الاستيطان بوصفه جزءاً من العقيدة الصهيونية: اليمين يتمادى

الاستيطان بوصفه جزءاً من العقيدة الصهيونية: اليمين يتمادى


11/04/2022

في معرض تبريرها لاستقالتها المفاجئة من الحزب الحاكم في إسرائيل؛ حزب يمينا، قالت عضوة الكنيست، رئيسة الائتلاف الحاكم، إيديت سيلمان: "استخدامك لمصطلح الضفة الغربية بدلاً من يهودا والسامرة غير مقبولٍ"، وذلك رداً على حديث رئيس الوزراء، نفتالي بينيت خلال اجتماعه مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين الشهر الماضي.

وتكشف استقالة إيديت عن تنامي الغضب داخل اليمين في الائتلاف الحاكم جراء ما اسمته في خطاب استقالتها بـ "الإضرار المستمر بالهوية اليهودية في إسرائيل". وتلقي الاستقالة الضوء على قوة التوجه اليميني في إسرائيل، وتأثيره الإيجابي والسلبي على نتائج الانتخابات. وفي قلب هذا التوجه يقع "الاستيطان"، الذي بات بمثابة الخط الأحمر؛ لا يجرؤ سياسي على انتقاده، ما لم يكن طامعاً في حظوظ انتخابية أو المشاركة في ائتلاف حكومي.

الاستيطان: قلب إسرائيل

وتاريخياً تأسست إسرائيل على المبادرات الاستيطانية المدعومة من المنظمات الصهيونية، والتي بدأت في أواخر عهد الحكم العثماني لمناطق جنوب الشام، التي تُعرف باسم "فلسطين" بعد اتفاقية سايكس - بيكو، وتأسيس الدول العربية الحديثة في منطقة الشام.

لا يمضي يوم دون اعتداءات من المستوطنين على الفلسطينيين

ووفق القانون الدولي فإنّ الاستيطان في فلسطين هو الاستيلاء على أراضٍ عربية تقع في المناطق التي احتلتها إسرائيل في حرب الخامس من حزيران (يونيو) لعام 1967، وما قبل ذلك يعتبر أراضي تابعة لإسرائيل، وبناءً على هذا لا تعترف الأمم المتحدة ومعظم دول العالم بالمستوطنات الإسرائيلية في القدس الشرقية والضفة الغربية وهضبة الجولان ومن قبل في قطاع غزة.

يبقى الضغط الأمريكي - الأوروبي هو العامل الأهم في مواجهة سياسة الاستيطان، إلى جانب العامل العربي، الذي تُشكل السياسة الاستيطانية عبئاً على علاقاته مع إسرائيل

وتنامت عملية الاستيطان في الأراضي الفلسطينية وفق حدود قبل حرب 1967، وترافق ذلك مع التحوّلات السياسية الإسرائيلية، والتي تمثّلت في صعود اليمين على حساب اليسار، وعلى رأسه حزب العمل. وتوسع النشاط الاستيطاني منذ العام 1996 بشكلٍ كبير في عهد الحكومات اليمينية بدايةً بحكومة بنيامين نتانياهو الأولى، وخلفه أرئيل شارون، ثم في العهد الثاني لنتانياهو، خصوصاً في عهد إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب (2017 - 2021).

اقرأ أيضاً: "يوم الأرض": صمود فلسطيني في وجه الاستيطان والتهويد.. أرقام وإحصائيات

وتُعتبر استقالة إيديت سليمان بمثابة انتصار لنتانياهو، الذي دعا إلى العودة إلى البيت اليميني. كما أنّ حكومة بينيت باتت مهددةً بالانهيار، كوّنها فقدت أغلبيتها الضئيلة، وربما تعود البلاد إلى انتخاباتٍ جديدة، ستكون الخامسة في غضون عامين، أو يتم تشكيل حكومة ائتلافية جديدة، ستكون الغلبة فيها لليمين، والحكومة من نصيب ائتلاف يميني أشد تطرفاً.

هيمنة اليمين

وفي سياق رصده لهذه التحولات، يرى الناطق باسم تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح، عماد محسن، أنّ "الاستيطان حاضرٌ بقوةٍ في السلوك والفكر السياسي الصهيوني، وهو إستراتيجية وليس تكتيكاً لحكومات إسرائيل. ومنذ مجيء نتنياهو إلى السلطة في دولة الاحتلال بات الاستيطان قاعدة انطلاق وليس ورقة مساومة".

اقرأ أيضاً: الاستيطان العامودي: بنايات عملاقة بخدمات فريدة لجذب الإسرائيليين

وتابع لـ"حفريات": "يتجه المجتمع الإسرائيلي إلى اليمين بشكلٍ أكبر يوماً بعد يوم، وتنطلق الأحزاب في برامجها الانتخابية من قاعدة دعم الاستيطان، باعتباره أساس المشروع الصهيوني كله، ويملك المستوطنون وجماعات الضغط التي تتبنى السلوك الاستيطاني تأثيراً كبيراً على الناخبين وعلى صناع القرار في دولة الاحتلال".

ومن جانبه أقر الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، عبد المُهدي مطاوع بوجود "انزياح في المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين منذ أكثر من عشرين عاماً، تسبب في احتكار اليمين لرئاسة الحكومة".

مطاوع: هناك رأي واسع في إسرائيل يعتقد أنّ تجميد خطط الاستيطان يقربهم من الهزيمة

وأفاد لـ"حفريات": "هناك رأي واسع في إسرائيل يعتقد أنّ تجميد خطط الاستيطان يقربهم من الهزيمة، بسبب الوضع الديموغرافي الذي يميل لصالح الفلسطينيين، رغم كل العوائق الإسرائيلية، ولهذا تواجه تل أبيب ذلك بإغراء اليهود بالهجرة إليها، وفي إطار ذلك جاء قانون القومية اليهودية". وشدد على أنّه "بدون الاستيطان لا يحكم اليمين في إسرائيل؛ لأنّ أغلب الأصوات يحصل عليها بسبب البرنامج الاستيطاني، ما جعل التنافس بين الأحزاب اليمينية يكون وفق ذلك".

اقرأ أيضاً: الأمم المتحدة تتخذ موقفاً واضحاً من الاستيطان الإسرائيلي

وبخلاف تطرف اليمين، هناك رأي في إسرائيل يرى في الاستيطان خطراً محدقاً على مستقبل إسرائيل ذاتها. وعن جشع الاستيطان كتب عاموس عوز في صحيفة "يديعوت أحرنوت" منذ أعوام: "يجب عدم تشويش الخط بين الإسرائيليين الذين يريدون العيش كشعب حر في دولة إسرائيل إلى جانب فلسطين وليس مكانها، وبين هؤلاء الذين يواصلون قمع شعب آخر واستعباده في إطار مقولة "أرض الآباء" بغريزة جشع الاستيطان"، وفق تقرير نشرته وكالة "وفا".

اقرأ أيضاً: هذه أبرز محطات الاستيطان قبل "الدولة اليهودية"

وحول توصيف تعامل الحكومات اليمينية في إسرائيل مع مسألة "الاستيطان" كتب الصحفي الأمريكي، دان بيري: "عندما يكون الأمر مناسباً لإسرائيل، تكون الضفة الغربية جزءاً من الدولة، هذا هو الوضع عندما تريد إسرائيل السيطرة الأمنية من النهر إلى البحر، أو عندما تريد أن يتمكن اليهود من الاستقرار في أي مكان في أرض إسرائيل التاريخية".

ولكن عندما يناسب العكس إسرائيل، فإنّ "الضفة الغربية بالتأكيد ليست جزءاً من الدولة". وأضاف في مقاله في موقع "تايمز أوف إسرائيل": "هذا هو النهج عندما تريد إسرائيل التنافس في البطولات الرياضية الأوروبية ومهرجان الأغنية الأوروبية، أو عندما يرغب مواطنوها في الاستمتاع بالسفر بدون تأشيرة، أو عندما تريد التجارة الحرة لتقنيتها العالية، وأن تكون هي والولايات المتحدة أفضل صديقتين".

مخاطر الاستيطان

ويحقق الاستيطان مكسباً قصير المدى لإسرائيل؛ بنقل الصدام من حدودها إلى المناطق الفلسطينية، وفي سياق ذلك، يقول الناطق باسم تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح: "ربما كانت المستوطنات التي تسمى (معزولة) بمثابة ورقة تفاوضية فيما مضى، وبعض البؤر الاستيطانية كذلك، لكن الكتل الاستيطانية في برامج حكومات الاحتلال هي مناطق يستحيل التخلي عنها، ومن هنا جرت عملية القتل الممنهجة لفرص تحقيق حل الدولتين كأساسٍ لإنهاء الصراع".

محسن: لا توجد حكومة في إسرائيل انطلقت من قاعدة التخلي عن الاستيطان

وشدد على أنّه منذ ما يزيد عن عقدين من الزمن "لا توجد حكومة في إسرائيل انطلقت من قاعدة التخلي عن الاستيطان، وربما شاركت أحزاب تعارض الاستيطان في تشكيل حكومات ائتلافية، لكن صوتها يبقى ضعيفاً لمصلحة الكتل البرلمانية الكبرى التي ترفض مجرد نقاش مسألة الاستيطان أو التخلي عنه".

ومن جانب آخر يرى مفكرون في إسرائيل أنّ الاستيطان ورقة مساومة مع الفلسطينيين للتخلي عن حقّ العودة مقابل إخلاء المستوطنات. لكن يبدو أنّ هذا الطرح وغيره الذي كانت الأصوات ترتفع به منذ عقدين لم يعد ممكناً؛ فاليوم يقترب عدد المستوطنين في الضفة والقدس الشرقية من مليون مستوطن، بما لهم من ثقل ديموغرافي ومالي وانتخابي.

الناطق باسم تيار الإصلاح في حركة فتح، د.عماد محسن لـ"حفريات": في غياب الضغط الدولي ومع مرور الوقت سيصبح التمسك بالمستوطنات والمستوطنين من ثوابت السياسة الإسرائيلية.

ويشير الناطق باسم تيار الإصلاح، إلى أنّ الوضع السابق يجعل من غير المأمول لا في الأفق القصير ولا في المدى المنظور أنّ "تقوى الأصوات المنادية بوقف الاستيطان، وفي غياب الضغط الدولي ومع مرور الوقت سيصبح التمسك بالمستوطنات والمستوطنين من ثوابت السياسة الإسرائيلية".

ومقابل ذلك، يبقى الضغط الأمريكي - الأوروبي هو العامل الأهم في مواجهة سياسة الاستيطان، إلى جانب العامل العربي، الذي تُشكل السياسة الاستيطانية عبئاً على علاقاته مع إسرائيل.

اقرأ أيضاً: بتير .. جنة فلسطينية يسعى الاستيطان الإسرائيلي لجعلها جحيماً

وكان لافتاً التضامن الغربي الكبير على مستوى الرأي الشعبي مع الفلسطينيين، خلال حرب غزة الأخيرة. وهو ما أشار إليه الصحفي الأمريكي، دان بيري الذي توقع أن تبدأ الأمور "في الانهيار فقط عندما يصبح طلاب اليوم، الذين يكرهون الظلم، قادة الغرب، في غضون 25 عاماً تقريباً. وبعد ذلك، سيتم زيادة الضغط في الوقت الذي يبدأ فيه مفعول التركيبة السكانية؛ عندما لا يكون الفصل ممكناً بسبب وجود عدد كبير جداً من المستوطنين، وستصبح إسرائيل رسمياً دولة ثنائية القومية، وسيتعيّن عليها منح حقوق التصويت لملايين الفلسطينيين الذين تسيطر عليهم".

طلاب غربيون يتظاهرون دعماً لفلسطين في حرب غزة الأخيرة

وتوقع بيري: "من المحتمل أن يكون مصير اليهود في هذا السيناريو مشابهاً لمصير المسيحيين في لبنان. لقد كانوا أيضاً قصيري النظر لدرجة أنهم لم يوافقوا على دولة أصغر ذات أغلبية واضحة لشعبهم، وفضلوا الحيل الصغيرة للحفاظ على سيطرتهم على المنطق، حتى الانهيار الحتمي".

ويُذكر أنّ عدد المستوطنين في الأراضي الفلسطينية (الضفة الغربية‘ قطاع غزة، والقدس الشرقية) لم يتخطَ 20 ألف مستوطن حتى عام 1977. بينما وفق إحصاءات 2021، يعيش 451 ألف إسرائيلي في المستوطنات في الضفة الغربية، يشكلون 14% من مجمل السكان فيها، ويسكنون في 132 مستوطنة قانونية، و141 مستوطنة غير قانونية، ومنحت الحكومات الإسرائيلية الصفة القانونية لـ 21 من المستوطنات غير الشرعية، وتعمل على شرعنة 11 آخرين. وفي القدس الشرقية يعيش 558 ألف مستوطن في أحياء سكنية ومستوطنات داخل الأحياء الفلسطينية، وذلك وفق إحصاء منظمة "peacenow".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية