السودان: حكومة الكيزان المُقبلة ... لا قصر للبرهان ولا سجن للكيزان

السودان: حكومة الكيزان المُقبلة ... لا قصر للبرهان ولا سجن للكيزان

السودان: حكومة الكيزان المُقبلة ... لا قصر للبرهان ولا سجن للكيزان


10/09/2023

للرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح مقولة سارت بها الركبان، وهي أنّ حكم اليمن أشبه بـ "الرقص على رؤوس الثعابين"، قالها قبل أن تلدغه أفعى اليمن القاتلة، جماعة أنصار الله (الحوثيين)، فمات، وبقيت مقولته مثلاً يُحتذى وحكمة تؤثر.

حكم صالح اليمن (33) عاماً، ما فتئ خلالها يرقص بين الأفاعي، أزمات اقتصادية طاحنة، وحروب داخلية ضروس، وصراعات قبلية، وجماعات إرهابية تصول وتجول، وجماعة أنصار الله تسيطر على شمال الشمال قبل أن تزحف إلى صنعاء وتأخذها عنوة بوضع اليد، فيتحالف معها صالح بعد أن حاربها جولات عديدة، لكنّها لمّا حاول أن يلعب معها لعبته، أرسلته إلى السماء في 4 كانون الأول (ديسمبر) 2017.

الآن، وهنا في مدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر في السودان، وليس بعيداً عن اليمن، يقيم قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان؛ بعد تمكنه من مغادرة مخبئه بالقيادة العامة بالخرطوم في 24 آب (أغسطس) الماضي، بعد أن ظل حبيساً فيه (4) أشهر و(10) أيام، فاستبشر السودانيون خيراً بأنّ إيقاف الحرب صار وشيكاً، فقد تحرر الرجل من قبضة (الكيزان).  

مع الفارق

لكن يبدو أنّ الجنرال يمضي بخطوات حثيثة نحو مصير علي عبد الله صالح، بعد أن وضع نفسه مجدداً في مواجهة حلفائه السابقين قوات الدعم السريع وجماعة الإخوان المسلمين ممثلة في حزب المؤتمر الوطني المحلول، فضلاً عن عدائه السافر للقوى المدنية من أحزاب سياسية ونقابات ولجان مقاومة ثورية وكل من يبدي ميولاً نحو التحول المدني الديمقراطي.

قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان

يضع البرهان نفسه مرة أخرى بين ثعابين كثيرة ـ يقول مراقبون - يحاول الرقص على رؤوسها، رغم قلة خبرته وحيلته ومكره مقارنة بصالح، بجانب حاملي السلاح في السودان من حركات مسلحة موقعة على اتفاقيات سلام مع الحكومة وغير موقعة، وميليشيات وكتائب ظل إخوانية، والتي تُعدّ بالعشرات تفوق مسلحي اليمن عشرات المرات.

حل سلمي لا يأتي

وحدها قوات الدعم السريع تضاهى في تسليحها وعدتها وعديدها (عدا الطيران والأسلحة الثقيلة) الجيش النظامي، ولربما تبزّه في الخبرة القتالية وتكتيكات حرب المدن.

يعتقد محللون سياسيون ومراقبون أنّه ليس أمام قائد الجيش السوداني سوى طريق واحدة مُعبدة، إن لم يسلكها تاه وضل، وإن فعل، نجا ووضع السودان على سبيل السلام والأمن؛ وهي العودة إلى المفاوضات وإخراج جماعة الإخوان من معادلة الحرب والسياسة، لكنّه لا يفعل، بل يناور لكسب المزيد من الوقت، فيما قواته في الخرطوم عاجزة حتى الآن على الأقل عن دحر وإخراج من يسميهم بالمتمردين من مقرات الجيش التي استولوا عليها منذ بداية الحرب حتى اللحظة، بل لا يستطيع هو نفسه العودة إلى القيادة العامة للجيش مرة أخرى، ولن يتمكن من إدارة العمليات العسكرية من على بعد (675) كيلومتراً، المسافة بين الخرطوم ومقره الحالي في شرق السودان.

يعتقد محللون أنّه ليس أمام البرهان سوى طريق واحدة مُعبدة، إن لم يسلكها تاه وضل، وإن فعل، نجا ووضع السودان على سبيل السلام والأمن؛ وهي العودة إلى المفاوضات وإخراج جماعة الإخوان من معادلة الحرب والسياسة

عودة البرهان إلى المشهد السياسي فتحت الأبواب والنوافذ المغلقة أمام الحل السلمي التفاوضي، باعتبار أنّ الرجل قد تحرر من ابتزاز جماعة الإخوان المتهمة بإشعال الحرب، من خلال ضباطها في الجيش الذين يبلغ عددهم (3) آلاف؛ وفقاً لإحصائيات متطابقة، حيث يقود أركان الحرب أبرزهم وأكثرهم تطرفاً مثل الفريق عبد المحمود حماد واللواء الركن أحمدان محمد خير العوض، فيما يواصل نائب البرهان، الفريق أول شمس الدين كباشي، بجانب الفريق عباس حسن الداروتي، معية بعض كبار الضباط  من منسوبي الجماعة، تنسيق العمليات العسكرية مع قادة حزب المؤتمر الوطني الهاربين من السجون خطوة بخطوة ولحظة بلحظة، وفقاً لمصادر عسكرية.

كل هؤلاء يقفون ضد إيجاد حلول سلمية تفضي إلى وقف الحرب، ويعتبرون الجلوس إلى التفاوض مع قوات الدعم السريع من جهة والقوى المدنية من الأخرى هزيمة لمشروع حزبهم في استعادة الحكم على أشلاء البلاد.

كانتونات أمراء الحرب

في الواقع، يحاول البرهان، بإيعاز ودعم وضغط من جماعة الإخوان، تشكيل حكومة حرب، ربما سيطلق عليها احترازاً حكومة (تصريف أعمال) سيكون مقرها مدينة بورتسودان، فإن فعل ذلك، فإنّ الحرب لن تتوقف، ولربما تؤول إلى انقسامات حادة رأسياً وأفقياً، خصوصاً إذا أعلنت قوات الدعم السريع حكومة أخرى من العاصمة الخرطوم، فإنّ الأمور ستمضي إلى ما هو أشبه بالحالة الليبية الماثلة، وهذا ما سيفضي في ختام المطاف إلى تقسيم البلاد إلى كانتونات جهوية ضعيفة ومفككة يديرها أمراء حرب وخارجون عن القانون وإرهابيون.

وبحسب التسريبات المتاحة على الساحة السودانية، فإنّ قائد الجيش ما يزال يجري مشاورات مع فلول النظام المخلوع وبعض السياسيين وقادة الحركات المسلحة التي دعمت انقلابه في 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، لتشكيل الحكومة المزمعة.

وفي هذا السياق، وصل إلى العاصمة البديلة (بورتسودان) بعض المرشحين الذين قدموا من خارج البلاد، لتولي مناصب في الحكومة المفترضة، أبرزهم مبارك الفاضل المهدي الذي عمل وزيراً في كل الحكومات منذ حكومة ابن عمه الصادق المهدي التي كان آخر وزير لداخليتها قبل أن تنقلب عليها جماعة الإخوان 1989، لكنّه عاد ليعمل معها مساعداً للرئيس المخلوع عمر البشير عام 2002، بعد أن انشق عن حزب الأمّة، ثم نائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للاستثمار.  كما حل ببورتسودان كلّ من المنشق عن الحركة الشعبية ـ شمال، مبارك أردول، مدير الشركة السودانية للمعادن، ومحجوب حسين القيادي في حركة العدل والمساواة - جناح  وزير المالية جبريل إبراهيم، وغيرهم.   

إذا أعلنت قوات الدعم السريع حكومة أخرى من العاصمة الخرطوم، فإنّ الأمور ستمضي إلى ما هو أشبه بالحالة الليبية الماثلة، وهذا ما سيفضي إلى تقسيم البلاد إلى كانتونات جهوية ضعيفة ومفككة يديرها أمراء حرب وخارجون عن القانون وإرهابيون

من جهتها، أبدت الأحزاب السياسية وقوى الثورة وتحالف قوى الحرية والتغيير رفضها القاطع لأيّ محاولة من البرهان لتشكيل حكومة تصريف أعمال من بورتسودان، معتبرة الخطوة تأجيجاً للحرب وتوسيعاً لدائرتها، محذرة من أنّ ذلك ربما أدى إلى تقسيم البلاد وتفكيكها.

البرهان على خُطا البشير

ما يزيد الأمور تعقيداً هو لقاءات البرهان بقادة النظام السابق عقب خروجه من القيادة العامة، فقد أكدت مصادر متطابقة وتسريبات صحفية أنّ الرجل التقى القيادي الإخواني المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية والهارب من سجن كوبر أحمد هارون في مدينة عطبرة (شمال السودان)، وهو في طريقه إلى بورتسودان، كما التقى لاحقاً بالمتطرف الإخواني نائب عمر البشير السابق علي عثمان محمد طه وبعدد من الإسلاميين إبّان زيارته الأخيرة لمدينة كسلا (شرق السودان)، الأمر الذي فسّر على نطاق واسع بأنّ البرهان ما يزال مرتبطاً بجماعة الإخوان، ويسعى لإعادتها إلى السلطة عبر عملية تمويهية جديدة على غرار صفقة عراب الإخوان حسن الترابي مع ضابطه في الجيش الرئيس المخلوع عمر البشير، عندما قال له:   "سأذهب إلى السجن حبيساً، وستذهب إلى القصر رئيساً".

لكن لا يوجد الآن قصر ليذهب إليه البرهان، ولا يوجد سجن ليذهب إليه الكيزان، فالخرطوم صارت مدينة للأشباح وبؤرة للموت المجاني.

مواضيع ذات صلة:

يحلمون بالعودة إلى الحكم... دور "الإخوان" في إشعال الحرب في السودان

المسألة السودانية: قتال إثني وتحركات انفصالية وانتهاكات واسعة

هل تبدأ القاعدة وداعش بتنفيذ عمليات في إثيوبيا والسودان قريباً؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية