الخلاف الفرنسي الجزائري... لماذا انفجر البركان الآن؟

الخلاف الفرنسي الجزائري... لماذا انفجر البركان الآن؟


05/10/2021

لا يبدو أنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد حسب جيداً نتائج تصريحاته حول الجزائر كأمّة لم تكن موجودة قبل الاحتلال الفرنسي والاستقلال عنه، في إشارة إلى الاحتلال العثماني الذي سيطر على الشمال الأفريقي، وفيما أضمر انتقادات لتركيا التي تعيش فرنسا في صراع ومنافسة محتدمة معها، تطفو على السطح أحياناً وتغوص أحياناً أخرى، فإنّ تصريحاته قد عمّقت الأزمة بين الجزائر وفرنسا، حكومة وشعباً.

اقرأ أيضاً: قرار جزائري يتعلق بالمغرب... التصعيد إلى أين؟

وقد قررت الجزائر أول من أمس سحب سفيرها من باريس، وقررت حظر استخدام مجالها الجوي على الطائرات العسكرية الفرنسية، ما يعني إعاقة الأخيرة عن الوصول إلى مالي ضمن مهامها في مواجهة الإرهاب من أقصر طريق ممكن، يأتي ذلك في الوقت الذي تتهم فيه مالي فرنسا بالفعل بالتخلي عنها في مواجهة الإرهاب.

ورغم أنّ فرنسا أكدت على أنّ القرار الذي اتخذته الجزائر لن يعيقها عن مهامها، في إشارة إلى وجود بدائل أخرى، غير أنّ تلك البدائل أكثر كلفة ومشقة على فرنسا، فضلاً عن المعنى الرمزي الذي يفقد فرنسا حليفاً في مواجهة الإرهاب في أفريقيا.

قررت الجزائر أول من أمس سحب سفيرها من باريس

والأزمة التي انفجرت بعد تصريحات الرئيس خلال لقائه أحفاد أفراد فاعلة في الحرب الجزائرية، ونقلتها صحيفة "لوموند" ولم تنفها الرئاسة، ليست الأولى؛ إذ يمثل الخلاف الفرنسي الجزائري حلقات طويلة ومتشابكة، وأبرزها وأعمقها فترة الاحتلال التي لم تقدم فرنسا حتى الآن اعتذاراً عنها، ولم تعترف بها كحرب سوى في العام 1999، بينما تطالب الجزائر بالاعتراف والتعويض المادي والمعنوي.

اقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن "الحركيين الجزائريين"؟ ولماذا اعتذر لهم ماكرون باسم فرنسا؟

وتداخلت تصريحات ماكرون إلى حد كبير بحيث يصعب اعتبارها غير محسوبة، أو تنم عن تهور غير مفاجئ بالنسبة إلى سجل ماكرون، الذي سبق أن فجرت تصريحاته أزمة كبيرة في قضية الرسوم المسيئة، واضطر فيما بعد إلى الظهور عبر شاشة الجزيرة لتوضيح قصده منها.

قال ماكرون، بحسب ما أورده موقع "فرانس 24": إنّ "تاريخاً رسمياً للجزائر أعيدت كتابته بالكامل"، وفق قوله، "لا يستند إلى حقائق"، إنما على "خطاب يرتكز على كراهية فرنسا".

أثار مقطع آخر من تصريحات ماكرون غضب السلطات الجزائرية، تساءل فيه: هل كانت هناك أمّة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟

واعتبر ماكرون أنّ الجزائر أنشأت بعد استقلالها عام 1962 "ريعاً للذاكرة" كرّسه "النظام السياسي-العسكري"، وأضاف الرئيس الفرنسي: "نرى أنّ النظام الجزائري منهك، الحراك (الاحتجاجي) في عام 2019 أنهكه".

وأكد ماكرون في حديثه مع الشباب أنه "يجري حواراً جيداً مع الرئيس الجزائري عبد المجيد  تبون"، مضيفاً: "أرى أنه عالق في نظام شديد التصلب".

وحسب وسائل إعلام جزائرية، أثار مقطع آخر من تصريحات ماكرون غضب السلطات، تساءل فيه: "هل كانت هناك أمّة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟ هذا هو السؤال"، مشيراً إلى وجود "عمليات استعمار سابقة". وتابع بنبرة ساخرة أنه "مفتون برؤية قدرة تركيا على جعل الناس ينسون تماماً الدور الذي لعبته في الجزائر والهيمنة التي مارستها"، في إشارة إلى الإمبراطورية العثمانية.

اقرأ أيضاً: الجزائر: ماذا تبقى من التاريخ النضالي لجبهة التحرير؟

في غضون ذلك، استدعت الجزائر سفيرها من باريس متهمة فرنسا بالتدخل غير المقبول في شؤونها، وقالت الجزائر إنها ترد على تصريحات وصفتها بـ"غير المسؤولة"، نُسبت إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ولم يتم نفيها، بحسب ما أورده موقع "بي بي سي".

وأضاف البيان أنّ هذه التصريحات تحمل في طياتها اعتداء غير مقبول على ذاكرة شهداء الجزائر "الذين ضحوا بالنفس والنفيس ومقاومتهم البطولية ضد الغزو الاستعماري الفرنسي".

التأشيرات

لم ينفجر الخلاف الجزائري الفرنسي الأخير دون مقدمات، فقد أوحى توتر الأجواء عقب قرار فرنسا خفض عدد التأشيرات التي تصدرها لمواطني الجزائر وتونس وليبيا، بأنّ التصعيد وارد، وأرجعت باريس قرارها إلى تقاعس تلك الدول في إعادة مواطنيها من المسافرين غير الشرعيين الذين ترفض تأشيراتهم.

تداخلت تصريحات ماكرون إلى حد كبير بحيث يصعب اعتبارها غير محسوبة

وكانت الجزائر قد استدعت السفير الفرنسي لتبلّغه رسمياً اعتراضها على قرار باريس، وأعلنت وزارة الخارجية الجزائرية الأربعاء أنّ السفير فرانسوا غوييت تبلغ "احتجاجاً رسمياً من الحكومة الجزائرية على خلفية قرار أحادي الجانب من الحكومة الفرنسية يمس بنوعية وسلاسة تنقل الرعايا الجزائريين باتجاه فرنسا".

وسبق أن استدعت الجزائر السفير الفرنسي لتبلغه احتجاجها في أيار (مايو) 2020، عقب إذاعة فرنسا فيلماً وثائقياً عن الحراك في الجزائر.

كيف ينتهي المشهد؟

من جانبه، يرى الخبير العسكري المصري اللواء سمير راغب أنّ التصعيد الكلامي الفرنسي الأخير الذي تمّت مواجهته بقرار منع الطائرات الحربية الفرنسية من استخدام المجال الجوي الجزائري، "يعكس انتقال التصعيد إلى التأثير على مناطق النفوذ الفرنسي القديم، والمصالح الحيوية بشمال أفريقيا ودول الساحل و الصحراء، لأنّ الجزائر دولة كبيرة ولها تأثير كبير في محيطها الحيوي الذي يتقاطع مع محيط فرنسا".

 

 الخبير العسكري المصري اللواء سمير راغب يرى أنّ التصعيد الكلامي الفرنسي الأخير والرد الجزائري يعكس انتقال التصعيد إلى التأثير على مناطق النفوذ الفرنسي القديم

 

وأكد الخبير العسكري، بحسب "روسيا اليوم"، أنّ "أوراق الضغوط الجزائرية أكبر بكثير من ممر جوي، وخاصة أنّ التنافس الفرنسي-التركي ربما يلقي بظلاله على الخلاف الفرنسي-الجزائري، وفكرة أن يلقي ماكرون بتاريخ استعمار الجزائر على تركيا لا يقطع الطريق على العلاقات الجزائرية-التركية، بل أعاق الطريق على تجاوز الخلاف الفرنسي، لأنّ فكرة التشكيك في وجود وطن جزائري قبل الاحتلال الفرنسي خطأ لن يقبله الجزائريون، وأعاد ذكريات الحقبة الاستعمارية الفرنسية، وأصبح الوضع كقطارين يتحركان على القضبان الحديدية نفسها وفي اتجاه معاكس، الصدام سوف يحدث إلا في حالة توقف القطارين، أو يعكس أحدهما اتجاه حركته".

اقرأ أيضاً: الجزائر والمغرب: علاقات عدوانية متوترة وأزمة ثقة طويل

وتابع :"لا شك في أنّ القرار الجزائري أفقد فرنسا ممراً جوياً مهماً ومؤمّناً، وأفقدها أيضاً التعاون العسكري والاستخباراتي مع دولة كبيرة، كذلك ربما يفتح أبواب التنافس بدلاً من التكامل في دول جوار الجزائر وما يجاورها، بدائل فرنسا في الممرات الجوية تكون عبر ليبيا وهي غير مؤمنة بدرجة الجزائر، كذلك المغرب وهو الأرجح، مع الأخذ في الاعتبار ارتفاع تكاليف البدائل، والأهم أنه ربما توجد بدائل للممر الجوي، لكن لا توجد بدائل جيواستراتيجية للجزائر، فرنسا تعاني عسكرياً في مالي وتشاد والنيجر، وحتى في بوركينا فاسو وساحل العاج، في مواجهة التنظيمات المتطرفة والإرهابية، وكانت تحتاج للمزيد من دعم دول جوار الساحل والصحراء، ولكن بحركة واحدة فقدت أهم دولة جوار وشريك في مكافحة الإرهاب".

وفي السياق ذاته، يستبعد مراقبون أن يكون التوجه الفرنسي للتصعيد مع الجزائر من قبل ماكرون غير محسوب، بل أرجعوه إلى رغبته في مغازلة اليمين المتطرف من أجل الانتخابات الرئاسية المقبلة في نيسان (إبريل) 2022.

ووفق تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، ونقله موقع "بي بي سي"، فإنّ بعض أحزاب اليمين المتطرف في فرنسا يعتبرون أنّ قرار تقييد منح التأشيرات يهدف إلى استقطاب ناخبيها في الانتخابات القادمة، وتساءل البرلماني اليميني أورلين برادي عن مغزى توقيت هذه الخطوة  مع اقتراب الانتخابات الفرنسية، مضيفاً في تصريحات صحفية "تتهافت الحكومة في الوقت الحالي لإظهار قدر أكبر من الصرامة والسلطة".

اقرأ أيضاً: كيف نقرأ الأزمة بين الجزائر والمغرب؟ وما مآلاتها؟

ويعتبر البعض أنّ الرئيس الفرنسي يواجه معضلات داخلية تتعلق بالبطالة والاقتصاد، وأنه لم يحقق الكثير ممّا وعد به الفرنسيين، ومن ثم فهو يسعى إلى مغازلة جمهور الناخبين بقضايا تدغدغ مشاعرهم، فيما يتعلق بالمرحلة الاستعمارية، واستغلال قضايا المهاجرين لفرنسا، أملاً في كسب أصوات ناخبي الأحزاب اليمينية المتطرفة، التي تركز خطابها تقليدياً على تلك القضايا.

اقرأ أيضاً: السعي لاستنساخ تجربة "طالبان" في منطقة الساحل يقلق الجزائر

غير أنه، على الجانب الآخر، فإنّ بعض المراقبين يرون أنّ النظام السياسي الجزائري يعيش أزمة ماكرون نفسها، وأنه يبالغ كثيراً في ردود فعله، خاصة فيما يتعلق بالقضايا محل الخلاف مع فرنسا، في محاولة لتصدير أزماته الداخلية، وللتغطية على ضعف التأييد له من قبل الشارع الجزائري، الذي ما يزال جانب كبير منه مؤمناً بأنّ الحراك الشعبي المطالب بالتغيير لم ينته بعد، وفي ظل ما مثله الضعف الشديد في الإقبال على الانتخابات البرلمانية التي شهدتها البلاد في حزيران (يونيو) الماضي، وسط شكاوى متكررة من قبل قطاع كبير من الجزائريين، من تفشي البطالة وارتفاع الأسعار، وتدهور البنية التحتية، رغم غنى البلاد بمواردها الطبيعية.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية