الجزائر تبحث المرجعية الدينية لصد التيارات الوافدة المتطرفة

الجزائر تبحث المرجعية الدينية لصد التيارات الوافدة المتطرفة

الجزائر تبحث المرجعية الدينية لصد التيارات الوافدة المتطرفة


16/10/2023

ينظّم المجلس الإسلامي الأعلى في الجزائر، خلال شهر كانون الأول (ديسمبر) المقبل، ملتقى "الشيخ محمد العربي ابن التباني والمدرسة الأشعرية" لبحث إشكالية المرجعية الدينية بمنطقتي المغرب العربي وأفريقيا، في موعد يشهد مشاركة علماء بارزين وباحثين أكاديميين متخصّصين من أفريقيا وآسيا وأوروبا، فما السبيل لتعزيز الوحدة الدينية في المغرب العربي وأفريقيا؟

في تصريحات خاصة بـ (حفريات)، قال الباحث الجزائري محمد بغداد: "تشكّل الوحدة الدينية المحور المركزي في استقرار المجتمع والدافع القوي للانخراط في المستقبل، وهي العامل الحاسم الذي يحمي الأمّة من الأخطار الجسيمة التي تحملها بعض التيارات المتطرفة الوافدة على المشهد الاجتماعي الكلي، وهي تستهدف الأجيال الجديدة من خلال تدمير رؤيتها لتاريخها واحتقار ذاتها والتنكر لهويتها والاستهتار بمرتكزات وجودها".

ولفت بغداد إلى أنّ "المتتبع الحصيف يُدرك أنّ منطقة المغرب العربي والساحل الأفريقي شكّلت منذ قرون صمام الأمان وضمان أمن واستقرار للشعوب الأفريقية والشرق أوسطية عندما توفرت لها الآليات والوسائل الكفيلة للقيام بدور توفير التعايش والتعاون والاستقرار، واليوم تزداد المخاطر التي تحملها التيارات الوافدة المتطرفة والتي تهدد المنطقة، وهي المخاطر التي تنطلق من قاعدة الاستثمار في مشروع ضرب وتدمير المرجعية الوطنية المتوارثة، ممّا يحتم على المؤسسة الدينية القيام بواجبها في إعادة الاعتبار للمرجعية الوطنية عبر مشروع تكاملي تشارك فيه المؤسسات والهيئات القائمة وكل القوى الحية في المجتمع".

يعمل الملتقى على توفير مناخ للنقاش والحوار بين العلماء والخبراء والإعلاميين والباحثين في مختلف المجالات العلمية لدراسة الواقع القائم وما يتميز به من تغيرات متسارعة وما تعرف به الأجيال الجديدة

وأبرز المتحدث أنّ ملتقى ابن التباني والمدرسة الأشعرية، في طبعته الرابعة (12 ـ 13 ـ 14 كانون الأول (ديسمبر) 2023)، ينطلق في تنفيذ مشروع تثبيت الوحدة الدينية في المغرب العربي وأفريقيا، انطلاقاً من المكانة التاريخية للجزائر ودورها في مساعدة المنطقة لامتلاك الأدوات والوسائل التي توفّر الأمن والاستقرار من خلال المواجهة الفاعلة للتيارات الوافدة المتطرفة، وعبر إعادة الاعتبار للمرجعية الوطنية التي تقوم على (3): وضوح الرؤية الإيديولوجية، وتفاعل المنظومة الحقوقية، وصفاء السلوكات الأخلاقية.

تجنب مآسي التطرف

أفاد بغداد أنّ الاتجاه الذي يعمل عليه الملتقى يتمثل في توفير مناخ للنقاش والحوار بين العلماء والخبراء والإعلاميين والباحثين في مختلف المجالات العلمية لدراسة الواقع القائم وما يتميز به من تغيرات متسارعة وما تعرف به الأجيال الجديدة، على أن تكون الخلاصة وضع خارطة طريق لحماية المجتمع من التيارات المتطرفة الوافدة على المشهد، والتي تستهدف زعزعة الاستقرار ونشر الفوضى في المجتمع عبر المساس بالركائز الفكرية والثوابت القائمة للأمّة، وهي بالضرورة ترغب في إنتاج أجيال جديدة تحمل سلوكات وتصرفات تدمّر القائم من الأوضاع وتخرّب النسيج الاجتماعي.

هيثم رباني

وشدّد بغداد على أنّ خارطة الطريق المتطلع إليها تعمل على تجنب المآسي التي خلّفتها مواقف وسلوكات التيارات الوافدة المتطرفة، وتجنيب الأمّة المزيد من الصدامات، وتوفير مناخ تعايش للأجيال الجديدة من خلال تفعيل مرجعيتها الوطنية التي ضمنت للأمّة الأمن والسلام والاستقرار عبر الحقبات التاريخية الطويلة.

وبشأن تفاعلات القادم، ركّز بغداد على أنّ المأمول مستقبلاً هو تجسيد نتائج الملتقى وتفعيلها على أرض الواقع، عبر إشراك مؤسسات المجتمع الرسمية والأهلية، في تعاون كلي يسعى لإعادة الاعتبار للمرجعية الوطنية وتمكينها من الوسائل والإمكانيات القادرة على إقناع الأجيال الجديدة، والشعور بالأخطار الكبرى التي تمثّلها التيارات الوافدة المتطرفة.

باحث جزائري: خارطة الطريق المتطلع إليها تعمل على تجنب المآسي التي خلّفتها مواقف وسلوكات التيارات الوافدة المتطرفة، وتجنيب الأمّة المزيد من الصدامات، وتوفير مناخ تعايش للأجيال الجديدة من خلال تفعيل مرجعيتها الوطنية التي ضمنت للأمّة الأمن والسلام والاستقرار عبر الحقبات التاريخية الطويلة

ويضيف الباحث الجزائري: "المُعوّل عليه في مشروع إعادة الاعتبار للمرجعية الوطنية، المساهمة الفاعلة المنتظرة من المؤسسات الإعلامية على وجه التحديد، عبر الانتباه إلى الأهمية الكبرى التي تمثلها صناعة المحتوى الاتصالي التي تحسم في النهاية التوجهات السلوكية للمجتمع، وهو ما يجعلنا نعمل على إشراك صُنّاع المحتوى والإعلاميين في كل مشاريع عمل المجلس الإسلامي الأعلى".

ويحيل الأكاديمي الجزائري البارز إلى شروع المجلس الإسلامي الأعلى في العمل على مشروع إعادة الاعتبار للمرجعية الوطنية من خلال المؤتمر الدولي "السلوك الحضاري"، والتطلع إلى إعادة بعث المؤتمر الدولي للمذهب المالكي، حتى يتمّ استكمال خارطة الطريق التي يشارك فيها فواعل المجتمع، وتعمل على حمايته من الأخطار المحدقة والتطلع إلى مستقبل يسوده الأمن والتعايش السلمي الآمن.

الأخذ بمقاربة ولد الددو الموريتاني

يقترح الخبير السياسي هيثم رباني الأخذ بمقاربة الشيخ محمد الحسن ولد الددو الموريتاني، اعتباراً لتوحيده بين مدارس العقائد الإسلامية الأشعرية، الماتريدية، وما يُسمّى أهل الحديث والسلفية، الذين يختلفون حول مسألة صفات الله، عزّ وجلّ، ويبدّع بعضهم بعضاً أحياناً.

ويُحيل رباني إلى طرح الشيخ ولد الددو: "نحن نلتقي في وحدانية الله، وفي نبوة محمّد، صلى الله عليه وسلّم، وباقي الأنبياء، وفي الإيمان بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر وسائر الكليات".   

محمد بغداد  

بالتالي، يشير رباني إلى "الخلافات الأخرى" مثل صفات الله، عزّ وجلّ، التي تقوم عليها حروب طاحنة بين الجهات المختلفة، مقدّراً وجود "أخطاء لأهل الحديث كما الأشاعرة والماتريدية وغيرهم، وعليه وجب أن نلتقي ونتناقش بجدية حتى لا نتخاصم ونتقاتل في ما لا معنى له، لذا نعمل في ما نتفق عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه".

دحمان: جوهر مسألة الاختلاف في الإسلام مبني على التنوع والتعدد والتكامل، لا الخلاف والتنافر والتخاصم، وهي قناعة ستعزّز معاقل العلم وتجعلها قلاعاً تدافع عن الأمّة، وتحمي دينها ولغتها ووحدتها

من جانبه، يتصور الأكاديمي الجزائري المغترب حاج دحمان ضرورة النهل من تجارب المدارس القرآنية في الجزائر، لتعزيز الوحدة الدينية مغاربياً وأفريقياً، تبعاً لما نهضت به تلك المدارس على مدار قرون، من أدوار حاسمة في تعزيز دعامات وقيم الهوية، ومنحها قوة للجزائريين وجيرانهم أمام موجة "الفَرْنَسَة"، ومكائد مَسْح الشخصية المسلمة، وصدّها مؤامرات المسخ والتدجين، بتوجيه أجيال كاملة من العلماء الكبار على غرار ابن زاغو، ابن العباس، السنوسي، ابن زكري، المغيلي، المازوني، الونشريسي، الحوضي، التنسي، أبو يعقوب الوارجلاني، عبد الحميد بن باديس... وغيرهم.

ويؤكد البروفيسور دحمان: "ما كان يُنتج في المدارس القرآنية جعلها تتجاوز زمنها، حيث كانت جامعات على طريقة المتقدمين، واحتضنت مجالس مختلف العلوم، وكانت تُدرّس فيها أمهات الكتب والدواوين، بداية من القرآن والحديث وعلومهما، إلى العقائد وأصول الدين، والفقه وأصوله، واللغة وعلومها، والتصوف، والمنطق، والفلسفة، والأمر شمل زوايا وكتاتيب وجوامع الجزائر، وجامع القرويين بفاس، وجامع الزيتونة بتونس، وجامع الأزهر بالقاهرة.

توطيد دعائم المرجعيات الدينية

يبدي دحمان تفاؤلاً بتفعيل الملتقى المقبل لتوطيد دعائم المرجعيات الدينية وتكريس فكر معتدل متوازن بعيداً عن محاذير الانحرافات، وهو ما يُعدّ صمام الأمان والموجّه الحقيقي، بعيداً عن التيارات الدخيلة على المجتمع الجزائري والنسيج المغاربي والشعوب الأفريقية، على منوال ما تميّزت به المدارس القرآنية ومنابعها النقية التي ألهمت روح الوحدة والانتماء والتوادّ والرصانة التي قطعت الطريق على رياح التفرقة والدسائس، وبعيداً عن التشدّد والتغريب وإقصاء الرأي.

وينتهي دحمان إلى أنّه "رغم اختلاف الطرائق، سيسهم الزخم في ترقية المكانة العلمية والروحية، خصوصاً مع وعي النُخب بأنّ جوهر مسألة الاختلاف في الإسلام مبني على التنوع والتعدد والتكامل، لا الخلاف والتنافر والتخاصم، وهي قناعة ستعزّز معاقل العلم وتجعلها قلاعاً تدافع عن الأمّة، وتحمي دينها ولغتها ووحدتها.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية