"السودان يعاني فراغاً في القيادة"... رواه آبي أحمد وأخرجته إيغاد

"السودان يعاني فراغاً في القيادة"... رواه آبي أحمد وأخرجته إيغاد

"السودان يعاني فراغاً في القيادة"... رواه آبي أحمد وأخرجته إيغاد


13/07/2023

أعرب بيان صحفي منسوب إلى وزارة الخارجية السودانية عن دهشتها إزاء تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بأنّ السودان "يُعاني فراغاً في القيادة، ويجب ألّا تقف (إيغاد) مكتوفة الأيدي، وإلّا ستكون العواقب وخيمة عليه وعلى المنطقة برمتها"، واعتبرت الخارجية السودانية هذه التصريحات "مساساً بسيادة الدولة ، وهو أمر مرفوض".

وعقب البيان، ابتدرت قناة (طيبة)، وتبث من تركيا، ويمتلكها الإخواني المتشدد عبد الحي يوسف الذي نُسبت إليه فتوى كان قد أزجاها للرئيس المعزول عمر البشير بجواز قتل ثلث الشعب من أجل أن يعيش الثلثان المتبقيان بسلام، وقال إنّه استوحاها من المذهب المالكي، ومواقع ومنصات وصحف إخوانية أخرى، ابتدرت القناة حفلات شتائم شديدة العداء بحق آبي أحمد والرئيس الكيني وليام روتو رئيس رباعية (إيغاد)، والهيئة نفسها والاتحاد الأفريقي، وجميع دول الجوار، بما في ذلك إريتريا التي رفض رئيسها التدخل الخارجي في السودان ووصف المبادرات المطروحة بالبازارات السياسية، لكنّه لم ينجُ من شتيمة قناة (طيبة) على لسان وزير الإعلام السابق المقيم بتركيا حسن إسماعيل.

رواية آبي أحمد

في المقابل، يتفق كثير من المراقبين للأوضاع الراهنة في السودان مع ما ذهب إليه رئيس الوزراء الإثيوبي (آبي أحمد) في وصفه لحالة القيادة بالسودان، ليس فقط منذ اندلاع الحرب الماثلة الآن، بل منذ انقلاب قائد الجيش عبد الفتّاح البرهان على الحكومة الانتقالية المدنية برئاسة عبد الله حمدوك، 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، الذي عجز عن تشكيل حكومة حتى اللحظة، مع تفاقم الفراغ بعد الحرب، إذ اختفت وزارة الداخلية والشرطة التابعة لها تماماً عن الوجود، كما لا يوجد مجلس وزراء ولا وزراء، غير وزير المالية جبريل إبراهيم، فيما يعمل علي الصادق مكلفاً من قبل قائد الجيش بأعباء وزارة الخارجية من خارج البلاد.

محاصرون ومختفون

وفي السياق، وجد المكوّن العسكري بمجلس السيادة الذي كان يدير البلاد بعد الانقلاب نفسه وقد تفرّق أيدي سبأ، عقب حرب 15 نيسان (أبريل)، فبينما اختفى قائد قوات الدعم السريع عن الأنظار، قبل إقالته من قبل قائد الجيش وتعيين مالك عقار قائد إحدى الفصائل المتمردة السابقة مكانه، يعجز عبد الفتاح البرهان ومساعده شمس الدين كباشي عن مغادرة مساحة محسوبة داخل سرداب في مقر القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية، وسط الخرطوم، المحاصر من قبل قوات الدعم السريع، وكذلك ما يزال مساعد قائد الجيش ياسر العطا محاصراً في قيادة سلاح المهندسين بأم درمان.

 رئيس الوزراء الإثيوبي (آبي أحمد)

أمّا أعضاء مجلس السيادة غير المعترف به دولياً وإقليمياً، إذ علّق الاتحاد الأفريقي عضوية السودان عقب انقلاب البرهان 2021؛ الذي لم يحظ بأيّ دعم داخلي أو خارجي، فقد تواروا عن الأنظار وأصبح كل واحد منهم يتصرف باسم السودان بمعرفته، حتى أنّ الطاهر حجر والهادي إدريس لا يستطيعان التواصل مع رئيس المجلس عبد الفتاح البرهان، وقد غادرا إلى تشاد ويوغندا والعديد من الدول دون إخطاره، وعقدا اجتماعات مع رؤسائها ومع اللجنة المركزية لقوى إعلان الحرية والتغيير المعارضة.

من يتخذ القرار؟

 ومنذ اشتعال الحرب ظل السؤال يتردد: من الذي يتخذ قرارات الحرب والسياسة والدبلوماسية في السودان، إذا كان قادة المكوّن العسكري وأعضاء مجلس السيادة في حالة عزلة أشبه بالأسر؟

وقد لاحظ مراقبون أنّ الكثير من القرارات الصادرة يتم نقضها بسرعة، ومن ثم الذهاب إلى النقيض مباشرة، كما لاحظوا أنّ حسابات مجهولة تنطلق من وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت ذات تأثير كبير على قرارات قائد الجيش، الذي يُعتقد  على نطاق واسع، أنّها ليست صادرة عنه بل عن مفرزة من قادة النظام المخلوع.

في ظل حرب مستعرة بين الجيش وإحدى فصائله الكبرى والمهمة، وحكومة انقلاب غير معترف بها أعادت فلول النظام السابق إلى المشهد السياسي فأشعلوا الحرب الراهنة، بحسب مراقبين ومحللين

ويبدو أنّ الاتحاد الأفريقي ورباعية إيغاد والولايات المتحدة الأمريكية ودول الجوار لا يغيب عنهم ذلك، فاللواء أبوبكر فقيري رئيس وفد الجيش إلى مفاوضات جدة، من الكوادر الإخوانية المتقدمة داخل الجيش السوداني، وعمل مستشاراً للمجلس العسكري الانتقالي الذي تولى سدة الحكم بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير نيسان (أبريل) 2019، كما عمل مديراً لمكتب عضو مجلس السيادة الفريق أول شمس الدين كباشي، وهو إخواني ذائع الصيت ومعروف من كوادر التنظيم الخاصة، خلال الأشهر الأولى للمرحلة الانتقالية، كما ضمّ الوفد السفير عمر صديق، وهو إخواني متشدد، عمل سفيراً للنظام السابق للخرطوم في الصين، وقبل سقوط البشير بأيام تم ترشيحه ليكون مندوباً دائماً للسودان بالأمم المتحدة.

غياب الحكومة

وفي ظل حرب مستعرة بين الجيش وإحدى فصائله الكبرى والمهمة، وحكومة انقلاب غير معترف بها أعادت فلول النظام السابق إلى المشهد السياسي فأشعلوا الحرب الراهنة، بحسب مراقبين ومحللين، فإنّ توصيف رئيس الوزراء الإثيوبي أنّ السودان يعاني فراغاً في القيادة ليس جديداً، فهو أمر معلوم بالضرورة لدى معظم السودانيين والعالم من حولهم، لذلك لم يعترض على تصريح آبي أحمد أحد، ما عدا فلول النظام السابق.

الرئيس الكيني وليام روتو

عملياً، لا توجد حكومة معترف بها في السودان، لذلك تفاوض الوفود وتوقع الاتفاقيات بصفتها ممثلة للجيش مقابل قوات الدعم السريع، وقد فعلت ذلك في مفاوضات جدة، وسيحدث ذلك في أيّ اجتماعات أو صفقات أو تسويات مقبلة، وفقاً لمحللين سياسيين.

حرب أهلية محتملة

بالنسبة إلى قوى الحرية والتغيير، وبعض قادة الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام جوبا، تشرين الأول (أكتوبر) 2020، وممثلي المجتمع المدني، ومن شاركوا بصفاتهم الاعتبارية كأحزاب أو كيانات مهمة وذات أثر كبير على الساحة السياسية، خصوصاً حزب الأمّة القومي، أكبر حزب سياسي سوداني والحاصل على أعلى نسبة تصويت في آخر انتخابات أجريت في السودان عام 1986، بلغت نحو 39% و(16) مليون صوت، والحزب الاتحادي الديمقراطي بنسبة 29.5% وحوالي (12) مليون صوت، وذلك وفقاً لإحصائيات صادرة عن لجنة الانتخابات حينها.     

يتفق كثير من المراقبين للأوضاع الراهنة في السودان مع ما ذهب إليه رئيس الوزراء الإثيوبي (آبي أحمد) في وصفه لحالة القيادة بالسودان، ليس فقط منذ اندلاع الحرب الماثلة الآن، بل منذ انقلاب قائد الجيش على الحكومة الانتقالية المدنية 

بالنسبة إلى هؤلاء وكثيرين، فإنّ ما ذهب إليه رئيس وزراء إثيوبيا صحيح، وينبغي معالجة هذا الخلل الكبير بسرعة، حتى لا يفضي الفراغ في القيادة إلى تحويل الحرب إلى أهلية شاملة؛ بسبب أنّ الجهة التي تتخذ قرار استمرار الحرب والقرارات السياسية الاستراتيجية الأخرى مجهولة، وإن كان الأرجح وفقاً لمراقبين أنّها جماعة الإخوان المسلمين ممثلة في حزب النظام البائد (المؤتمر الوطني)، الأمر الذي حدا بالأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومعظم دول الجوار والأحزاب والكيانات السياسية السودانية إلى التحذير من مغبة تحول الحرب إلى أهلية شاملة، بسبب هذا الفراغ في القيادة.

مواضيع ذات صلة:

بعد تجدد التوتر بين السودان وإثيوبيا.. ما السيناريوهات المحتملة للأزمة؟

الاتحاد الأفريقي يعلن موقفه من "الآلية الثلاثية" في السودان... ما هو؟

الإخفاق السياسي يطارد السودانيين: حوار الآلية الثلاثية مثالاً



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية