الاعتصام المنسي: لماذا أحيا الإخوان ذكرى رابعة وتجاهلوا النهضة؟

الاعتصام المنسي.. لماذا أحيا الإخوان ذكرى رابعة وتجاهلوا النهضة؟

الاعتصام المنسي: لماذا أحيا الإخوان ذكرى رابعة وتجاهلوا النهضة؟


06/08/2023

مستلهما سردية جديدة في مسيرة المظلومية يسعى تنظيم الإخوان المسلمين للتكريس لفكرة كربلائية اعتصام ميدان رابعة العدوية؛ وقبل أيام روجت قنوات التنظيم الدولي للجماعة لفيلم وثائقي عالمي حسب وصف التنظيم يوثق لما يعرف في أدبيات الجماعة بمذبحة رابعة في الذكرى العاشرة لفض الاعتصام في أغسطس (آب) 2013.

التكريس لمظلومية رابعة العدوية كان الأكثر حظوة لدى إعلام الجماعة ومنصاتها الدعائية المختلفة، بيد أنّ اعتصاماً آخر لا يحظى بمثل ذلك الاهتمام، وهو اعتصام ميدان نهضة مصر والذي قام في محافظة الجيزة بالتوازي مع اعتصام ميدان رابعة العدوية في محافظة القاهرة.

التقارير التي أصدرها التنظيم أو الأفلام الوثائقية المقدمة والشهادات وحتى الشعار الذي أطلقته الجماعة علامة لما أسموه مذبحة الفض بعيد كل البعد عن ذكر ما حدث في اعتصام ميدان النهضة، والذي تم فضه في نفس التوقيت مع فض اعتصام رابعة العدوية وسقط فيه بحسب التقارير الرسمية 20 قتيلاً وبحسب إعلام الجماعة 80 قتيل إلى جانب استشهاد 3 ضباط من قوات الفض.

استراتيجية العمل المزدوج داخل التنظيم

تعود أحداث القضية إلى تاريخ 14 أغسطس (آب) 2013 عندما فضت قوات الأمن بالقوة اعتصامين لأنصار مرسي في ميداني "رابعة العدوية" و"نهضة مصر" بالقاهرة الكبرى؛ احتجاجاً على خطوة الإطاحة به من قبل قيادات الجيش في 3 يوليو (تموز) من العام ذاته؛ الأمر الذي أسفر عن سقوط 632 قتيلاً، منهم 8 شرطة، بحسب "المجلس القومي لحقوق الإنسان" في مصر، في الوقت الذي قالت فيه منظمات حقوقية محلية ودولية (غير رسمية)، إنّ أعداد القتلى تجاوزت ألف شخص.

 حسام الحداد: اعتصاما رابعة والنهضة يمثلان جماعة الاخوان خير تمثيل

يرى الباحث في الإسلام السياسي حسام الحداد أنّ اعتصامي رابعة والنهضة يمثلان جماعة الاخوان خير تمثيل، موضحاً: "هما مثال حي لاستراتيجية الإخوان منذ البداية وحتى الآن، حينما أسس حسن البنا الجناح العسكري وأطلق عليه "الجناح الخاص" لإيهام الناس بانه غير عنيف ولا ينتهج العنف، نفس الشيء قامت به الجماعة بعد فض اعتصامي النهضة ورابعة، أطلقت على الأجنحة المسلحة لها اسم المكاتب النوعية حيث ظهور لواء الثورة وحسم وكتائب حلوان والمقاومة الشعبية وغيرها، للتغطية على ممارسات الجماعة الإرهابية".

يوضح حسام الحداد في تصريح لموقع "حفريات":"وهذا ما حدث في اعتصامي النهضة ورابعة، حاولت الجماعة تصوير اعتصام رابعة بأنه اعتصام سلمي وكثفت التواجد الاعلامي فيه لشغل الاعلام والرأي العام بهذا الاعتصام عن اعتصام النهضة الذي كان مصنعاً للأجنحة المسلحة التي تحدثنا عنها، وكانت تخرج بعض المجموعات من هذا الاعتصام لتنفيذ بعض الأعمال الارهابية وتعود مرة أخرى إلى الاعتصام، دون أن يلاحظها الاعلام لانشغاله باعتصام رابعة حتى حققت الجماعة مرادها من تحويل اعتصام رابعة في الإعلام الغربي إلى "هولوكوست" أو كربلائية جديدة بما يخالف الحقيقة تماماً وهذا ما ثبت فيما بعد".

حاولت جماعة الإخوان تصوير اعتصام رابعة بأنه اعتصام سلمي وكثفت التواجد الاعلامي فيه لشغل الاعلام والرأي العام عن اعتصام النهضة الذي كان مصنعاً للأجنحة المسلحة

يضيف حسام الحداد: "أهم مميزات "رابعة" عن النهضة أنّ ميدان رابعة من أكثر المناطق الحيوية وأحد الأحياء المعروفة على مستوى محافظة القاهرة، خاصة أنه مفتوح على أربعة شوارع رئيسية، وكان في اعتقادهم أنه يسهل عملية الوصول إلى الاعتصام من جانب التيارات المناصرة لهم، بالإضافة إلى سهولة وصول الأسلحة والأدوات التى كانوا يستعينون بها في اعتصامهم غير السلمي. كما أنهم اعتبروه من أكثر الأماكن التى يمكن من خلالها لفت النظر إلى الرسائل الإعلامية التى كانوا يقومون ببثها".

يشرح حسام الحداد: "منطقة رابعة تربط شرق القاهرة بغربها، وبها الكثير من المرافق الحيوية، بالإضافة إلى أنه طريق رئيسي للانتقال من مطار القاهرة إلى وسط العاصمة، فكان الغرض الأساسي هو شل الحركة في هذه المنطقة، وبالتالي سيكون لها تأثير أيضاً على بقية الشوارع والميادين".

دور السلفية الجهادية في النهضة

تقرير لجنة تقصي الحقائق حول أحداث فض اعتصام رابعة العدوية المقدم من المجلس القومي لحقوق الإنسان المصري لفت إلى تسجيل حالات تعذيب أفضت إلى الموت نفذها المشاركون في اعتصام النهضة، حيث ورد إلى مصلحة الطب الشرعي المصري في تواريخ متفرقة سابقة على تاريخ فض الاعتصام عدد من الجثامين وصل إلى عدد 6 حالات بمحيط اعتصام رابعة العدوية وحالتين بحديقة الأورمان داخل اعتصام النهضة وثلاث حالات عثر عليها بمقلب قمامة في منطقة العمرانية القريبة من ميدان النهضة ليكون إجمالي حالات القتل 11 حالة تعزى وفاة جميعها إلى تعرض الضحايا إلى تعذيب شديد أودى بحياتهم بحسب تقرير الطب الشرعي.

عبد المعطي رجب، المنشق مؤخراً عن جماعة الإخوان عاصر تلك الفترة عضواً في التنظيم ومشاركاً في الاعتصام مؤمناً بشعارات الجماعة في حينه، يوضح سر التركيز على اعتصام رابعة بأنّ اعتصام النهضة يغلب عليه تواجد أنصار الشيخ السلفي حازم صلاح أبو اسماعيل إلى جانب أنصار الجماعات الإسلامية الأخرى من غير جماعة الإخوان المسلمين.

يقول عبد المعطي رجب لـ "حفريات": "حازم أبو اسماعيل كان يميل للتمايز عن الإخوان في بعض السلوكيات، مثل محاصرته للمحكمة الدستورية العليا وأيضاً مدينة الإنتاج الإعلامي؛ أراد أبو إسماعيل أن يكرس لدى الناس أنه يسبق الجميع بخطوة دائماً للأمام".

عبد المعطي رجب (إلى يسار الصورة)

يضيف عبد المعطي رجب: "عندما اختار الإخوان ميدان رابعة أخذ حازم صلاح أبو إسماعيل قراراً بتوسعه الاعتصام في مكان آخر واختار ميدان "نهضة مصر"، علماً بأنّ التنظيم بدأ بتوسعة الاعتصامات في وقت لاحق بتوجيه من مكتب الإرشاد للتقليل من قوة الأمن في المواجهة بمنطق الاشتباك والإنهاك والإرباك، المنهج الذي تم التكريس له على الورق فيما بعد مع بدء عمل اللجان النوعية للجماعة عام 2014".

الإخواني السابق عبد المعطي رجب لـ"حفريات": عندما اختار الإخوان ميدان رابعة أخذ حازم أبو إسماعيل قراراً بتوسعه الاعتصام في مكان آخر واختار ميدان نهضة مصر

يستكمل عبد المعطي رجب: "أيضاً النهضة قريب من منطقة الجيزة وهي بؤرة تجمع مهمة للجماعات سواء الإخوان أو الجماعة الإسلامية أو الجهاد ورغم أنّ معظم أتباع أبو اسماعيل من السلفية الجهادية أو الحركيين أياً كانت التسمية، فإنّ جماعة الإخوان لم تعترض لأنها كانت في حاجة لكل دعم، لدرجة أنّ الرايات السوداء شعار تنظيم القاعدة تواجدت في ميدان رابعة العدوية ولم يتحفظ عليها أحد".

يرى عبد المعطي رجب أن من أسباب التركيز على اعتصام رابعة مسألة الحجم: "هو الاعتصام الأكبر والأوسع، ثانياً هو اعتصام الإخوان وليس اعتصام مؤيديهم وهي طبيعة الإخوان أن يكونوا في الصورة دائماً، إلى جانب أنّ عدد المعتصمين أكبر في رابعة".

من يحمل عبء المواجهة المسلحة؟

من جانبه، يشير الباحث في الشأن السياسي أحمد الشوربجي إلى أنّ جماعة الإخوان المسلمين لم تنس عواقب المواجهة المسلحة مع الدولة المصرية في حياة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، لافتاً إلى أنّ الجماعة حوسبت وحدها على أخطاء النظام الخاص – الجناح العسكري للتنظيم -  وقتها، وهي المسألة التي تنبهت لها الجماعة في تأسيسها الثاني في السبعينيات من القرن الماضي عندما تركت تنظيمي الجهاد والجماعة الإسلامية في المواجهة ليحملا أعباء العمل المسلح وحدهم.

أحمد الشوربجي: جماعة الإخوان المسلمين لم تنس عواقب المواجهة المسلحة مع الدولة المصرية في حياة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر

يوضح أحمد الشوربجي في تصريح لـ "حفريات": "نفس الفكرة في اعتصام النهضة، عندما قدمت الجماعة اعتصاماً يبدو في  شكله السياسي اعتصاماً سلمياً يبحث عن الشرعية في رابعة العدوية، بينما الاعتصام الذي شمل عناصر النظام الخاص وما سوف يحمله من كلفة كبيرة كان في اعتصام ميدان النهضة".

يستدرك الشوربجي: "ذلك لا ينفي الترتيب للمواجهة المسلحة في اعتصام رابعة إنما المواجهة الحقيقية والتسليح الكامل كان في اعتصام النهضة، بالتالي تتعامل الجماعة بمنطق أنها غير مسؤولة عن التنظيم الخاص الذي يعتصم تحت لافتات التيار السلفي التكفيري والقطبي غير المحسوب ظاهرياً على جماعة الإخوان".

يستكمل أحمد الشوربجي: "القيادات التي تعتلي منصة النهضة غير معروفة بالانتماء للإخوان وغير محسوبة على صفوف الجماعة بداية من السلفيين المشهورين، مروراً بأعضاء التنظيم القطبي فأي عنف سيحدث يحاسب عليه تنظيم آخر غير تنظيم الإخوان حتى لو اشترك فيه الإخوان".

يشير أحمد الشوربجي إلى أنّ تلك المسألة قد تفسر حالة الصدام التي حدثت بين شباب التنظيم وقيادات الإخوان في اعتصام رابعة بعد أن أوحى لهم قادة الجماعة بتهيئة المكان للمواجهة المسلحة الشاملة مع الدولة، وفي ساعة الجد لم تحدث المواجهة بالشكل الكامل المتفق عليه حتى يقدموا للعالم صورة أنّ الجماعة هي من تم الاعتداء عليها".

يوضح أحمد الشوربجي: "فقط أطلق الإخوان الشرارة الأولى بعد اسقاطهم لأول شهيد في صفوف الشرطة المصرية حتى تظل النتائج أمام العالم أنهم الضحايا المجني عليهم وليس الجناة، إلى جانب لو حدثت خسائر لا يحملها التنظيم وحده". لافتاً إلى أنّ تنظيم النهضة تواجد فيه عناصر جهادية صريحة إلى جانب عناصر الجماعة الإسلامية إلى جانب عناصر تنظيم القاعدة وبعض العناصر التي تسللت من سيناء وتوجهت إلى اعتصام النهضة، بالتنسيق مع القيادي الإخواني خيرت الشاطر.

مواضيع ذات صلة:

كيف كان أئمة الإخوان يصنعون الإرهابيين في مساجد تونس؟

حركة الإخوان المسلمين في إندونيسيا.. تاريخها وواقعها السياسي والاجتماعي

أين ذهب الإخوان بتبرعات المسلمين؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية