الجريمة المركبة: أصول التجويع العنصري في اليمن

الجريمة المركبة: أصول التجويع العنصري في اليمن

الجريمة المركبة: أصول التجويع العنصري في اليمن


28/03/2023

يتناول كتاب "الجريمة المُركبة - أصول التجويع العنصري في اليمن" للباحث والصحفي اليمني، همدان ناصر العليّي، استخدام الدولة الإمامية الزيدية لسياسة التجويع كأداة لفرض السيطرة على القبائل والسكان في اليمن الشمالي، منذ تأسيس أول حكم زيدي على يد الإمام يحيى الرسي (الهادي)، بين العامين (284 - 298) من التاريخ الهجري، الموافق مع بداية العام 897 من التاريخ الميلادي.

ومن خلال البحث في المؤلفات الزيدية يضع العليّي، في كتابه الصادر أخيراً في القاهرة، يده على الأصول العقدية لسياسات التجويع وبث الفرقة والحرب الدعائية التي عن طريقها وصلت سلالة الإمام الهادي إلى السلطة في اليمن الشمالي على مدار قرون.

كانت آخر إمامة زيدية تشكلت عقب انسحاب العثمانيين من اليمن الشمالي - لم تحدث الوحدة تاريخياً حتى العام 1990 - إبان الحرب العالمية الأولى (1918 - 1962) والتي أطاحت بها ثورة 26 سبتمبر، بدعم من مصر، التي أسست جمهورية اليمن الشمالي. عاد الحكم الإمامي المعروف بالحكم السلالي إلى اليمن بعد سيطرة ميليشيات جماعة أنصار الله (الحوثيين) على صنعاء في انقلاب العام 2014.

اليوم تسيطر جماعة الحوثيين على معظم مساحة اليمن الشمالي، عدا أجزاء واسعة من محافظة مأرب، ومديريات في تعز، والمنطقة المعروفة بالساحل الغربي. في اليمن الجنوبي لا تسيطر الجماعة سوى على مناطق محدودة من محافظة الضالع.

الفكر السلالي

تنتمي الدول الإمامية في اليمن الشمالي على مدار تاريخها، منذ الإمام الهادي إلى المذهب الشيعي الزيدي. لا يختلف المذهب بشكلٍ كبير عن مذاهب أهل السنّة في الفقه، ويختلف في مسألة الإمامة. يرى الزيديون أنّ الإمامة حقّ لأي من ينتسب لسلالة علي بن أبي طالب، من نسل الحسن والحسين (البطنيين). وهي حقّ لكل من دعا إلى نفسه، وتمكن من فرض إمامته، وإن قالت بعض فرقهم لا يصح ذلك في وجود إمام.

غلاف الكتاب

يشير الباحثون في الفكر الزيدي إلى أنّه فكر في جوهره سياسي، يتعلق بمسائل الإمامة والسلطة. تأثر المذهب الزيدي بالفكر المعتزلي. وتحت العنوان الكبير "الزيدية" وُجدت فرق عدّة، اختلفت حول مسائل الحكم والسياسية.

في اليمن تميزت السلالة الزيدية التي سيطرت لقرون على معظم مناطق شمال اليمن بعدد من الخصائص. كانت غريبة عن البلاد، حيث استعانت بمقاتلين من بلاد فارس لتوطيد حكمهم ودخول صنعاء. ولأنّ الحكم الزيدي قام على فكرة السلالة، عمل كثير من مفكّري ومنظّري الزيدية على تمييز سلالتهم ورفع نسبها عن بقية مكونات الشعب اليمني الأصيل.

تبعاً لذلك، تم الإعلاء من شأن السلالة الهاشمية، وفي القلب منهم المنتسبون إلى نسل الحسن والحسين.

يوظف الحوثيون التجويع من أجل الإبادة الثقافية لأفكار وعقائد الأغلبية، وصبغ المجتمع بالمعتقدات والرؤية الحوثية، التي تجمع بين الفكر الإمامي السلالي واعتناق أهداف الثورة الإيرانية

يستعرض الباحث همدان العليّي في كتابه، كيف أدت تلك الرؤية التمييزية على أساس العرق إلى نظام عنصري ساد في البلاد.

ومظهر آخر من مظاهر الحكم السلالي، أنّ ذلك الحكم كونه غريباً على بلاد اليمن، اعتمد على القوة العسكرية وسياسات تفرقة وضرب القبائل بعضها ببعض لإحكام سيطرته على البلاد، دون تأسيس نظام حكم مستند إلى الواقع الاجتماعي.

يقول العليّي، بأنّ السلالة عملت على القضاء على أي فكر وشخصيات تشكك في أحقيتها في الحكم، ومن ذلك فرقة المطرفية التي تنتمي إلى الزيدية، والتي أجازت الحكم لأي مسلم.

كتب العليّي "فرضت هذه السلالة أنماطاً ومفاهيم حياتية مختلفة على المستوى الثقافي والاجتماعي، هدفها ترسيخ أفضليتها، ووجوب التقرب إليها بالعطاء والبذل، فحب السلالة جزء من العبادة، وولايتهم ركن من أركان الإسلام، ومخالفتهم كفر".

سياسة التجويع الحوثية

في الفصل الأول من الكتاب تحدث الكاتب عن تأصيل سياسة التجويع لدى الدولة الإمامية في اليمن. انتقل الكاتب إلى الفترة الحوثية، التي بدأت بالدعوة في صعدة، متأثرة بالثورة الإيرانية عام 1979. وفي موضوع الكتاب وهو سياسة التجويع، تحدث الكاتب عن أهداف التجويع الذي يمارسه الحوثيون ضد السكان في مناطق سيطرتهم.

تلك الأهداف تتمثل في عسكرة اليمنيين لحماية مكتسباتهم، وتجلى ذلك في ربط دفع الرواتب والأجور وتوزيع الدعم الغذائي الدولي على من يقاتلون في صفوف الميليشيا ومن ينتسبون إلى دورات إعادة التأهيل التي تستهدف تحويل المجتمع إلى الفكر الإمامي بنسخته الحوثية.

همدان العليّي: السلالة عملت على القضاء على أي فكر وشخصيات تشكك في أحقيتها في الحكم

والهدف الثاني سياسي، عبر تثبيت السيطرة وإفشال جهود استعادة اليمن. تم استخدام التجويع كسياسة بشكل مزدوج هنا، عبر رفع ورقة الأزمة الإنسانية التي تعتبر الأشد منذ عقود في العالم، ما مكنهم من وقف هجوم القوات المشتركة على مدينة الحديدة. كانت القوات المشتركة أقرب إلى تحرير المدينة، لولا التدخل الدولي بعد حملة إعلامية وسياسية واسعة باسم الوضع الإنساني. فضلاً عن استخدام الجماعة لسياسة التجويع تاريخياً لإجبار السكان والقبائل على الولاء لهم.

الهدف الثاني اقتصادي، من خلال تركيز الأموال والأعمال في العرقية المقدسة. يتحقق ذلك من خلال استبدال كبار الموظفين في الحكومة بمن ينتمون إلى السلالة الهاشمية في اليمن، والسطو على الأموال والأعمال العامة والخاصة من الذين فروا بحياتهم، فضلاً عن نهب الإيرادات العامة للدولة، وفرض الإتاوات بطرق عدة باسم دعم المجهود الحربي.

مؤلف الكتاب همدان العليّي لـ"حفريات": استغرق الكتاب 5 أعوام، وتضمن مئات الشهادات التي توثق جرائم الحوثيين من خلال ما نشرته مختلف وسائل الإعلام العربية والدولية

 كل ما سبق جعل الجماعة والسلالة الهاشمية من التابعين لهم يحققون مكاسب كبيرة، تعينهم على الحفاظ على نفوذهم الكبير في البلاد، حتى لو تم التوصل إلى تسوية سياسية شاملة.

والهدف الثالث ذو بعد طائفي، وفيه يتم توظيف التجويع من أجل الإبادة الثقافية لأفكار وعقائد الأغلبية، وصبغ المجتمع بالمعتقدات والرؤية الحوثية، التي تجمع بين الفكر الإمامي السلالي واعتناق أهداف الثورة الإيرانية، بما لذلك من أبعاد اجتماعية وثقافية. من ذلك ربط تقديم الدعم الإغاثي الدولي للأسر التي يحضر ربها وأفرادها دورات التأهيل الشرعية للحوثيين. وكذلك يتم استخدام توزيع السلال الغذائية من أجل حشد اليمنيين من سائر المحافظات للمشاركة في الفعاليات الحوثية، والتي تنقل صورة للعالم بأنّ الحكم الحوثي يلقى شعبية كبيرة في البلاد، وقد تناول الباحث همدان العليّي ذلك الموضوع في عنوان فرعي باسم "الحشود المقهورة".

أساليب التجويع

في الفصل الثاني من الكتاب، يتناول المؤلف أساليب التجويع التي يمارسها الحوثيون بحقّ السكان في مناطق سيطرتهم.

منها: جمع الإيرادات وجباية الإتاوات، سرقة المرتبات، الرغيف مقابل التخلي عن المعتقدات، نهب الاحتياطي وتدهور العملة الوطنية، رفع رسوم الزكاة والضرائب، جبايات الخمس العنصرية، وغير ذلك.

يعدد المؤلف عشرات الأساليب التي تستخدمها جماعة الحوثيين بهدف تركيز الثروات في أيديهم، وتوظيفها لتحقيق الأهداف العسكرية والسياسية والطائفية.

وفي الفصل الثالث يبحث المؤلف جرائم النزوح السكاني التي تسبب فيها الحوثيون، والمعاناة التي يتعرض لها النازحون. وتحدث عن دفع الجماعة الآلاف من النخب اليمنية إلى الفرار بحياتها إلى خارج البلاد، بعد مئات من حوادث الاختطاف التي تعرض لها الباحثون والصحفيون. كما أشار إلى أنّ جريمة الخطف والإفراج بعد دفع فدية هي سياسة حوثية، واسماها "تجارة المختطفين". السياسة السابقة معروفة لدى الحركات المسلحة المتمردة، والتي تُصنف إرهابية، مثل تنظيمي القاعدة وداعش.

الأزمة اليمنية تُصنف أنها الأسوأ عالمياً

كما بحث الكاتب المعاناة التي تعيشها مناطق النزوح في اليمن، بسبب الممارسات الحوثية، من منع وصول المساعدات والإمدادات، سرقة المساعدات الإغاثية، إغلاق المنظمات المدنية الدولية، وتوظيف المساعدات مقابل التجنيد. وذكر الكاتب حالات تم توثيقها دولياً قام فيها الحوثيون بإتلاف مساعدات غذائية دولية لمنع توزيعها على المحتاجين.

ويختم المؤلف في الفصل الرابع بعنوان "تعطيل التنمية"، ويبحث فيه تراجع مؤشرات التنمية في اليمن بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء في العام 2014.

وفي حديث للكاتب لـ"حفريات"، ذكر أنّه استغرق في الكتاب 5 أعوام من العمل، جمع خلالها مئات الشهادات التي توثق جرائم الحوثيين من خلال ما نشرته مختلف وسائل الإعلام العربية والدولية، والشهادات التي حصل عليها من خلال عمله الميداني كمراسل لصحف دولية.

صدر الكتاب عن دار "الآفاق العربية"، في 624 صفحة، وهو حافل بالشهادات والوثائق الشاهدة على جرائم الحوثيين في حقّ الشعب اليمني.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية