الجماعة في مواجهة الدولة.. ما سر هتاف "يا علاء يا محي الدين خدنا بتارك من الظالمين"؟

مصر

الجماعة في مواجهة الدولة.. ما سر هتاف "يا علاء يا محي الدين خدنا بتارك من الظالمين"؟


04/10/2018

هتافات صدح بها قادة الجناح العسكري للجماعة الإسلامية، وهم يصعدون سلم المحكمة، يعترفون من خلالها بأنهم قتلة رئيس مجلس الشعب المصري رفعت المحجوب، في تشرين الأول (أكتوبر) 1990. واحد من تلك الهتافات كان يحتاج إلى تفسير، عندما صدحوا قائلين: "ياعلاء يا محي الدين خدنا بتارك من الظالمين!".

أحداث متتابعة لا يفصل بينها سوى أيام، انتهت بنشوب أكبر صراع دموي بين الدولة المصرية وجماعات الإسلام السياسي، صراع استمر حتى عام 1997، ولم ينتهِ إلا بمراجعات قام بها قادة التيارات الدينية لوقف العنف، بعد ضربات متلاحقة من الدولة أفقدتهم قوتهم. كان حجر الزاوية في تلك الأحداث الدموية المتلاحقة، اغتيال علاء محي الدين عاشور، المتحدث الرسمي باسم الجماعة الإسلامية، والمسؤول الإعلامي للجماعة في أيلول (سبتمبر) 1990.

هتافات يعترفون من خلالها بأنهم قتلة رفعت المحجوب

فاق أقرانه وتميز بحسن الخلق

ولد علاء محي الدين في مركز ساقلتة، التابع لمحافظة سوهاج. ويقول عنه الموقع الإلكتروني للجماعة الإسلامية في المنيا: "نشأ الشيخ في بيئة محافظة، تقوم على الجدية وتحمل المسؤولية، فلا تعرف الميوعة والاتكالية، فخرج شيخنا رجلاً منذ نعومة أظفاره، يظهر عليه النبوغ والذكاء والتفوق، ففاق أقرانه، مع تميزه بحسن الخلق، وجميل الخصال".

اقرأ أيضاً: 5 اغتيالات دموية نفذتها جماعات الإسلام السياسي

ويشهد جميع أصدقاء محي الدين، من قادة الجناح المسلح للجماعة أنه كان يجنح للسلم، ويرفض العمل المسلح، بل تولدت لديه قناعة بأنّ العمل الحزبي والسياسي ربما كان الأصلح لتطبيق مشروع الدولة الإسلامية في مصر، بعيداً عن المواجهات الدموية، التي لا طاقة للجماعة بها؛ في مواجهة دولة ذات جيش وشرطة ومؤسسات أمنية، أكد ذلك ما جاء في كتاب "الجماعة الإسلامية المسلحة في مصر" للدكتورة سلوى محمد العوا، صفحة 132: "كان نشاطه محصوراً في القسم الإعلامي، بل إنه كان يعلن رفضه للتوجه العسكري في جلسات خاصة مع أصدقائه".

اغتيال محي الدين أوقف خط العمل السلمي

كان خطيباً مفوهاً

عبّر محي الدين عن قناعاته تلك في مقالاته المنشورة بجريدة "الشعب"، وفي خطبه التي كان يلقيها في مساجد عين شمس والمطرية، ولأنه كان خطيباً مفوهاً، كما يؤكد أصدقاؤه المقربون، فقد استمال العديدين إلى وجهة نظره في العمل العام، حتى استطاع أن يتوصل إلى عقد اتفاق مع عادل حسين، رئيس تحرير جريدة الشعب، لبحث تحالف بين حزب العمل والجماعة الإسلامية المصرية، حيث عرض عادل حسين على علاء محي الدين فتح باب الحزب للجماعة الإسلامية، وترشيح عدد من قياديها في انتخابات مجلس الشعب، التي كان يزمع إجراؤها في نهاية عام 1990، بعد حل مجلس الشعب؛ بناء على حكم من المحكمة الدستورية.

يشهد جميع أصدقاء محي الدين من قادة الجناح المسلح للجماعة أنه كان يجنح للسلم، ويرفض العمل المسلح

غير أنّ اغتيال محي الدين أوقف خط العمل السلمي، خصوصاً بعد أن أصدرت الجماعة الإسلامية بياناً تحت عنوان "ومضى عهد الكلام"، للرد على اغتيال محي الدين. وفي 12 تشرين الأول (أكتوبر) من العام نفسه كان اغتيال رفعت المحجوب، وهو اغتيال تم بالصدفة؛ لأنّ المقصود من الاستهداف كان وزير الداخلية المصري آنذاك عبد الحليم موسى، غير أنّ مرور موكب المحجوب غير خط سير العملية.

محي الدين ورفيقه صفوت عبد الغني كانا من الجيل الثاني للجماعة الإسلامية الذين عهدوا بالخروج بفكر الجماعة الإسلامية من صعيد مصر إلى العاصمة، فبدأوا بالتوغل في القاهرة وبعض قرى الدلتا، وتكونت نتيجة لذلك مناطق نفوذ للجماعة في مناطق عين شمس، والمطرية، وإمبابة، والعمرانية، تلك المناطق التي قاد أبناؤها عمليات اغتيال رفعت المحجوب ومحاولة اغتيال الروائي نجيب محفوظ، ومنها أيضاً حاول أحد أمرائها الاستقلال بمدينته وأعلنها جمهورية إسلامية، وهو الشيخ جابر ريان الذي أعلن حي إمبابة جمهورية تحكم بما أنزل الله.

خروج دعوة الجماعة الإسلامية من صعيد مصر لم يكن عملاً عشوائياً

خروج الدعوة من الصعيد

خروج دعوة الجماعة الإسلامية من صعيد مصر لم يكن عملاً عشوائياً قام به محي الدين ورفاقه، بل نتيجة لتدارك الرعيل الأول من الجماعة للأخطاء التي تسببت في فشل مخططهم بالانقلاب على السلطة الحاكمة في مصر، بعد أحداث أسيوط تشرين الأول (أكتوبر) 1981، التي حاولوا فيها الاستقلال بحكم الصعيد، ثم تكوين جيش للزحف ناحية العاصمة، ذلك الفشل كان من ضمن أسبابه، كما يرى قادة الجماعة، أنه كان يجب العمل على تمهيد دعم شعبي لمخطط الجماعة، لذلك أصبح لزاماً عليهم نشر الدعوة في مساحات جغرافية أكبر.

لم يُمنح الوقت لمحي الدين لتنفيذ مخططه السلمي الذي كان سيغير مسار عمل الجماعة الإسلامية في القاهرة

بيْد أنّ توغل الجماعة في العاصمة وبعض محافظات الدلتا المحيطة، والتمهيد للعمل الحزبي، تسبب في إدراك السلطة الحاكمة في مصر لمخاطر ذلك، فوجهت الأجهزة الأمنية تهديدات لمحي الدين وصفوت عبد الغني بالعودة إلى الصعيد وعدم الاستمرار لنشر الدعوة في مصر، أشار إلى ذلك عبد الغني في حواره مع سلوى محمد العوا، المنشور في كتاب "الجماعة الإسلامية المسلحة في مصر" صفحة 129:"بعد ما أتيت إلى القاهرة هناك أحد الضباط في لاضوغلي اسمه (م . س) استدعى واحد وقال له بالنسبة لصفوت وعلاء أتوا إلى القاهرة وعملوا انتشار كبير في الجامعات وفي الأحياء وفي المناطق مثل عين شمس وإمبابه وكده، فأنا فقط أريدك أن توصل لهم أني أريدهم أن يتركوا القاهرة إما سنتعرض لهم".

اقرأ أيضاً: دماء على الهواء.. اغتيالات أمام الكاميرات

لم تمنح الحياة فسحة من الوقت لعلاء محي الدين من أجل تنفيذ مخططه السلمي، الذي كان سيغير مسار عمل الجماعة الإسلامية في القاهرة، فقد اغتيل في 14  أيلول (سبتمبر) 1990 كما ذكر ماهر فرغلي الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، في كتابه "الخروج من بوابات الجحيم"، أو ظهر الأحد 2 آب (أغسطس) كما ذكرت مصادر أخرى. المؤكد أنه اغتيل في النصف الثاني من عام 1990 وهو في طريقه إلى منزله بشارع ترسا، في حي الطالبية بمحافظة الجيزة، بعد أن اعترضت طريقه سيارة هبط من فيها وأطلقوا عليه النار.

الاغتيال اللغز

اغتيال محي الدين لم تتأكد حتى اليوم الجهة التي نفذته، إلا أنّ ذلك الاغتيال لم يبطل فقط مخطط العمل السلمي الذي روج له محي الدين، ولكن أشعل نار الثأر في قلوب أقرانه، لذلك تم التخطيط في بضعة أسابيع لاغتيال وزير الداخلية وهو في طريقه لعمله، وأعد الخطة صفوت عبد الغني وممدوح علي يوسف أحد قادة الجناح العسكري بالجماعة، ولولا مرور موكب رئيس مجلس الشعب بالصدفة لتغيرت نتيجة العملية، غير أنّ الجماعة اعتبرت اغتياله ثأراً أيضاً، وهتفوا أمام المحكمة، بصوت جهوري: "ياعلاء يامحي الدين خدنا بتارك من الظالمين".

.اقرأ أيضاً: قصة يرويها الأسواني.. أحد المتهمين باغتيال السادات


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية