الخرطوم طهران عن طريق موسكو... هل أجبرت الحرب البرهان على اقتفاء خُطى سلفه؟

الخرطوم طهران عن طريق موسكو... هل أجبرت الحرب البرهان على اقتفاء خُطا سلفه؟

الخرطوم طهران عن طريق موسكو... هل أجبرت الحرب البرهان على اقتفاء خُطى سلفه؟


10/07/2023

بعد تغريدة حسين أمير عبد اللهيان وزير الخارجية الإيراني الخميس الماضي، والتي مضمونها: "التقى وفدنا بوزير الخارجية السوداني وبحث كيفية استئناف العلاقات الدبلوماسية قريباً بين الخرطوم وطهران، قالت وكالة الأنباء الإيرانية (إرنا): إنّ المحادثات استهدفت حل سوء التفاهم بين البلدين وتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية بينهما".

عودة وزير الخارجية السوداني المكلف علي الصادق، وهو إسلامي معتدل، ذو ميول شيعية بحسب مراقبين، وكانت ابنته طالبة الطب وقتها، منتصف عام 2015،  هربت من السودان إلى تركيا ثم إلى سوريا معلنة انضمامها لتنظيم الدولة الإسلامية داعش، عندما كان والدها مديراً لإدارة الشؤون العربية في الخارجية السودانية والناطق الرسمي باسم الوزارة الخارجية السودانية، لكنّها تمكنت من العودة إلى الخرطوم عام 2018 عن طريق لبنان، بعد جهود وساطة بين جهاز الأمن والمخابرات السوداني، وقيادات في داعش، بحسب مصادر متطابقة، عودة الوزير إلى المشهد، بعد اختفائه منذ اندلاع الحرب الراهنة، من خلال اجتماع مباشر مع وزير خارجية إيران يضع علامة استفهام جديدة حول الدور المرسوم للرجل الذي عينه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في هذا المنصب، عقب إطاحته بحكومة عبد الله حمدوك في تشرين الأول (أكتوبر) 2021.

العودة إلى طهران

بعد زيارة مالك عقار، نائب رئيس مجلس السيادة وقائد أحد فصائل الحركة الشعبية لتحرير السودان، إلى موسكو، ثم ظهور وزير الخارجية المكلف من قبل قائد الجيش مع عبد اللهيان في باكو عاصمة أذربيجان بعد (7) أعوام من قطع الخرطوم العلاقة الدبلوماسية مع طهران بطريقة درامية أدهشت الجميع، إذ بادرت حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير منذ عام 2014 بإغلاق المراكز الثقافية الإيرانية في السودان بعد أن اعتبرتها مُهدداً للأمن الفكري والاجتماعي، بعد تزايد نشاطها في التبشير بالمذهب الشيعي، واعتبر حسين أمير عبد اللهيان نفسه، الذي كان وقتها مساعداً لوزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والأفريقية، أنّ بعض التيارات السودانية تحاول التأثير على العلاقات الطيبة بين طهران والخرطوم.

 قائد الجيش عبد الفتاح البرهان

وفي عام 2016 طردت الحكومة السودانية السفير الإيراني من السودان وكامل البعثة، واستدعت سفيرها في طهران فوراً تعبيراً عن إدانة السودان للتدخلات الإيرانية في المنطقة العربية عبر نهج طائفي، كما شكا بعض قادة جماعة الإخوان السودانية (المؤتمر الوطني) وقتها، ممّا سمّوه (قصر يد طهران) في تقديم العون والمساعدة لحكومتهم، وراج على نطاق واسع أنّ عراب الجماعة في السودان حسن الترابي عبَّر عن ذلك بإهدائه كتاب (البخلاء) للجاحظ إلى المرشد الأعلى آية الله على خامنئي، كما تردد حينها، ومنذ ذلك الوقت ظلت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين مقطوعة.

الثلاثي الخطير

يعتقد مراقبون أنّ اتجاه قيادة الجيش السوداني نحو روسيا وإيران، مستوحى من التجربة السورية دون النظر إلى عوامل أخرى، مثل ضعف قدرات الجيش السوداني مقارنة بنظيره السوري، وضعف سنده الجماهيري بحكم التمردات الكثيرة عليه في أجزاء معتبرة من البلاد، علاوة على سيطرة الإخوان المسلمين على قيادته، ممّا سيضعه تحت ضغط الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وإسرائيل، وربما بعض الدول العربية والأفريقية الأخرى، التي ترى في روسيا وإيران والإخوان خطراً وشيكاً على مصالحها في المنطقة، وبالتالي ربما تتجه إلى دعم الطرف الآخر في الحرب وتصدّق روايته في أنّ النظام السابق هو من يحرك قيادة الجيش السوداني التي كانت تسعى دوماً للابتعاد عن معسكر (موسكو ـ طهران) وتلهث خلف توطيد علاقتها مع تل أبيب، حيث التقى عبد الفتاح البرهان دون علم مجلس وزرائه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مدينة عنتيبي الأوغندية في شباط (فبراير) 2020، الأمر الذي دفع بوزير الخارجية الأمريكية  وقتها مايك بومبيو إلى محادثته هاتفياً لإزجاء الشكر والتقدير على هذه الخطوة.

الآن وبعد أن وضع البرهان بيضه كله في سلة النظام السابق، فإنّ عليه أن يغير نظرته إلى العالم الخارجي، فالعلاقة مع الولايات المتحدة والغرب عموماً لا تفي بمتطلبات الحرب من الدعم اللوجستي والتسليح، فمثل هذه الأمور لا يمكن إنجازها بسرعة في ظل الأنظمة الديمقراطية إذ إنّها تحتاج سلسلة طويلة من الإجراءات، لكن في دول مثل روسيا وإيران فإنّ الأمور أسهل بكثير، فقط تحتاج إلى إقناع شخص واحد في قمة السلطة وتنفتح عليك الأبواب بمختلف أنواع الأسلحة والدعم اللوجستي والاستخباري، ولكي تفعل ذلك لا بدّ من إعادة النظام السابق إلى الواجهة بشكل صريح، وهذا ما وقع في شراكه قائد الجيش، الذي سيكون مضطراً لخوض الحرب إلى نهايتها.

البرهان على خُطى سلفه

بعد الإطاحة بحكومتها 2019، أثبتت جماعة الإخوان المسلمين أنّها مرنة ومؤثرة، فعلى مدى (3) عقود، تمكنت من إحكام نفوذها على القيادة العسكرية في السودان، وهنا يمكن الحصول على كلمة السر التي ستفسر إعادة علي الصادق إلى الخارجية ودفعه إلى لقاء عبد اللهيان من أجل العودة إلى حضن طهران مرة أخرى، ووفق أيّ شروط ستكون هذه العودة؟

 التقى البرهان دون علم مجلس وزرائه برئيس الوزراء الإسرائيلي نتيناهو في مدينة عنتيبي الأوغندية في شباط 2020

ارتبطت الخرطوم بطهران، قبل قطع العلاقات بينهما عام 2016، بروابط ممتازة خاصة في المجال العسكري، فإيران هي المساهم الأبرز في إنشاء معامل الذخيرة والأسلحة في مجمع اليرموك الذي سيطرت عليه قوات الدعم السريع مؤخراً، وكان قد تعرّض في 23 تشرين الأول (أكتوبر) 2012  لسلسلة انفجارات أعقبها حريق، اتهمت الخرطوم إسرائيل بالوقوف خلفها من خلال هجوم شاركت فيه  (4) طائرات شبح.

وأشار تقرير صادر عام 2012 عن منظمة Small Arms Survey، وهي مجموعة بحثية سويسرية مستقلة، إلى أنّ فريقاً من باحثيه حصل على أدلة على وجود طائرة بدون طيار وألغام وأسلحة إيرانية أخرى في السودان يُعتقد أنّها استُجلبت مباشرة من طهران بدلاً من تصنيعها هناك، وأضاف التقرير أنّ مجمع اليرموك يضم أيضاً أسلحة صينية المنشأ.

وفي أواخر آب (أغسطس) 2013  زار الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير، الذي صدر بحقه أمر توقيف من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة الإبادة الجماعية في إقليم دارفور (غرب)، زار طهران، ووصف العلاقات بين بلده وإيران بأنّها "عميقة الجذور"، قبل أن ينقلب عليها ويجعلها أثراً بعد عين، فهل ستجبر تداعيات الحرب الماثلة في العاصمة السودانية قائد الجيش عبد الفتاح البرهان على اقتفاء أثر سلفه والعودة إلى أحضان أئمة (قُم) مرة أخرى؟ هذا ما ستسفر عنه الأيام المقبلة.

مواضيع ذات صلة:

موت ومجاعات وأوبئة وخراب... هل تخلى الجميع عن السودان؟

يحلمون بالعودة إلى الحكم... دور "الإخوان" في إشعال الحرب في السودان



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية