الاعتداء على السّعودية يبرز تطوّر دفاعاتها... ماذا عن سياسة إدارة بايدن؟

الاعتداء على السّعودية يبرز تطوّر دفاعاتها... ماذا عن سياسة إدارة بايدن؟


11/03/2021

رياض قهوجي

كشفت الهجمات الأخيرة على منشآت رأس التنور النفطية في منطقة الظهران شرق السعودية أن المملكة باتت أكثر استعداداً للهجمات المفاجئة من جانب إيران ووكلائها في المنطقة، وأن طهران عادت الى سياسة حافة الهاوية بعد استشعار هزالة الموقف الأميركي واستعداد إدارة الرئيس الجديد جو بايدن للعودة الى قواعد اللعبة القديمة – الحرب بالوكالة. ولقد استخدمت طائرة هجومية مسيّرة وصاروخاً بالستياً في العمليتين المنفصلتين ضد هدف يقع على مسافة تقارب 1400 كلم عن الحدود اليمنية، ما يضع علامات استفهام كبيرة حول مكان انطلاق الطائرة والصاروخ ضد المملكة. فالطائرات التي يستخدمها الحوثي في هجماته عادة على المملكة لا تستطيع قطع هذه المسافة. كما أن الطائرة التي كانت تستهدف مصفاة النفط أتت من ناحية البحر، ما يبعث على الاستنتاج أن الطائرة المسيّرة إما أطلقت من منصة مائية، أو من سفينة أو من داخل الأراضي الإيرانية. ويمتلك الحرس الثوري الإيراني منصات بحرية والعديد من السفن والزوارق التي يمكن إطلاق طائرات مسيرة منها. 

أما بالنسبة للصاروخ البالستي، فلم يكشف حتى الآن عن نوعيته. ولكن، بناءً على المعلومات المتوافرة عما يمتلكه الحوثي من صواريخ بالستية زوّدته بها إيران وما تملكه الأخيرة من صواريخ، فمن غير المرجح أن يكون هذا الصاروخ قد انطلق من اليمن إلا إذا كانت إيران قد تمكنت من إيصال صاروخ شهاب-3 الذي يصل مداه حتى 2000 كلم الى المقاتلين الحوثيين أخيراً. ويبقى الاعتقاد السائد بين المراقبين أن يكون الصاروخ قد انطلق إما من داخل الأراضي الإيرانية أو العراقية. الجهات الوحيدة التي تملك الحقيقة هي تلك التي تملك أقماراً اصطناعية أو أجهزة رادار ورصد تغطي إيران والعراق، وتستطيع كشف مكان وزمان انطلاق أي صواريخ منهما. لكن في كل الأحوال، إن كان مطلق هذا الصاروخ الحوثيين أو إيران، فإن صاحب الأمر في إطلاقه والطائرة المسيرة موجود في طهران. 

على عكس الهجمات على المنشآت النفطية السعودة قبل عامين، فإن الدفاعات السعودية هذه المرة كانت أكثر استعداداً وجاهزية وتمكنت من تدمير الهدفين بسرعة، ما يؤشر الى أن قيادة الدفاع الجوي السعودي سدت الثغرات في صفوفها. وبحسب بيان قيادة التحالف العربي، فإن المملكة تعرضت خلال سنوات حرب اليمن الأخيرة الى ما لا يقل عن هجمات بثلاثمئة وخمسين صاروخاً بالستياً، ما يجعلها أكثر بلد في العالم تعرض لهذا الكم من الصواريخ البالستية في التاريخ. وإذا ما تمت إضافة عدد الطائرات المسيّرة التي استهدفت المملكة، بحسب البيان والتي تقدر بنحو 537 (وهو رقم قياسي دولياً)، الى الصواريخ البالستية، فإن قوات الدفاع الجوي السعودي تكون صاحبة أكبر خبرة عالمية في اعتراض الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة. فعمليات الاعتراض هذه تحتاج الى مستوى عال من الجاهزية والتنسيق بين منظومات رادار الإنذار المبكر ورادارات تعقب الأهداف وبطاريات الصواريخ الاعتراضية والمقاتلات الاعتراضية. هذا الكم من الخبرة مع توافر التكنولوجيا والقدرات العسكرية مكّن المملكة من مواجهة حرب استنزاف حوثية - إيرانية من دون أي تأثيرات تذكر على سكان المملكة واقتصادها. 

ما من رد فعل أميركي قوي حتى هذه اللحظة على هذا الهجوم باستثناء الإدانة وتوجيه الانتقادات لإيران والحوثيين. فواشنطن لم ترد حتى الآن على الهجمة الأخيرة على قاعدة عين الأسد في العراق، والتي فيها قوات أميركية. وبدا المشهد أقرب الى الواقع الذي كانت المنطقة عليه أيام إدارة الرئيس باراك أوباما، الذي كان يتغاضى عن هجمات وتحركات عدوانية من جانب إيران وحلفائها حتى لا يؤثر ذلك في المفاوضات السرية التي كانت تجري حينها بين أميركا وإيران، والتي أنتجت الاتفاق النووي. سياسة أوباما حينها شجعت إيران وحلفاءها على الإقدام على خطوات توسعية عدة في المنطقة، ومنها سيطرة الحوثيين على صنعاء والانقلاب على الحكومة الشرعية، والتي أشعلت حرب اليمن الحالية. 

تعتمد إيران منذ سنوات سياسة الحرب بالوكالة لتنفيذ مخططاتها التوسعية في المنطقة وللضغط على أميركا وقوى غربية أخرى لتقليص نشاطاتها ووجودها العسكري في المنطقة. فكانت أميركا ترد على أي اعتداء على قواتها بمهاجمة الميليشيات الحليفة لإيران التي نفذت الاعتداء. لكن الرئيس دونالد ترامب قلب هذه المعادلة عندما قرر معاقبة إيران مباشرةً على هجمات استهدفت القوات الأميركية، فجاء رده باغتيال الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الذي يشرف على كل عمليات الحرس الثوري الإيراني الخارجية، بالإضافة الى كل الميليشيات المرتبطة بإيران. وكان الرد الإيراني محدوداً جداً ودون خسائر أميركية تذكر، ومن بعده شهدت المنطقة تراجعاً كبيراً في الهجمات من وكلاء إيران على أميركا وحلفائها، فيما ضاعفت أميركا من وجودها العسكري مع إنذار لطهران بالرد على داخل إيران إذا ما هوجمت قواعد أميركية. هذه التجربة أثبتت بما لا يدعو للشك أن إيران تستجيب للضغط العسكري المباشر لأنها لا تريد حرباً مباشرة مع أميركا تعرف مسبقاً نتائجها وعواقبها على النظام.

عدم رد الفعل من جانب واشنطن اليوم يوحي بأن إدارة بايدن عادت الى التحرك ضمن شروط قواعد اللعبة القديمة الإيرانية، مع بعض ردود الفعل العسكرية من وقت الى آخر من أجل أن توحي للرأي العام بأنها تحافظ على هيبة الردع. بل أكثر من ذلك، فإن تحركات بايدن مثل تجميد صفقات السلاح للمملكة ونشر التقرير الاستخباري حول اغتيال جمال خاشقجي ورفع الحوثيين عن قائمة المنظات الإرهابية، تبدو جميعها وكأنها رسائل تشجيعية لإيران بأنها (واشنطن) تقوم بإضعاف خصمها – السعودية – كدفعة مسبقة مقابل العودة الى طاولة المفاوضات حول برنامج إيران النووي والذي تريد أميركا أن تضيف اليه برنامج الصواريخ البالستية. وتحاول إدارة بايدن التغطية على ذلك عبر إعلانات متكررة عن حجم متانة العلاقات مع السعودية والتزامها حماية أمن المملكة. 

وقد باتت رحلات قاذفات بي-52 الى المنطقة وما يترافق معها من ترويج إعلاني للقيادة المركزية الأميركية، عمليات استعراضية لا أكثر. فالتحرك العسكري الرادع يجب أن يترافق بجدية مقنعة للخصم تضع حداً لتصرفاته التهديدية. فلا يبدو أن تحركات إدارة بايدن اليوم تؤخذ بأي جدية من طهران ومحورها في المنطقة، وبالتالي فإن التصاريح والاستعراضات العسكرية لن تردع إيران. وبلا شك أن دول الخليج العربية اليوم تقيّم الموقف وتدرس خياراتها وتحالفاتها وخطواتها المستقبلية ضمن واقع ومعادلات دولية وإقليمية مستجدة.               

عن "النهار" العربي


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية