الجزائر: ماذا يقصد الإخوان بالدعوة إلى "تحرير الفقه السياسي"؟

الجزائر: ماذا يقصد الإخوان بالدعوة إلى "تحرير الفقه السياسي"؟

الجزائر: ماذا يقصد الإخوان بالدعوة إلى "تحرير الفقه السياسي"؟


12/06/2023

دعا أهمّ ذراع إخواني في الجزائر إلى تحرير "الفقه السياسي" من "الثقافة التراثية" و"القراءات الحداثية المعاصرة"، فما المقصود من وراء هذه الدعوة؟  

 في مقاله الموسوم "إشكالية الرؤية الفقهية للعمل السياسي"، شدّد ناصر حمدادوش الرجل الثاني في حركة مجتمع السلم (أكبر واجهة محلية للإخوان) على وجوب "الممايزة" بين "الفقه السياسي" و"الفكر السياسي"، قبل الحديث عن أيّ إشكالية في الرؤية الفقهية للعمل السياسي.

وأحصى النائب السابق في البرلمان الجزائري (3) فروق بين الفقه السياسي والفكر السياسي، كالآتي:

1ـ المرجعية: الفقه السياسي يستمدُّ مرجعيته من الوحي (النّص المحدَّد)، وذلك باستنباط الأحكام الشرعية العملية المتعلقة بالسياسة من أدلتها التفصيلية، بينما يستمد الفكر السياسي مرجعيته من الوحي ـ كإطارٍ عامٍّ ـ ومن غيره (مصادر متعددة)، وأنّ موضوعه الأساس هو التفاعل مع الواقع بتحليله وتوصيفه وإيجاد الحلول له، فهو يستقرئ الوحي وسنن التاريخ وفقه الواقع وما يتوصّل إليه العقل الإنساني.

 2ـ المنهجية: الفقه والفكر كلاهما يتعامل مع النّص والواقع، إلّا أنَ منهجية التعامل تختلف بينهما، إذ يتّجه الفقه إلى تحليل النص وفهم الواقع من أجل الوصول إلى الحكم الشرعي المنضبط بوساطة منهج الاستنباط، بينما يتّجه الفكر عبر منهج الاستقراء إلى توصيف الواقع وتقديم الأفكار العلاجية له، ولا يترتّب على ذلك ـبالضّرورةـ أيُّ حكم تكليفي إلزامي.

 3ـ التعامل: الإنتاج الفقهي يتّجه غالباً إلى الأحكام الجزئية والتعاطي مع شؤون الفرد، بينما يتّجه الإنتاج الفكري غالباً إلى القضايا الكليّة، التي تُعْنَى بالجماعة والمجتمع والدولة والأمّة والإنسانية.

الخروج من دائرة "الحلال والحرام" و"الحقّ والباطل"

يعتقد نائب عبد العالي حساني شريف، بوجوب "إخضاع قضايا الحكم والسياسة إلى رحابة الفكر السياسي الإسلامي، أكثر من اعتمادها على ضيق الفقه السياسي الإسلامي"، وقدّر حمدادوش أنّ "العمل السياسي لا ينحصر في دائرة "الحلال والحرام" أو "الحقّ والباطل"، بل ينتمي إلى دائرة "الخطأ والصواب"، والتي لا يُحرم صاحبها من الأجر على كلّ حال"، متكئاً على حديث الرسول ـ صلى الله عليه وسلّم ـ عن "الاجتهاد السياسي": "إنّ الحاكم إذا اجتهد وأصاب، فله أجران، وإذا اجتهد وأخطأ، فله أجرٌ واحد".

شدّد حمدادوش على وجوب "الممايزة" بين "الفقه السياسي" و"الفكر السياسي" قبل الحديث عن أيّ إشكالية في الرؤية الفقهية للعمل السياسي

 وأشار حمدادوش إلى أنّ الاجتهاد في الفكر السياسي الإسلامي يقوم على علاقة ثلاثية الأبعاد بين النص والعقل والواقع، فالعلاقة بين العقل والنص تقوم على منهج الاستنباط للأحكام الفقهية من أدلتها التفصيلية، والعلاقة بين العقل والواقع تقوم على منهج الاستقراء لرصد الظواهر الإنسانية عبر فقه الواقع، والعلاقة بين النص والواقع تقوم على منهج التكييف والمواءمة بين واقع الإنسان والنص الموجِّه له عبر فقه التنزيل.

 وعليه، رافع الوجه الإخواني لـ "التعاطي مع الشأن السياسي يقوم على الاجتهاد التقديري المقاصدي، وليس على الحِدِّية النّصية القطعية"، مؤكداً أنّ من أخطاء الحركة الإسلامية المعاصرة "سيطرة الرؤية الفقهية والقانونية على العمل السياسي، ومقاربة الفكر السياسي من الزوايا الفقهية، ممّا يفقده الحيوية والمرونة التي تتطلبها السياسة".

 

انتهى حمدادوش إلى إبراز قناعته بأنّ "الحركة الإسلامية المعاصرة بحاجة إلى التعاطي مع الشأن السياسي بالفكر لا بمجرد الفقه السياسي"، في محاولة لتجاوز ما تجرّعه إسلاميو الجزائر من خيبات في العقود الـ3 الأخيرة، وتكرّس أطروحة السقوط الحرّ للإسلام السياسي في الجزائر

 وتابع: "للتدقيق العلمي في تحديد منطقة التفكير السياسي الإسلامي، والتمييز بين أنواع الاستدلال النّصي فيها، بين الدوائر الـ (3)، وهي: القطعيات والظّنيات ومنطقة العفو المسكوت عنها، دورٌ في حلّ إشكاليات خطيرة كانت تعاني منها الحركة الإسلامية، أخرجتها من المنهج التغييري الصدامي العدمي إلى المنهج التغييري السّلمي التشاركي، وهو ما يَنفي الإطلاقية والمثالية في الفكر السياسي الإسلامي، ويُخضِعه إلى منطق النسبية والواقعية".

 نتائج صادمة حول الانتقائية والعشوائية

في كتابه "في مصادر التراث السياسي الإسلامي... دراسةٌ في إشكالية التعميم قبل الاستقراء والتأصيل"، ذكر الدكتور "نصر محمد عارف" أنّه توصَّل إلى (307) مصادر في علم السياسة الشرعية، وبعد أن اطلع على (74) كتاباً معاصراً تناول الفكر السياسي الإسلامي، حصل على نتائج صادمة حول الانتقائية والعشوائية في التعامل معها، ممّا يبعدها عن حدود المصداقية، ويُخلُّ بأهمّ قواعد المنهج العلمي القاضية بوجوب الاستقراء قبل التعميم، فأكثر من 80% ممّن كَتَبوا عن الفكر السياسي الإسلامي، لم يوظّفوا سوى 3.5% فقط من تلك المصادر.

 وتمَّ الرجوع في الغالب إلى كتاب "الأحكام السلطانية" للماوردي بنسبة 74%، و"مقدمة ابن خلدون" بنسبة 60%، وكتاب "الخَرَاج" لأبي يوسف بنسبة 43%، وكتاب "الأحكام السلطانية" لأبي يعلى بنسبة 37%، وكتاب "الطرق الحكمية" لابن القيم بنسبة 35%، بل إنه تمَّ التعامل بانتقائية مع المصادر المختلفة للمؤلِّف الواحد، فهذا "الماوردي" لم يرُكّز إلا على كتابه "الأحكام السُّلطانية" دون بقية كتبه، والتي تُعدُّ أكثر أهمية من منظور الفكر السياسي، وليس الفقه السياسي فقط.

 وفي مقاربته لما يكتنف "الفقه السياسي" و"الإيديولوجيا السياسية"، نادى حمدادوش بضرورة التمييز بين "الفقه السياسي" المستمد من النصوص الشرعية، مثل: القيم السياسية الإسلامية الثابتة، وبين "الإيديولوجيا السياسية"، وهي اجتهاد العقل في فهم وتفسير تلك النصوص التي تناولت مختلف القضايا السياسية، والتي يعتريها الظني والنسبي.

عبدالعالي حساني شريف، رئيس حركة مجتمع السلم (أكبر واجهة محلية للإخوان)

 وقال: إنّ ما تمّت كتابته في السياسة الشرعية والأحكام السلطانية مقيَّدٌ بزمن اجتهاديّ في مرحلة تاريخية معينة، بما يضفي عليها الظرفية والآنية والنسبية، أي أنّ "النص السياسي" خضع إلى تأويل تاريخيّ أثَّر على أصالة التنظير الفقهي له، بحسب ضغوط وإكراهات الظروف الزمانية والمكانية لكلّ مرحلة من حياة الأمّة.

 غلبة التاريخ على النص

يتشبّع قادة (السلم) بـ "غلبة تأريخية الفكر السياسي الإسلامي على حساب القيم السياسية وفق المرجعية النَّصية الأصلية (القرآن والسُّنة)، أي غلبة التاريخ على النص، بل وتأثُّر هذه التجربة التاريخية بثقافات سياسية وافدة، كالثقافة السياسية الفارسية".

 ويستندون إلى ما قاله عبد الرحمن بن أبي بكر لمعاوية عندما أراد البيعة لابنه يزيد: "ما هي إلا هرقلية، إنّما أردتم أن تجعلوها قيصرية، كلما مات قيصر كان قيصر...".

 وفي كتابه: "وجهة العالم الإسلامي"، لفت المفكّر الجزائري الراحل "مالك بن نبي" إلى أنّ: "كلّ محاولة لإعادة بناء حضارة الإسلام يجب أن تقوم أوّلاً وقبل كلّ شيء على أساس سيادة "الفقه الخالص" على "الواقع السائد"...، وهذا يقتضي رجوعاً إلى الإسلام الخالص، أعني تنقية النصوص القرآنية من غواشيها الكلامية والفقهية والفلسفية"، وهو ما ينطبق كذلك ـ بمنظوره ـ على الفهم الإيديولوجي للإسلاميين في العصر الحديث.

يتشبّع قادة (السلم) بـ "غلبة تأريخية الفكر السياسي الإسلامي على حساب القيم السياسية وفق المرجعية النَّصية الأصلية (القرآن والسُّنة)، أي غلبة التاريخ على النص، بل وتأثُّر هذه التجربة التاريخية بثقافات سياسية وافدة، كالثقافة السياسية الفارسية"

 وفي خوضه لما سمّاه "تدافع الفقه السياسي والواقع السياسي"، رأى حمدادوش وجود فرق بين "التنظير المبدئي" للفقه السياسي من الناحية الشرعية المجرَّدة، وبين "التنظير الواقعي" للممارسة السياسية بحسب الظروف الزمانية والمكانية بأبعادها التاريخية.

 ولاحظ أنّه من أخطر الأمثلة التاريخية على ذلك: الانتقال من "الخلافة الراشدة" وفق القيم السياسية الإسلامية، وبين الانحراف التاريخي في الشقّ الدستوري للخلافة الإسلامية، واستسلام العقل الفقهي للحكم الجبري والمُلك العضوض، والذي تنبَّأ به النصُّ النبوي الشريف: "الْخِلاَفَةُ فِي أُمَّتِي ثَلاَثُونَ سَنَةً، ثُمَّ مُلْكٌ بَعْدَ ذَلِكَ".

 التباعد مع الأفكار المرهقة

يعزو أهم فصيل إخواني في الجزائر محصلة الراهن إلى ما يصفونه "الانتقال المروِّع من تكييف "الفقه السياسي" تحت ضغط "الواقع السياسي" إلى التوظيف الفقهي لمسألة حكم المتغلِّب، والتشريع التبريري لحالات الفساد والاستبداد".

 كتاب "في مصادر التراث السياسي الإسلامي... دراسةٌ في إشكالية التعميم قبل الاستقراء والتأصيل"، للدكتور "نصر محمد عارف"

 ويتصور "ورثة نحناح" أنّ "هذا النَّوع من الفقه تعرّض إلى التأويل والتعسُّف بحسب خيارات الحاكم المتغلِّب قديماً، وأصبح فقهنا السياسي يتغذَّى من الأفكار المرهَقة، وأصبح عِبْئاً ثقيلاً على العقل الفقهي وليس مصدراً ملهماً له، ممّا أدّى إلى تضحية العقل الفقهي بالشرعية السياسية للحاكم من أجل وَحدة الأمّة الموهومة والأمن والاستقرار الموهوب".

 وانتهى حمدادوش إلى إبراز قناعته بأنّ "الحركة الإسلامية المعاصرة بحاجة إلى التعاطي مع الشأن السياسي بالفكر لا بمجرد الفقه السياسي"، في محاولة لتجاوز ما تجرّعه إسلاميو الجزائر من خيبات في العقود الـ (3) الأخيرة، وتكرّس أطروحة السقوط الحرّ للإسلام السياسي في الجزائر.

مواضيع ذات صلة:

مؤتمر حركة البناء الجزائرية ... لم يتغيّر أي شيء!

كيف دعمت إيران جبهة الإنقاذ الجزائرية؟

الجزائر: إجماع على رفض عودة فلول الإنقاذ.. ما الجديد؟

الصفحة الرئيسية