الحجاب… جدل لا ينتهي في فرنسا

الحجاب… جدل لا ينتهي في فرنسا


24/10/2019

ترجمة: محمد الدخاخني


إلى أيّ حدٍّ يمكن أن يُحدثَ غطاء الرّأس صدمة؟ في فرنسا، هذه الأيّام، الجواب هو "إلى حدٍّ كبير جدّاً". الأسبوع الماضي، أثناء رحلة مدرسيّة إلى المجلس الإقليميّ لبورغون-فرانش كومتيه، في "ديجون" بشرق فرنسا، صرخ مسؤول حكوميّ، في منتصف اجتماع للمجلس، في وجه امرأة ترتدي غطاءً للرّأس.

اقرأ أيضاً: "شرطة الأخلاق" تعود لفرض الحجاب الإلزامي على الإيرانيات
كانت المرأة تُرافق ابنها وزملاءه في الفصل في جولة مدينيّة عندما طلب منها مسؤول مُنتخَب عن حزب "الجبهة الوطنيّة" اليمينيّ المتطرّف، الّذي تتزعمه مارين لوبان، خلع غطاء الرّأس والامتثال "للمبادئ العلمانيّة" و"قانون الجمهوريّة". ومن جانبهم، غادر مسؤولو المجلس التّابعين "للجبهة الوطنيّة"، والبالغ عددهم 15، الجلسة احتجاجاً على الـ "voile" (وهو مصطلح فرنسيّ يعني الحجاب أو غطاء الرّأس). وقد انتشرت بشكل هائل صورة المرأة وهي تُعانق ابنها، الّذي كان يبكي من استهدافهما ومحاولة إلحاق العار بهما علانية.

أثناء رحلة مدرسيّة إلى المجلس الإقليميّ لبورغون-فرانش كومتيه بشرق فرنسا، صرخ مسؤول بوجه امرأة ترتدي غطاءً للرّأس

إنّ العلمانيّة، أو كما تعرف بالفرنسيّة "laïcité"، كرّست في القانون الفرنسيّ عام 1905، في مرسوم يفصل بين الكنيسة والدّولة، بهدف حماية حرّيّة الضّمير وضمان حرّيّة ممارسة الدّين. ويعرّف "مركز مراقبة العلمانيّة" في فرنسا العلمانيّة على أنّها "ليست رأياً بين آراء، بل حرّيّة أن يكون لك رأيك"، ويضيف: "إنّها ليست معتقداً، بل المبدأ الّذي يجيز جميع المعتقدات، شريطة احترام مبادئ حرّيّة الضّمير والمساواة في الحقوق. ولهذا السّبب، فإنّها ليست مؤيّدة ولا معادية للدّين. وعلى هذا الأساس، فإنّ الالتزام بإيمانٍ أو معتقد فلسفيّ يُعدّ مسألة تخضع لحرّيّة ضمير كلّ رجل أو امرأة". ويقول المركز إنّ الجمهوريّة العلمانيّة هي تلك الّتي تضمن المساواة بين المواطنين أمام الخدمات العامّة، بغضّ النّظر عن قناعاتهم ومعتقداتهم".

 يخلق "الحجاب voile" بانتظام خلافات في فرنسا
وفي ديجون، عندما طلب مسؤولو "الجبهة الوطنيّة" من المرأة خلع غطاء رأسها، أجابت رئيسة المجلس الإقليميّ، ماري غويت دوفاي، بأنّه لا قواعد المجلس ولا القانون تحظر ارتداء غطاء الرّأس داخل القاعة. وقالت: "يمكننا حظر أيّ شخص يكون سلوكه عُرضة لإزعاج الآخرين خلال الجلسة من الحضور. لكن لا يوجد سبب يدعو هذه المرأة إلى المغادرة".
بالإضافة إلى ذلك، لا يوجد قانون يحظر ارتداء غطاء الرّأس داخل مبنى المجلس أو أيّ مكان عامّ آخر إلّا في المدارس حيث يجب على المدرّسين والموظّفين مراعاة "الحياد الدّينيّ". ويحظر قانون أصدر عام 2010 الملابس الّتي تُخفي وجه شخص ما، ولكنّها لا تنطبق في هذه الحالة.

اقرأ أيضاً: صراع التنورة والحجاب: هل بات مظهر المرأة مقياساً للنهضة؟
ومع ذلك، يخلق "الحجاب voile" بانتظام خلافات في فرنسا، ولم يكن هذا الحدث استثناءً: فقد تناوب العديد من وزراء حكومة إيمانويل ماكرون على انتقاد غطاء الرّأس، حيث أعلن وزير التّعليم، جان-ميشيل بلانكر، على شاشة التّلفزيون الفرنسيّ أنّه بالرّغم من عدم حظره، فإنّ الحجاب "غير مرغوب فيه في مجتمعنا". وأضاف وزير الاقتصاد، برونو لو ماير، أنّه يودّ رؤية مجتمعٍ "بدون طائفيّة".
ربّما كان أكثر التّعليقات السّلبيّة ذاك الّذي أدلى به جيرالد دارمانين، وزير الميزانيّة، الّذي قال إنّ "المشكلة الكبرى" لم تكن أنّ الأمّ ترتدي غطاء الرّأس خلال رحلة مدرسيّة، ولكن حقيقة "عدم ذهاب بعض الفتيات إلى المدرسة على الإطلاق". وتنحدر الفتيات المعنيّات، ضمنيّاً، من أسر مسلمة.
ومع ذلك، لم يكن يتبنّى كلّ من في حكومة ماكرون الكلمات نفسها: فالمتحدّثة باسم الحكومة، سيبيث ندياي، والسّكرتير الرّقميّ، سيدريك أوه (وكلاهما من الأعضاء القلائل غير البيض في الحكومة) صرّحا بتعليقات أكثر انفتاحاً، وأشارا إلى أنّه ليس لديهما مشكلة مع غطاء الرّأس. ومع ذلك، فإنّ الرّأي المعاكس واسع الانتشار في السّياسة والمجتمع الفرنسيّين.

اقرأ أيضاً: هل كشفت قضية حجاب النائبة ماء العينين تناقضات خطاب حزب "العدالة والتنمية" المغربي الإخواني؟
في الّلغة الفرنسيّة، تُعدّ كلمة "voile" اختصاراً للحجاب الإسلاميّ، والّذي هو اختصار للإسلام، ونقطة. وقد حدثت خلافات مماثلة في حالتيْ المتحدّثة باسم اتّحاد الطّلاب وإحدى المتسابقات في النّسخة الفرنسيّة من برنامج "ذي فويس"، وكلتاهما ترتدي الحجاب. وفي كلّ صيف، تحظر حمّامات السّباحة الفرنسيّة "البوركيني"، مستشهدة بالعلمانيّة، بالرّغم من أنّ هذا التّفسير الملتوي للمبدأ يهزم غرضه الرّئيس: ضمان المساواة في الحقوق وحصول الجميع عليها.
وكانت عمليّات القتل الّتي حصلت في مقرّ الشّرطة، في باريس، في 7 تشرين الأوّل (أكتوبر) الجاري، على يد موظَّفٍ مُعتقدٍ في الإسلام الرّاديكاليّ، قد سمّمت الجدل الفرنسيّ حول الدّين. وأعلن مسؤول "الجبهة الوطنيّة" في ديجون قائلاً: "لا يمكننا أن نبدأ الجلسة بالتزام الصّمت لمدّة دقيقة لأجل ضحايا المقرّ الشّرطيّ، ثمّ نقبل بهذا (في إشارة إلى وجود سيّدة محجّبة)" - خالطاً بين أمّ مسلمة، تطوّعت للمساعدة في رحلة مدرسيّة، وقاتل راديكاليّ عنيف.

الشّكوك الفرنسيّة نحو الإسلام والنّقاش المطوّل حول العلمانيّة وغطاء الرّأس جميعها تسبق رئاسة ماكرون بفترة طويلة
ويؤدّي النّقاش العام بانتظام إلى هذه الافتراضات الخطيرة والّتي لا أساس لها. ومن جانبها، تستضيف وسائل الإعلام الفرنسيّة إشكل روتينيّ إيريك زمور، وهو معلّق أُدين في المحكمة بسبب "التّحريض على الكراهيّة ضدّ المسلمين". كذلك، بدأ زمور للتّوّ تقديم برنامج تلفزيونيّ قارن فيه الإسلام بـ "منظّمة شموليّة"، خلال الحلقة الأولى. ونشرت جامعة سيرجي بونتواز "قائمة بعلامات التّطرّف"، حيث أمرت الموظّفين بالإبلاغ عن أيّ شكوك - وقد كانت كلّ "العلامات" متعلّقة بالعقيدة الإسلاميّة.

انتشرت بشكل هائل صورة المرأة وهي تُعانق ابنها، الّذي كان يبكي من استهدافهما ومحاولة إلحاق العار بهما علانية

ودعت افتتاحيّة نشرتها صحيفة "لوموند" يوم الثّلاثاء ووقّعت عليها 90 شخصيّة ثقافيّة وإعلاميّة فرنسيّة، ماكرون إلى أن "يدين بشدّة" الهجوم الّذي لحق بالأمّ المحجّبة في ديجون. وحذّرت، كذلك، من تزايد "كراهية المسلمين".
وجاء في الافتتاحيّة: "نُقدِّر العلمانيّة كما هو منصوص عليها في القانون الفرنسيّ ونطلب على وجه السّرعة من الحكومة ورئيس الجمهوريّة أن يدينوا علانية الهجوم الّذي كانت هذه المرأة ضحيّة له، أمام ابنها. ونطلب منهم أن يقولوا بشكل جازم أنّ للنّساء المسلمات، سواء كنّ محجّبات أم لا، والمسلمين عموماً، مكان في مجتمعنا. وندعوهم إلى رفض السّماح بمراقبة مواطنينا المسلمين، ووصمهم، والتّنديد بهم لمجرّد ممارستهم لدينهم".
وبقي ماكرون صامتاً بشأن حادثة ديجون. وبُعيد هجوم المقرّ الشرطيّ في باريس، دعا الفرنسيّين إلى "محاربة الشّرّ الإسلامويّ" من خلال "بناء مجتمع يقظ" والإبلاغ عن "أيّ علامات تدلّ على التّطرّف مهما كانت صغيرة". وفي عام 2018، قال إنّ "ارتداء الحجاب لا يتوافق مع التمدين في بلدنا".
والشّكوك الفرنسيّة نحو الإسلام والنّقاش المطوّل حول العلمانيّة وغطاء الرّأس جميعها تسبق رئاسة ماكرون بفترة طويلة. فمن رئيس الوزراء السّابق، مانويل فالس، الّذي قال، في عام 2016، إنّ الإسلام ينطوي على "رؤية عفا عليها الزّمن للمرأة"، وطلب من المسلمين "السّرّيّة" عند ممارستهم لدينهم، إلى جاك شيراك، الّذي وصف، عندما كان رئيساً عام 2003، غطاء الرّأس في المدارس بأنّه "عدوان"، يجب على المجتمع الفرنسيّ ككلّ أن يشكّك في تحيّزاته المضلّلة ضدّ العقيدة الإسلاميّة. وعدم القيام بذلك قد يكون له تداعيات سياسيّة واسعة النّطاق بحلول عام 2022.


بولين بوك، النيوستيتسمان-أمريكا

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:
https://www.newstatesman.com/world/europe/2019/10/how-new-headscarf-row-has-reignited-french-divisions-over-islam-and-secularism



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية