الحصار الأوروبي يشتد... هل يدفع الإخوان ثمن أعوام الدعم المطلق؟

الحصار الأوروبي يشتد... هل يدفع الإخوان ثمن أعوام الدعم المطلق؟

الحصار الأوروبي يشتد... هل يدفع الإخوان ثمن أعوام الدعم المطلق؟


13/06/2023

عاشت جماعة الإخوان داخل أوروبا أعواماً من الاحتواء والدعم القائم على المصلحة المتبادلة، وقد زاد بشكل ملحوظ خلال الأعوام الـ (10) الماضية، التي أعقبت سقوط التنظيم عن الحكم في الدول العربية، وما تبعه من ترويج الجماعة لخطاب المظلومية التاريخي، والعمل على استعطاف الحكومات الأوروبية، بتقديم معلومات مغلوطة عن أوضاع الجماعة في مصر أو الدول العربية الأخرى. 

هذا الدعم بدأ في التحول تدريجياً منذ عام 2020، إلى سياسات أكثر اتزاناً ثم أكثر حسماً، بعد عدة هجمات استهدفت مدناً أوروبية، أقر الاتحاد الأوروبي على إثرها استراتيجية شاملة لمواجهة الإرهاب والتطرف، بعد أن أثبتت تقارير أمنية واستخباراتية وجود صلات مباشرة بين منفذي تلك العمليات وجماعة الإخوان وتنظيمات أخرى متشددة تنشط داخل أوروبا. 

لماذا دعمت حكومات أوروبا الإخوان؟ 

بحسب دراسة حديثة صادرة عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، تلقى تنظيم الإخوان منذ خمسينات القرن الماضي الكثير من الدعم والإعانات من الحكومات والمؤسسات الأوروبية الرسمية بشكل مباشر أو غير مباشر، تأثر سلباً خلال الأعوام الماضية بسبب النشاط المتطرف للتنظيم داخل أوروبا وخارجها. 

وتتعدد الأسباب وراء دعم الغرب لتنظيم الإخوان المسلمين، بحسب الدراسة، كاستغلال أجهزة الاستخبارات تأثير تنظيم الإخوان المسلمين كورقة ضغط أو ورقة سياسية في الشرق الأوسط لشن حروب دعائية ونشر معلومات مضللة عن العديد من دول المنطقة، أو كجهة للحصول على معلومات وبيانات عن تلك الدول لتحقيق مكاسب سياسية إقليمية.

وكان نظام الشفافية المالية لدى المفوضية الأوروبية قد كشف أنّ الجمعيات التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، أو تلك التي تدور في فلكهم من قريب، قد خصص لها أكثر من (52) مليون يورو من الأموال العامة بشكل مباشر أو غير مباشر بين عامي 2007 و2020. 

تلقى تنظيم الإخوان منذ خمسينات القرن الماضي الكثير من الدعم والإعانات من الحكومات والمؤسسات الأوروبية الرسمية

وتلقت تلك المؤسسات، وفق المعلومات الوارده في التقرير، ما يقرب من (80) مليون يورو على شكل تمويل من الحكومات الأوروبية خلال العقد الماضي، في شكل تبرعات مُنحت لجماعات ذات صلات بجماعة الإخوان المسلمين، من قبل الاتحاد الأوروبي ومجلس أوروبا ومختلف الحكومات الوطنية منذ عام 2004.

وتشير الدراسة إلى استمرار بعض الدول الأوروبية في احتواء ودعم جماعة الإخوان المسلمين، وعدم اتخاذ تدابير وإجراءات فعالة ضد التنظيم لعدة أسباب؛ أهمها عامل الاستفادة من الإخوان المسلمين في منظومة المعلومة، سواء داخل البلدان الغربية أو العربية أو الإسلامية. 

كذلك عدم وجود أدلة لحظرها وإغلاق مكاتبها في دول الاتحاد الأوروبي، وتحتاج أوروبا أيضاً تنظيم الإخوان المسلمين، وتخشى أن يكون تصنيفهم وحظر أنشطتهم مبرراً لالتحاق عناصرهم بمنظمات متطرفة.

تحالف يستهدف الشرق الأوسط 

تشير الدراسة إلى أسباب كثيرة دعمت التعاون بين جماعة الإخوان وبعض الحكومات الأوروبية، في مقدمتها تنفيذ أجندة مصالح استهدفت استقرار الشرق الأوسط في المقام الأول. 

ووفق الدراسة، تنامى التعاون بين جماعة الإخوان المسلمين وبعض أجهزة الاستخبارات خلال الأعوام الماضية، من خلال بث المعلومات التي يتم جمعها، عبر القنوات الفضائية التابعة لجماعة الإخوان لتحقيق خطة لإحداث اضطرابات سياسية داخل دول المنطقة عبر مراحل الإرباك والإنهاء والحسم. 

كشف نظام الشفافية المالية لدى المفوضية الأوروبية أنّ الجمعيات التابعة لجماعة الإخوان، أو تلك التي تدور في فلكهم من قريب، قد خصص لها أكثر من (52) مليون يورو من الأموال العامة بشكل مباشر أو غير مباشر بين عامي 2007 و2020.

وقد تورطت دول أوروبية في دعم قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وحثهم على تحريض الكونغرس على قطع المساعدات الأمريكية عن بعض الدول بهدف تحقيق سياساته الإقليمية، انطلاقاً من واشنطن.

وفي هذا الصدد، يرى لورنزو فيدينو مدير برنامج البحث حول التطرف في جامعة جورج واشنطن أنّ "المشكلة ليست في المبالغ الممنوحة من قبل أوروبا للجماعة، لأنّ الإخوان لا يحتاجون إليها أصلاً، بل المشكلة هي اعتراف المؤسسات الضمني الكامن وراء هذه المخصصات المالية. 

ويتساءل، بحسب تصريح أوردته الدراسة: "هل الإخوان المسلمون يعملون كجماعة ضغط في بروكسل؟ مشيراً إلى أنّ عبارة "جماعة ضغط" توحي بشيء قوي ومنظم للغاية، وهذا ليس هو الحال في الواقع".

تحذيرات استخباراتية

ألقت الدراسة الضوء على عدد من التحذيرات الاستخباراتية خلال الأعوام الماضية، التي ركزت على مخاطر انتشار وتوغل تنظيم الإخوان داخل المجتمعات الأوروبية، والتي تُعدّ أحد أهم أسباب التنبّه الأوروبي إلى ضرورة إقرار مواجهة شاملة مع تنظيم الإخوان. 

فيدينو: المشكلة ليست في المبالغ الممنوحة من قبل أوروبا للجماعة بل في اعتراف المؤسسات الضمني الكامن وراء هذه المخصصات المالية

وتذكر الدراسة على سبيل التقييم الأمني الذي جرى تقديمه للبرلمان، وأثبت أنّ جماعة الإخوان المسلمين تعمل من خلال هيكل سري، وغطاء علني من المنظمات، وتملك تأثيراً محدوداً لكنّه يتنامى في هولندا، كما كشفت الاستخبارات الألمانية في ولاية شمال الراين وستفاليا أكبر ولاية بألمانيا عن تزايد عدد قيادات جماعة الإخوان في ألمانيا، لتصل إلى (350) في بداية العام الماضي 2022. 

وبحسب الدراسة، بدأت أجهزة الاستخبارات، وبضغط من البرلمانات الأوروبية بداية من العام 2014، في الكشف عن أنشطة ومخاطر الإسلام السياسي خصوصاً الإخوان، وذكرت أنّهم أكثر خطورة من الجماعات السلفية (القاعدة وداعش).

وتقول لورديس فيدال، رئيسة وحدة دراسات الشرق الأوسط في المعهد الأوروبي للبحر الأبيض المتوسط: إنّ "مشكلة دول أوروبا مع الإخوان لا تكمن في ممارسة العنف، فهم لا يفعلون ذلك في أوروبا مثلما يحدث في بعض دول الشرق الأوسط، لكنّ خطورتهم هنا تكمن في عملهم الدائم على خلق بيئة إيديولوجية ودينية تتبنّى مثل هذه الأفكار المتشددة."

تورطت دول أوروبية في دعم قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وحثهم على تحريض الكونغرس على قطع المساعدات الأمريكية عن بعض الدول بهدف تحقيق سياساته الإقليمية، انطلاقاً من واشنطن

الاستخبارات الألمانية وصفت الإخوان بأنّهم "ذئاب في ثياب حملان"، في تقريرها الصادر في 10 كانون الثاني (يناير) 2022 عن خطورة الجماعة المتطرفة، نظراً لارتفاع أعداد الجمعيات الإسلامية إلى (960) جمعية، ومحاولاتهم المستمرة لتأسيس نظام سياسي واجتماعي متطرف في ألمانيا، باعتمادهم على سياسة اختراق مؤسسات الدولة لخلق كوادر وساسة يصبحون صناع قرار في المستقبل، يستطيعون من خلالهم تكريس العنف والتطرف.

ومن جهته اعتبر جهاز أمن الدولة البلجيكي (VSSE) في آذار (مارس) 2022 أنّ تنظيم الإخوان يشكل "تهديداً ذا أولوية قصوى فيما يتعلق بالتطرف، لأنّ استراتيجيتها قصيرة المدى يمكن أن تخلق مناخاً من الاستقطاب والفصل العنصري داخل المجتمع البلجيكي، وبالتالي تشكل عاملاً موجهاً "من التطرف"، وتم اقتراح تكثيف جهازي المخابرات جهودهما لرفع الوعي في الدوائر السياسية والإدارية بالتهديدات المرتبطة بوجود الإخوان المسلمين في بلجيكا.

وفي حين لم يتم تصنيف حركة الإخوان المسلمين كجماعة متطرفة في فرنسا وأوروبا، إلّا أنّ ما يتردد في الكواليس يوحي بتفكير جدي في اتخاذ هذه الخطوة على المستوى الأوروبي، ولا تخفي فرنسا انزعاجها من أنشطة الإسلاميين المحسوبين على الإخوان المسلمين فوق أراضيها، وفق تصريحات وزير الداخلية الفرنسي التي جاءت تحذيراً للولايات المتحدة الأمريكية من هذا الخطر المستقبلي الذي يتغاضى عنه الأمريكيون ويسمحون لجمعياته وأنشطته بحرية الحركة، في أيار (مايو) 2023.

كما كشفت دلائل عديدة، بحسب الدراسة، ارتباط الإخوان المسلمين في نقل العناصر والأموال إلى تنظيم (داعش) في سوريا وليبيا، وهو ما دفع أجهزة الاستخبارات الأوروبية إلى التحذير من خطر الإخوان في خلق بيئة العنف التي تحركت على قاعدتها كل التنظيمات الجهادية المتطرفة.

كيف تعزز أوروبا استراتيجية المواجهة؟ 

تعتبر الدراسة أنّ خطورة الإخوان في أوروبا ليست في ممارستهم للعنف، وإنّما في خلق بيئة العنف التي تحركت على قاعدتها كل التنظيمات المتطرفة، سواء المحلية أو الإقليمية أو التنظيمات المتطرفة ذات الامتداد القاري، وهذا الدور غير المعلن هو الأخطر في المواجهة، لأنّه يوفر الحماية للجماعات المتطرفة، مشيرة إلى أنّهم يدعمون ويعززون فكرة رومانسية لإحياء "الدولة الإسلامية". 

بدأت أجهزة الاستخبارات بضغط من البرلمانات الأوروبية منذ عام 2014 في الكشف عن أنشطة ومخاطر الإسلام السياسي خصوصاً الإخوان

وقد بدأت بعض الدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا والنمسا وألمانيا، في اتخاذ خطوات للحدّ من توسع جماعة الإخوان المسلمين داخل حدودهم، والحدّ من مصادر التمويل الخارجية التي أعطت الجماعة النفوذ الهائل الذي تتمتع به.

ويعتقد الباحثون أنّ ما ينبغي أن تعمل عليه الدول الأوروبية في الوقت الراهن هو تعزيز التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب والتطرف والكيانات والمنظمات التي تدعمه، وتعزيز مراقبة أنشطة المنظمات الخيرية والجمعيات والمراكز الدينية، وإصلاح دور المؤسسات الرسمية المسؤولة عن تنظيم، كذلك تكثيف العقوبات الدولية ضد الكيانات والمنظمات التي لا تشارك في مكافحة الإرهاب والتطرف، كما ينبغي زيادة الرقابة وتعزيز تبادل المعلومات بين الدول الأوروبية ودول المنطقة.

ينبغي أن يكون هناك تعاون وثيق بين الدول الأوروبية التي عانت من أفعال المتطرفين ودول مثل مصر والإمارات والسعودية، وذلك لتبادل الخبرات والعمل معاً من أجل مواجهة الجماعات الإسلاموية وتطرفها

ووفق الدراسة، "يبقى أهم السبل للقضاء على ظاهرة التطرف هو مقاومة تلك الظاهرة معرفياً، وذلك بوضع مبادئ لمشروع فكري لمجابهة الإخوان في أوروبا، تتلخص في تفكيك الأفكار المؤسسة لإيديولوجية جماعة الإخوان ونقدها، وتفكيك الخطاب المتعاطف معها ونقده في أوروبا، وتسليط الضوء على أنماط التدين الأخرى المتصالحة مع الحداثة ومع الدولة الوطنية، والتنظير لمرجعية معرفية عربية لدراسة الظاهرة الإسلاموية، حتى لا نجابه المتطرفين فقط وليس التطرف.

كما تشدد الدراسة على ضرورة أن يكون هناك تعاون وثيق أيضاً بين الدول الأوروبية التي عانت من أفعال المتطرفين، ودول مثل مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وذلك لتبادل الخبرات والعمل معاً من أجل مواجهة الجماعات الإسلاموية وتطرفها.

مواضيع ذات صلة:

كيف تنظر الحكومات الأوروبية الداعمة للإخوان إلى صراعات التنظيم الأخيرة؟

هل تنجح استراتيجية الاتحاد الأوروبي الجديدة بمحاصرة الإرهاب في القرن الأفريقي؟

تقرير أوروبي: خطر الإخوان يتفاقم في الهند



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية