الدعوة إلى التغيير حتى في قم

الدعوة إلى التغيير حتى في قم

الدعوة إلى التغيير حتى في قم


23/02/2023

تبقى مدينة قم الإيرانية من أهم مراكز البلاد لرجال الدين الشيعة، فهي مليئة بالمدارس الدينية والأضرحة المقدسة. ولكن البعض ينتظرون أن يغير الثيوقراطيون الحاكمون في إيران أساليبهم بعد شهور من الاحتجاجات التي هزت البلاد.

ولا يزال الكثيرون في قم يؤيدون النظام الحاكم بقيادة رجال الدين في الذكرى الرابعة والأربعين لقيام الثورة الإسلامية الإيرانية سنة 1979. ويشمل دعمهم العديد من القيود التي أشعلت الاحتجاجات، مثل حجاب النساء الإلزامي في الأماكن العامة. ويصدّق الكثير منهم ادعاءات الدولة بأن أعداء إيران الخارجيين هم من يثيرون الاضطرابات التي تجتاح البلاد.

لكنهم يقولون أيضا إن على الحكومة تغيير الطريقة التي تتعامل بها مع المتظاهرين ومطالب النساء اللاتي يردن أن يكن قادرات على اختيار لباسهن.

تململ

قال أبوذر صاهبنازران، وهو رجل الدين الذي وصف نفسه بأنه من أشد المؤيدين للحكم الديني، أثناء زيارته إلى مقر إقامة سابق للزعيم الثوري الراحل روح الله الخميني إن “حملة القمع القاسية كانت خاطئة منذ البداية. كان ينبغي أن يعامل الشباب بلطف وأدب. كان ينبغي أن يُناروا ويُرشَدوا”.

وتستقبل قم، التي تقع على بعد 125 كيلومترا جنوب غرب العاصمة الإيرانية طهران، الملايين من الحجاج سنويا، وهي موطن لنصف رجال الدين الشيعة في البلاد. وتُخرّج المؤسسات الدينية في المدينة كبار العقول الدينية في البلاد، مما يجعلها معقلا قويا لهم.

ويعتقد المؤمنون أن مرقد السيدة فاطمة المعصومة ذو القبة الزرقاء يمثل طريقا إلى الجنة أو مكانا لاستجابة الأدعية لحل الأزمات التي أصبحت اليوم كثيرة بالنسبة إلى إيران.

وهزت الاحتجاجات البلاد منذ سبتمبر بعد مقتل مهسا أميني، وهي امرأة كردية إيرانية احتجزتها شرطة الآداب بسبب ملابسها “غير اللائقة” وسرعان ما تحولت المظاهرات التي ركزت في البداية على الحجاب الإلزامي إلى دعوات لثورة جديدة في البلاد.

لم تتوقف الاحتجاجات الشعبية في إيران على مدار العقود الماضية، إذ أن نظام الجمهورية الإسلامية قد وقع تحت وطأة احتجاجات جمّة في فترات متفاوتة

ويقول نشطاء خارج البلاد إن 528 شخصا على الأقل قتلوا واعتقل 19600 آخرين في حملة قمع. ولم تقدم الحكومة الإيرانية أيّ أرقام.

وفي نفس الوقت، تواجه إيران ضغوطا متزايدة في الخارج بشأن تخصيب اليورانيوم بدرجة أقرب من أيّ وقت مضى إلى مستويات تصنيع الأسلحة بعد انهيار الاتفاق النووي الإيراني المُبرم مع القوى العالمية في 2015. وتفاقم العقوبات المتجددة من المشاكل المالية القائمة منذ فترة طويلة، ودفعت عملة البلاد إلى أدنى مستوياتها التاريخية مقابل الدولار.

وقال صاهبنازران من داخل منزل الخميني السابق الذي تزينه صور المرشد الأعلى الراحل وعلم إيران إن “العديد من المتظاهرين إما يعانون من مشاكل اقتصادية أو تأثروا بالإنترنت”.

وقد عبّر المتظاهرون عن غضبهم مباشرة على رجال الدين الذين يرون فيهم أسس النظام. وتُظهر بعض مقاطع الفيديو المنتشرة عبر الإنترنت متظاهرين شبانا يجرون خلف رجال دين في الشارع ويرمون عمائمهم الدالة على رتبهم، إذ يقول أولئك الذين يرتدون عمامة سوداء إنهم ينحدرون مباشرة من سلاسة النبي محمد.

وتُعد مقاطع الفيديو المنتشرة علامة على القطيعة التي يشعر به البعض تجاه رجال الدين في بلد ساعد فيه رجال الدين قبل 44 سنة في قيادة الثورة ضد الشاه محمد رضا بهلوي.

وقال صاهبنازران إن “هذا كان جزءا من خطط العدو. لقد أرادوا أن يخبروا الناس أن رجال الدين هم السبب وراء كل المشاكل وارتفاع الأسعار. لكن رجال الدين يتأثرون بالتضخم مثل باقي الناس. يعيش العديد من رجال الدين على رسوم التدريس في أدنى مستوى اقتصادي في المجتمع. ويواجه أغلبهم نفس المشاكل التي يواجهها الناس”.

ويتلقى طلاب المدارس الدينية حوالي 50 دولارا شهريا، ويعمل الكثير منهم مستأجرين أو سائقي سيارات أجرة. ويشغل أقل من 10 في المئة من رجال الدين الإيرانيين البالغ عددهم 200 ألف مناصب رسمية في الحكومة.

ضغوط على الجميع

وتقول سكينة حيدري فرد، المتطوعة مع شرطة الآداب في قم وتعمل بنشاط على الترويج للحجاب، إن اعتقال النساء واحتجازهن بالقوة في حجز الشرطة ليس فكرة جيدة.

وأكّدت أن دوريات الأخلاق ضرورية، لكن على الشرطة تحذير المنتهكين. فـ”استخدام القوة والإكراه غير سليمين. يجب أن نتحدث معهم بنبرة ناعمة ولطيفة”.

وتعتبر حيدري فرد الحجاب عقيدة أساسية للجمهورية الإسلامية. وتقول “لقد ضحينا بالكثير من الشهداء أو بالدم لنبقى على هذا الحجاب وسيبقى على رؤوسنا إن شاء الله”.

لكن من غير المرجح أن ترضي التغييرات في النهج أولئك الذين يدعون إلى الرفض الشامل للحكومة التي يديرها رجال الدين، حيث بقي السياسيون في الحركة الإصلاحية لسنوات يحثون على التغيير داخل النظام الديني دون جدوى، فيما نفد صبر العديد من المتظاهرين.

وقال علي رضا فاتح، وهو بائع سجاد في بازار قم التقليدي، إن الضغط الاقتصادي المتزايد باستمرار على 80 مليون شخص في إيران قد ينفجر يوما ما في جميع أنحاء المجتمع.

وأضاف أن “الانهيار الاقتصادي عادة ما يتبعه انهيار سياسي… وهذا ما يحدث هنا للأسف. لا يزال لغالبية السكان القليل في حساباتهم المصرفية. لكنهم سيخرجون يوما ما إلى الشوارع أيضا، و هذا اليوم سيكون قريبا. سيخرج الفقراء الذين لا يستطيعون تغطية نفقاتهم إلى الشوارع بالتأكيد”.

انقسام

ينقسم النظام في إيران حول طريقة الرد على احتجاجات غير مسبوقة متواصلة منذ أشهر، ويتأرجح ذلك بين القمع ومبادرات التهدئة.

ويوضح نادر هاشمي مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة دنفر الأميركية أن “الرسائل المتضاربة التي نتلقّاها من النظام الإيراني تشير إلى جدل داخلي حول طريقة التعامل مع الاحتجاجات المستمرة”.

ويضيف “في معظم الأنظمة الاستبدادية هناك صقور وحمائم” تختلف حول مدى القمع أثناء الأزمات. فالموافقة على إعادة محاكمة عدد من المحتجّين حُكِم عليهم بالإعدام، والإفراج عن معارضين بارزين، مؤشّرات على أن البعض يسعى لنهج أكثر ليونة.

إلا أنّ تنفيذ إيران حكم الإعدام في حقّ رجُلين لقتلهما عنصرا من قوات الباسيج المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني خلال اضطرابات مرتبطة بالاحتجاجات، أتى ليُذكّر بالمسار المتشدّد.

ولم تتوقف الاحتجاجات الشعبية في إيران على مدار العقود الماضية، إذ أن نظام الجمهورية الإسلامية قد وقع تحت وطأة احتجاجات جمّة في فترات متفاوتة، بعضها اجتماعي ومرتبط بقضايا حقوقية وفئوية، والبعض الآخر سياسي، كما كان الحال في احتجاجات الحركة الخضراء عام 2009 والتي اندلعت على خلفية رفض نتائج الانتخابات المزورة التي فاز بها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، أو احتجاجات رفع أسعار الوقود بين عامي 2018 و2019.

لكن إيران ما بعد مقتل مهسا أميني في سبتمبر من العام الماضي تواجه لحظة قصوى من الاحتجاجات التي عمدت إلى رفع شعارات مناهضة لإلزامية ارتداء الحجاب ورفض ممارسات أفراد دورية “شرطة الأخلاق” والمتسببة في مقتل الفتاة الكُردية الإيرانية، ثم ما لبثت أن تطورت هذه التظاهرات في جانبها الاجتماعي والفئوي وحمولاتها الحقوقية لتصل إلى رفض النظام السياسي برمته.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية