبوتين ولقيادات روسية

مؤكد أنّ اتفاق "موسكو – بكين" كان من بين السيناريوهات المتوقعة في واشنطن، لكنه أسقط سيناريو آخر كانت تراهن واشنطن عليه؛ وهو أنّ ضغوطها على روسيا ستدفع الرئيس بوتين لتقديم "تنازلات" والحفاظ على مسافة بينه وبين بكين.

لكنّ الاتفاق أكد ذهاب روسيا بعيداً في مواجهة أمريكا وحلفائها، بالاستناد للعديد من العوامل، وفي مقدمتها تقدير موقف لدى روسيا يتضمن ضعف الإدارة الأمريكية، وأنّ سياسات واشنطن عبرت عن هذا الضعف بالعديد من "المحطات" لعل أبرزها: الانسحاب العسكري الأحادي من أفغانستان، وتوجهات للانسحاب من مناطق الصراع في الشرق الأوسط، والفجوة التي برزت بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين تجاه الأزمة الأوكرانية، حيث أكدت تطورات هذه الأزمة أنّ الأوروبيين "باستثناء بريطانيا" ليسوا مع التصعيد ضد روسيا، لأسباب جغرافية وعسكرية، وأخرى اقتصادية مرتبطة بإمدادات الغاز الروسي.

اقرأ أيضاً: بتصريحات تستهدف بايدن والصين... ترامب يعود إلى الواجهة.. ماذا قال؟

وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ الرئيس بوتين يدرك التحولات التي تشهدها علاقات واشنطن مع حلفائها التاريخيين في الشرق الأوسط، وعلى رأسهم إسرائيل بالإضافة للسعودية ودول الخليج وتركيا، وباتجاهات ولّدت شكوكاً عميقة لدى تلك الدول بالتزامات أمريكا تجاه حلفائها، لاسيما مع بوادر التوصل لصفقة بين واشنطن وطهران، يتردد أنها لن تأخذ بعين الاعتبار مطالب إسرائيلية وخليجية بضمانات توقف التهديد الإيراني.

خيارات واشنطن والغرب لمواجهة الاتفاق

وبالرغم من الأبعاد الاستراتيجية للاتفاق والتي تبعث برسالة مفادها وجود تحولات في العلاقات الدولية، عنوانها عودة القطبية الدولية، إلا أنّ الطريق أمام موسكو وبكين، لا تبدو مفروشة بالورود؛  فمن المرجح أنّ واشنطن ما تزال تملك خيارات كثيرة لمواجهة هذا التحالف، في مقدمتها الشكوك المتبادلة بين بكين وموسكو باستثمار كل منهما الاتفاق لمواجهة واشنطن في إطار مفاوضات معها، وهو ما يعني أنّ وصول واشنطن لتفاهمات أو صفقات مع موسكو أو بكين، ستكون على حساب أحدهما.

اقرأ أيضاً: ما مستقبل الانفتاح الصيني على دول الشرق الأوسط؟

وبالتزامن مع ذلك، ورغم خلافات واشنطن مع حلفائها التاريخيين، في أوروبا والشرق الأوسط، فإنّ هؤلاء الحلفاء يدركون عواقب ذهابهم بعلاقات أعمق مع موسكو وبكين، إلا بالقدر الذي يخدم فيه هذا العمق مساومة واشنطن، وهو ما يعني ضعف منظومة حلفاء موسكو وبكين واحتمالات ثباتها، مقابل منظومة حلفاء واشنطن، بما في ذلك دول أوروبا التي لا تخرج عن الفضاء الأمريكي رغم تحفظاتها على بعض سياسات واشنطن، لا سيما وأنّ أوروبا تميز بين علاقات مع موسكو تحكمها الجغرافيا، وعلاقات مع موسكو حليفة الصين، وبالإضافة لذلك فإنّ دول آسيا الوسطى ورغم أنها محسوبة استراتيجياً على الأمن القومي الروسي، إلا أنّ اختراقات أمريكية وأوروبية في هذه الدول قد تجعل منها تهديداً للأمن القومي الروسي، وهو ما أكدته الأحداث التي شهدتها كازاخستان مؤخراً.

يدرك بوتين التحولات التي تشهدها علاقات واشنطن مع حلفائها التاريخيين في الشرق الأوسط، وعلى رأسهم إسرائيل بالإضافة للسعودية ودول الخليج وتركيا

ومن هنا، يمكن تفسير قرارات واشنطن الجديدة، والتي تزامنت مع اتفاق "موسكو- بكين" وأبرزها إلغاء "عقوبات" على إيران في إطار الصفقة النووية المقبلة، كان قد اتخذها الرئيس السابق "دونالد ترامب". ورغم ارتباطات هذا القرار بتطورات المفاوضات قبيل الاتفاق الروسي- الصيني، لكن الموافقة على الإفراج عن صفقات أسلحة كانت موقوفة من واشنطن لحلفائها في الشرق الأوسط (السعودية، مصر، الإمارات والأردن)، تتراوح ما بين طائرات مقاتلة وذخائر متطورة، غير بعيدة عن قطع الطريق على روسيا والصين لبيع المزيد من الأسلحة لهذه الدول.

اقرأ أيضاً: توتر بين الصين وتركيا.. ما علاقة الإيغور والأكراد؟

واشنطن تملك سلّة خيارات سيكون لها تأثير حقيقي على موسكو، من بينها عقوبات اقتصادية على روسيا وقد تصل للرئيس بوتين ولقيادات روسية، ورغم أنّ روسيا لديها قدرة على التكيف مع عقوبات اقتصادية مشددة، لكن هذا التكيف سيكون تحدياً لروسيا لممارسة سياسات تؤهلها لتحقيق تعدد القطبية العالمية، كما أنّ لدى واشنطن ملفات حقوق الإنسان، وهي من بين أبرز الملفات التي تطرحها واشنطن بوجه موسكو وبكين، رغم الاتهامات لواشنطن والغرب بـ "سياسات براغماتية" في استخدام ملفات حقوق الإنسان، إلا أنها تبقى إحدى أبرز أوراق واشنطن في المدى المنظور التي تحظى بإجماع دولي واسع.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية