الجزائر والمغرب: علاقات عدوانية متوترة وأزمة ثقة طويلة

الجزائر والمغرب: علاقات عدوانية متوترة وأزمة ثقة طويلة


كاتب ومترجم جزائري
07/09/2021

ترجمة: مدني قصري

 قرّرت الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، وهذه ليست سوى الحلقة الأخيرة في أزمة ثقة طويلة بين البلدين، تعود إلى الستينيات، لكنّها ظلت تتعمّق مع نشوب الصراع في الصحراء الغربية.

لطالما كانت العلاقات بين الجزائر والمغرب عدوانية، ومشحونة بالتوتر، وتتخللها صراعات؛ عام 1963 شهدت على ذلك ما سُمّيت "حرب الرمال" على خط الحدود، بالنسبة إلى زعماء هاتين الدولتين المغاربيّتين الكبيرتين، اللتين تتنافسان على القيادة الإقليمية، يظل بناء العدو الخارجي وسيلة لترسيخ أنظمتهما السياسية، المتعارضة في جميع النقاط، وإحياء قومية مفيدة للغاية لتماسك الأمة.

اقرأ أيضاً: كيف نقرأ الأزمة بين الجزائر والمغرب؟ وما مآلاتها؟

منذ عام 1975، تبلورت المنافسة على القيادة الإقليمية حول قضية الصحراء الغربية، ما أدّى إلى انهيار العلاقات الدبلوماسية بين عامي 1976 و1988، حتى عام 1994، كان الخلاف ما يزال قائماً ولم يتبدّد مع مرور الوقت، وفي تلك الأثناء لمّح وزير الداخلية المغربي، إدريس البصري، إلى أنّ المخابرات الجزائرية ربما تكون قد دبّرت الهجوم الإرهابي على فندق في مراكش، الذي خلّف ضحيّتين إسبانيّين، في أعقاب ذلك فرض البصري تأشيرات الدخول على الجزائريين، ونظّم حملة طرد الجزائريين الذين يعيشون في المغرب دون تصريح إقامة، فكان ردّ الجزائر نهائياً، حيث تمّ إغلاق الحدود البرية، وما تزال مغلقة حتى الآن، رغم وجود تهريب كثيف، بعد مرور 27 عاماً على تلك الواقعة، وعلى الرغم من مطالب الملك محمد السادس بفتحها.

انفتاحات عبد العزيز بوتفليقة الفاشلة

حاول عبد العزيز بوتفليقة كسر دوامة التوتر والتمزق بين البلدين، وفور انتخابه رئيساً للبلاد، عام 1999، حضر جنازة الحسن الثاني، وتحدث عن مزايا المغرب الكبير المتحرر من صراعاته القديمة، واختار مناخاً من الانفراج الضروري للمضي قدماً في تنمية المنطقة، لكنّ الجيش الجزائري اختاره ليكون رئيساً للدولة، ومن ثمّ كي لا يتجاهل المبادئ الأساسية التي وضعها العسكريون الذين يديرون العلاقة بين الجزائر والمغرب؛ فلكتابة صفحة جديدة من التاريخ، خالية من التوترات المتكررة، كان يجب عليه أن يلعب على الحبلين باستمرار (إرضاء الطرفين)، مع التأكيد بانتظام على دعم الجزائر لتقرير المصير في الصحراء الغربية. وهي لعبة الموازنة التي لا ترضي الطبقة السياسية المغربية.

صراع في الصحراء الغربية

 عام 2004؛ أبلغت وزارة الخارجية المغربية رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحيى بأنّ زيارته ليست مناسِبة، ما دامت بعض التصريحات تتعارض مع أهداف تطبيع العلاقات بين البلدين. وبالفعل، كان الرئيس بوتفليقة قد بعث برسالة دعم إلى جبهة البوليساريو، أكّد فيها حقّ الصحراويين في تقرير مصيرهم. فلم يقم أيّ رئيس وزراء جزائري بزيارة المغرب منذ ذلك الحين.

اقرأ أيضاً: السعي لاستنساخ تجربة "طالبان" في منطقة الساحل يقلق الجزائر

وتشير هذه التوترات الدائمة، التي أصبحت متأصلة في العلاقات بين البلدين، إلى أنّ التنافس بين البلدين المغاربيين الكبيرين على القيادة الإقليمية لم يتم تجاوزه أبداً، وأنّ استخدام أساليب المواجهة نفسها مع البلد المجاور، الذي يُعتبر عدوّاً، ما يزال سارياً وواضحاً، على الرغم من البيئة الإقليمية التي تتغيّر في العمق.

محور واشنطن - تل أبيب - الرباط

خلق الاتفاق الذي منحه المغرب، في 22 كانون الأول (ديسمبر) 2020، لتطبيع علاقاته مع إسرائيل مقابل اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، خللاً كبيراً في العلاقة بين الدولتين المغاربيتين الكبيرتين؛ فهذا التطبيع يوقِّع أوّلاً فشلَ الجزائر، التي ظلت تساند جبهة البوليساريو، منذ عام 1975.

 في الواقع، حتى إن لم تؤكد إدارة بايدن هذا الاعتراف بالصحراء الغربية، حتى أن التزم الاتحاد الأوروبي بصمتٍ بليغ بشأن هذه المسألة، فإنّ الجزائريين يعرفون أنّ المسألة مسألة وقت فقط، وأنّ المغرب سيُمنَح هذه الأرض في النهاية، في تحدٍّ كامل لعملية تسوية النزاع الصحراوي الموكلة إلى الأمم المتحدة منذ عام 1991.

جاء إعلان قطع العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب، في 24 آب (أغسطس)، تكريساً لذروة عملية مكدّرات طويلة استمرت منذ إعلان تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل

 وبعد هذا الفشل، لم يعد للجزائر أية سيطرة على عدوّها ومنافسها المغربي، واليوم لم يعد المغرب يعمل بالدرجة الأولى في إطار المنطقة المغاربية، ولم يعد طموحُه أن يصبح رائداً في المغرب الكبير، بل صارت أفريقيا هي طموحه الأكبر، ولا شكّ في أنّ تطبيع علاقاته مع إسرائيل سوف يمنحه وسائل تحقيق طموحاته الجديدة.

من خلال مساعدة إسرائيل على استعادة مكانتها كمراقب في الاتحاد الأفريقي، الذي فقدته عام 2002، يظهر المغرب للجزائر أنّه قادر على التأثير بشكل فعال داخل الهيئة الأفريقية. في الواقع، حاولت الجزائر معارضة إعادة دمج إسرائيل، مذكّرة أعضاء الاتحاد الأفريقي بأنّ هذه الهيئة كانت تدعم دائماً القضية الفلسطينية، من خلال نشر مهاراتها الدبلوماسية داخل الاتحاد الأفريقي وتأثيرها في غرب أفريقيا لصالح حليفها الإسرائيلي الجديد، تنوي الرباط جنيَ الكثير من المكاسب..

عبد العزيز بوتفليقة

بالنسبة إلى تلّ أبيب، لا شكّ في أنّ وضعها داخل الاتحاد الأفريقي يشكّل خطوة أولى نحو انتشارٍ جيوإستراتيجي في غرب أفريقيا على وجه الخصوص.

 في مقابل مساعدتها، يرغب المغرب في الاستفادة من استثمارات إسرائيلية كبيرة تتجاوز 500 مليون يورو، كما أنّه يريد تكثيف التعاون الأمني​​، حتى إن كان هذا التعاون قائماً منذ فترة طويلة، ويشهد على ذلك ما تمّ الكشف عنه بشأن الاستخدام المكثف لبرامج التجسس (pegasus spyware)  من قبل المغرب، هذا البرنامج الذي أنتجته شركة "NSO Group" الإسرائيلية ، مكّن من استهداف 6000 رقم هاتف، بما في ذلك أرقام شخصيات من الطبقة السياسية الجزائرية.

على الرغم من هذا التقارب الذي يظهر الآن بين الرباط وتل أبيب، فإنّ المغرب يعرف أنّه على الرغم من التصريحات الرسمية، فإنّ محمد السادس، الذي يرأس لجنة القدس، لن ينجح في إعادة توجيه السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين.

بالنسبة إلى تلّ أبيب، لا شكّ في أنّ وضعها داخل الاتحاد الأفريقي يشكّل خطوة أولى نحو انتشارٍ جيوإستراتيجي في غرب أفريقيا على وجه الخصوص

على سبيل المثال، تزامنت الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لابيد، إلى الرباط، في 13 آب (أغسطس) 2021، مع قرار بلاده المضي قدماً في بناء ممرّ جديد يربط حائط المبكى بمساجد حرم الأقصى وبقبّة الصخرة، ولم تتخذ إسرائيل بعد قراراً بفتح قنصلية في الصحراء الغربية، ولا الولايات المتحدة، على العكس من ذلك، تواصل واشنطن ذِكر "حلّ للنزاع الصحراوي في إطار الأمم المتحدة وبالتشاور مع الأطراف الفاعلة".

مع إصرارهم على الحفاظ على سياستهم الفلسطينية، يُظهِر الفاعلون السياسيون الإسرائيليون المزيدَ من الاستعداد لمساعدة المغرب، من خلال التنديد بالعدوّ التقليدي للرباط، وخلال الزيارة نفسها التي قام بها يائير لابيد إلى الرباط، في 13 آب (أغسطس)، أعلن الوزير، بحضور نظيره ناصر بوريطة، أنّه "قلق بشأن الدور الذي تلعبه الجزائر في المنطقة، وتقارب الجزائر مع إيران والحملة التي تشنّها الجزائر ضدّ قبول إسرائيل كعضو مراقب في الاتحاد الأفريقي"، ورأت الحكومة الجزائرية فيها "اتهامات لا معنى لها وتهديدات مبطنة"، وقد واصل وزير الخارجية الجزائري، رمتان لعمامرة، القول: "لم نسمع أبداً، منذ عام 1948، أيّ عضو في الحكومة الإسرائيلية يهدد دولة عربية من داخل أراضي دولة عربية أخرى".

شعب القبائل الشجاع

جاء إعلان قطع العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب، في 24 آب (أغسطس)، تكريساً لذروة عملية مكدّرات وتنكيدات طويلة استمرت منذ إعلان تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل، في كانون الأول (ديسمبر) 2020، لكنّ صيف 2021 كان قد تميّز بِإِهانَتَيْن: كلمات يائير لابيد بالطبع، لكن أيضاً، قبل شهر، خلال اجتماع لحركة عدم الانحياز في نيويورك، في 13 و14 تموز (يوليو)، كان السفير المغربي لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، قد وزّع مذكرة مفادها أنّ "شعب القبائل (الأمازيغ) الشجاع يستحق، أكثر من أيّ شعب آخر، التمتّع الكامل بحقّ تقرير المصير"، وتعليقاً على تلك المذكرة قال وزير الخارجية الجزائري: إنّ "الاستفزاز المغربي قد بلغ ذروته".

الجزائر ظلت تساند جبهة البوليساريو منذ عام 1975

في أعقاب هاتين الحادثين، قرّر المجلس الأعلى للأمن برئاسة رئيس الدولة الجزائرية، في 17 آب (أغسطس)، "مراجعة" علاقات بلاده مع المغرب.

 لقد وصل التوتر ذروته، بالنسبة للجزائر، لا سيما أنّ المغرب الذي يدعم بشكل علني، ويؤيد الحركة من أجل الحكم الذاتي في منطقة القبائل (في الجزائر)، متورّط أيضاً في حرائق منطقة القبائل، وينطوي قرار الجزائر العاصمة أيضاً على تشديد الضوابط الأمنية على الحدود الغربية للبلاد.

رغم ذلك طلبت الجزائر من المغرب توضيح ما قاله سفيرها، ومن دون أن يقدم أدنى إنكار، انتظر محمد السادس عيد العرش، في 31 تموز (يوليو)، ليقول إنّ "الجزائر لا يجب أن تخشى أيّ سوء نيّة من قبل المغرب".

اقرأ أيضاً: توقيف رئيس حزب "قلب تونس" حليف الإخوان بعد فراره إلى الجزائر

رداً على إعلان القطيعة، في 24 آب (أغسطس)، قالت وزارة الخارجية المغربية، في بيان صحفي؛ إنّها تأسف لهذا "القرار غير المبرر إطلاقاً من قبل الجزائر"، "ستبقى المملكة شريكاً مخلصاً وموثوقاً للشعب الجزائري، وستواصل العمل بحكمة ومسؤولية من أجل تنمية علاقات صحيّة ومثمرة بين البلدان المغاربية ".

من الواضح جداً، من خلال هذا البيان، أنّ المغرب يسمح لشركائه الغربيين وتل أبيب بمعرفة أنه يجسّد الحكمة والاعتدال في مواجهة الجزائر التي لا يوثَق بها كثيراً، ويخاطب بشكل خاص الدول التي تخشى التصعيد العسكري وآثاره، لا سيما حول إمداد الدول الأوروبية بالغاز الجزائري. وقد أشارت باريس والقاهرة والرياض بالفعل إلى أنّه يمكنها تقديم خدمات الوساطة بين الرباط والجزائر.

بالفعل، فبعد قطع العلاقات الدبلوماسية، قد تميل الجزائر إلى قطع ورقتها الأخيرة من خلال تعديل مسار غازها إلى أوروبا.

ينتهي عقد خط أنابيب الغاز بين المغرب العربي وأوروبا (GME)، الذي يربط حقول الغاز الجزائرية بإسبانيا عبر المغرب، في 31 تشرين الأول (أكتوبر)، وكان المغرب قد أعرب عن رغبته في تجديده، لكن يمكن بشركة "سوناطراك" الجزائرية بالفعل التفكير في حلّ تقني بديل، لتحويل ما تم نقله بواسطة "GME" على خط أنابيب الغاز "ميدغاز/ Medga" الذي يربط الجزائر مباشرة بإسبانيا.

 مصدر الترجمة عن الفرنسية:

orientxxi.info/magazine



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية