السقوط الحر لليرة التركية يجر معه أردوغان

السقوط الحر لليرة التركية يجر معه أردوغان


14/11/2021

عمران سلمان

يبدو أن شمس حكم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان آخذة في الأفول. ومع كل انخفاض لقيمة الليرة في مقابل الدولار ينغرس مسمار جديد في نعش هذا الحكم. وقيمة الليرة هي تعبير صادق عن حالة الاقتصاد التركي ومن ثم الوضع المعيشي للمواطنين الأتراك. 

في أوج الانتعاش الاقتصادي لتركيا كان الدولار يساوي أقل من ليرتين تقريبا (عام 2012). لكن مع التخبط في السياسات الاقتصادية لحكومة حزب العدالة والتنمية والمغامرات الخارجية للرئيس أردوغان، أخذت الليرة تهوي تدريجيا، وفي حين كان الدولار قبل خمس سنوات فقط يحوم حول ثلاث أو أربع ليرات، فقد كرت السبحة بعد ذلك إلى أن وصلت اليوم إلى حوالي 9.8 ليرة للدولار. وإذا ما استمر الوضع على ما هو عليه (وهذا متوقع إلى حد كبير) فسوف يصبح من الصعب التنبؤ إلى أين سيجر السقوط الحر لليرة الاقتصاد التركي بأكمله. 

في الأوضاع المشابهة تلجأ الحكومات عادة (من بين إجراءات أخرى) إلى استخدام الاحتياط من العملات الأجنبية لضخه في السوق بهدف دعم العملة المحلية، لكن يبدو أن الحكومة التركية لم يتبق لديها ما تضخه بعد أن استهلكت جميع ما بحوزتها من احتياطيات (حوالي 100 مليار دولار)، وفي الأوضاع المشابهة أيضا ومع توالي الانخفاض في قيمة العملة يبدأ المواطنون بفقدان الثقة فيها، ويلجؤون إما إلى العملات الأجنبية مثل الدولار أو اليورو أو شراء الذهب أو أي إجراء آخر يحافظ على قيمة مدخراتهم. لكن فقدان الثقة هذا يؤدي إلى المزيد من خسارة العملة المحلية لقيمتها وهكذا. 

وفي الحالات المشابهة كذلك تقوم بعض الحكومات بطباعة النقود التي تكون من دون غطاء مالي، وذلك لإشعار المواطنين بوجود وفرة في السيولة والتعويض عن الخسائر الناجمة عن التضخم، لكن هذا الإجراء لا يفعل سوى جعل العملة تخسر أكثر وتدخل من ثم في حلقة مفرغة. 

ويبدو أن حكومة أردوغان بدأت تفعل ذلك، الأمر الذي دفع رئيس المجلس التنفيذي لاتحاد الغرف التجارية والبورصات التركية، "رفعت هيصار جيكلي أوغلو"، وهو من الموالين لحكومة أردوغان، إلى انتقاد هذه السياسة حيث قال "تحاول الحكومة تجاوز هذه الأزمة بطباعة النقود ورفع الحد الأدنى للأجور، ولكنها لا تدري العواقب الوخيمة التي ستحدث على المدى البعيد".

ولأن المصائب لا تأتي فرادى، كما يقال، فإن الانخفاض المستمر لقيمة العملة التركية أحدث معه موجات اقتصادية أخرى متوقعة مثل التضخم والارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية والخدمات.  

وقد كشف معهد الإحصاء التركي عن معدلات التضخم الجديدة، التي ارتفعت بنسبة 2.39 %، ليبلغ معدل التضخم السنوي 19.89 %. وإن كان زعماء المعارضة التركية أمثال وزير الاقتصاد الأسبق، علي باباجان، ورئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو، يعتقدون بأن معهد الإحصاء يتلاعب بالبيانات وأن معدلات التضخم هي في الواقع ضعف هذا الرقم المعلن.

ما الذي دفع تركيا التي كانت تتمتع باقتصاد قوي إلى هذا المصير؟

يمكن التحدث هنا عن عاملين. العامل المباشر هو اقتصادي، وهو مرتبط بالسياسات الحكومية الخاطئة والتدخل المستمر للرئيس التركي في القرارات الاقتصادية، بما في ذلك التلاعب في أسعار الفائدة وإقالة المسؤولين الماليين والاقتصاديين الذين لا يشاطرونه آراءه.   

وفي أحدث استطلاع للرأي عن شهر أكتوبر، نشره رئيس الأبحاث في شركة «أوراسيا»، كمال أوزكيراز، أظهرت النتائج أن 62.1 % من الأتراك المستطلعة آراؤهم مقتنعون بأن إدارة الرئيس أردوغان لدفة الاقتصاد سيئة للغاية.

العامل الثاني وهو سياسي ويتمثل في النهج الذي اتبعته حكومة أردوغان طوال السنوات العشر الماضية، والمتمثل في إثارة التوترات وخلق العداوات، فضلا عن المغامرات العسكرية مع دول الجوار ومع العالم الخارجي عموما. 

وتعتبر المناكفات والمشاحنات مع الاتحاد الأوربي سواء المتعلقة بشرق المتوسط أو قضية اللاجئين، وكذلك التراجع الحاد في العلاقات مع الولايات المتحدة، عاملا حاسما في التأثير على الاقتصاد التركي وهز ثقة المستثمرين الأجانب والمؤسسات المالية العالمية.

وفي عالم اليوم من الصعب على أي دولة أن تحافظ على وضع اقتصادي مستقر ومتين وفي الوقت نفسه يحيط الغموض والتوجس علاقتها مع أكبر الاقتصادات في العالم وكذلك مع أكبر شركائها التجاريين.  

وقد عانى الاقتصاد التركي على سبيل المثال من الانعكاسات السلبية الناجمة عن العداء الذي ساد في السنوات الأخيرة بين حكومة أردوغان وحكومتي السعودية والإمارات، قبل تحقيق بعض الانفراج مؤخرا.

في الإجمال يشعر الأتراك (وهم محقون) بالقلق من أن حالة اقتصادهم لا تسير على ما يرام، وأنه ما دام الرئيس التركي وحزبه في السلطة فإن الأسوء ربما يكون في الطريق. ورغم أن الفرصة سوف تتاح للأتراك بعد عامين لاختيار رئيس وبرلمان جديدين في الانتخابات العامة عام 2023، إلا أن العقلية السلطوية لأردوغان تلقي بظلال من المخاوف أيضا من أنه وحزبه ربما يرفضان تسليم السلطة في حال خسارتهما، وقد يلجآن إلى فبركة أحداث وخلق ظروف تجعل من المتعذر تأمين انتقال سلمي هادئ للسلطة.

عن "الحرة"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية