العالم يفكر بعقل قلق تجاه إيران... لماذا؟

العالم يفكر بعقل قلق تجاه إيران... لماذا؟

العالم يفكر بعقل قلق تجاه إيران... لماذا؟


14/06/2023

توجد دول، وتوجد مشاريع دول، وتوجد دول ذات مشاريع، ومشاريع كبرى، وإيران بالقدر الذي نختلف معها وعليها، بقدر ما يدفعنا ذلك دفعاً إلى الاعتراف بقدرة ثورتها، التي انطلقت قبل أكثر من (4) عاماً، على صياغة مشروعها السياسي المحاط ببنية إيديولوجية صلبة، من خلال نظرية الإمامة التي هي أساساً نظرية سياسية، وإن كانت بلغة إيديولوجية دينية، ومن خلال أيضاً نظرية ولاية الفقيه.

هذا التأسيس النظرياتي للمشروع الإيراني السياسي مقدمة معتبرة وضرورية لأيّ حديث عن مشروعها الكبير، الذي هو بحدّ ذاته مقدمة لأيّ حديث عن محاولات فهم انخراط أو -بلغة غير دبلوماسية- تدخلات إيران الفجة في تفاصيل المنطقة وتثويرها والمساهمة المباشرة في صناعة أزماتها من جهة، ومن جهة أخرى، قدرتها أو جديتها ومصداقيتها في صياغة توافقات ونظريات التقارب، قاصداً تسميتها نظريات، لأنّها بالفعل مجال نظري خصب لتسويق نفسها ومشروعها وظهورها بشخصية دولة تتمتع بقدر عالٍ من الدبلوماسية والحكمة والمرونة، لكنّها دبلوماسية مفترسة، ومرونة تشبه مرونة مصائد رمال الصحراء العميقة، ما إن تنغرس الأقدام فوقها حتى تبدأ بابتلاعها، اليمن واحدة من هذه الفرائس التي سقطت في رمال إيران المتحركة في كل اتجاه في هذه المنطقة المأزومة.

الفرق بين السعودية وإيران أنّ الأولى لديها خيارات متعددة، في المنطقة وفي العالم، أمّا إيران، فخياراتها محصورة بين حدّين؛ إمّا أن تذهب جادة وملتزمة نحو آخر الطريق في التقارب، وإمّا أن تبقى تدفع صخرة سيزيف دون أيّ أمل في الوصول إلى القمة

إيران في اليمن إحدى اختبارات مرونتها وتوجهاتها في التأسيس لحالة تقارب يتمنى الكثيرون أن يكون جاداً وحقيقياً وصادقاً، على الأقل هذا ما تدركه المملكة العربية السعودية التي تضع في طريق التقارب كل تجارب إيران السابقة في التقارب، مقدماتها ونتائجها، أسئلتها وإجاباتها، أسبابها وخياراتها، هذا مع الأخذ بعين الاعتبار وبقوة أنّ السعودية تدخل هذا السياق التقاربي غير مضطرة، بل مختارة، وهو اختيار من ضمن وفرة خيارات سياسية وفرها للمملكة التفكير الجديد والمتجدد في عقل الدولة السعودية الذي يوازن بين المرونة والحذر.

كثير من الحبر سال حول سؤال التقارب السعودي الإيراني، وهو سؤال يستحق بالفعل، إذ إنّ عقوداً من التأزيم والخصومة بين الجانبين ألقت بظلالها على المنطقة برمّتها، يحتاج أيّ سلوك سياسي باتجاه هذا التقارب إلى هذا القدر من الاهتمام والتداول والتحليل، ولا أحاول هنا إعادة قراءة المقروء، ولا كتابة المكتوب، ولا تحليل ما أصبح واضحاً وبديهياً، لكن من المهم إعادة توجيه سؤال التقارب نحو اختبار مدى قدرة إيران على التحكم بانسياقها المزمن نحو أطماعها التي أوصلتها إلى حالة حرجة من الخصومات العالمية والأزمات الداخلية والخارجية، والصراعات المفتوحة المهيأة لابتلاع كل خيارات إيران السياسية والعسكرية، الأمر الذي يجعها الطرف الأكثر تعلقاً بنجاح أيّ تجربة تقارب قادمة إليها، أو هي ساعية إليها، بتوفر قدر مناسب من حسن النوايا، مع السعودية ومع مصر، ومع دول أخرى في المنطقة، ما زالت ترى في إيران حارساً شرساً للشر.

إيران في التفكير العالمي أيضاً جرى تنميطها على أنّها مصدر للشر، وعلى أقلّ تقدير مصدر للقلق، كما حاول (دانيال فرايد) تحذير العالم بقوله: "على العالم أن يفكر في إيران بأكبر قدر من القلق"، لأنّها تبدو دائماً مشكوكاً فيها، "ومع تاريخ إيران الطويل من الأكاذيب وعدم التعاون" يتساءل (نيل كانوتو): لماذا نتحدث معها؟ لماذا نمنحها الشرعية؟"، صحيح أنّ الأمر يتعلق ببرنامجها النووي واتفاقاتها الكثيرة غير الناجزة بشأنه، لكنّ إيران هي إيران، هنا وهناك، في البرنامج النووي وفي نظريات التقارب، التي تحتاجها إيران أكثر من أيّ دولة أخرى كمسارٍ إجباري.

التقارب السعودي الإيراني مهم وضروري للغاية، لكنّ اختباراتها الحقيقية ليست على الطاولة، ولا في الورق، ولا أمام الميكرفونات والشاشات، بل في اليمن وفي العراق، وتحديداً في الحدود العراقية السعودية، وفي أجندة الميليشيات المتواجدة هناك

الفرق بين المملكة العربية السعودية وإيران، أنّ الأولى لديها خيارات متعددة، في المنطقة وفي العالم، أمّا إيران، فخياراتها محصورة بين حدّين؛ إمّا أن تذهب جادة وملتزمة نحو آخر الطريق في التقارب، وإمّا أن تبقى تدفع صخرة سيزيف دون أيّ أمل في الوصول إلى القمة.

إيران رحبت بوساطة الصين والعراق في التقارب مع السعودية، وإيران ترحب بالوساطة العُمانية مع الولايات المتحدة الأمريكية، لكنّ هذا الترحيب الذي قد نسميه ترحيباً دبلوماسياً للاستهلاك السياسي والإعلامي، لغة إيرانية بلا محتوى، فإيران لم تغادر طاولة المفاوضات منذ بدء أزمة برنامجها النووي وبدء العقوبات عليها، إنّها تأكل وتشرب وتنام على طاولة المفاوضات، لكنّ العالم غالباً ما يصحو على لا شيء. ربما لهذا السبب اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنّ "من يتعاون مع إيران يتعاون مع البؤس".

على كل حال، التقارب السعودي الإيراني مهم للغاية، وضروري للغاية، لكنّ اختباراتها الحقيقية ليست على الطاولة، ولا في الورق، ولا أمام الميكرفونات والشاشات، بل في اليمن وفي العراق، وتحديداً في الحدود العراقية السعودية، وفي أجندة الميليشيات المتواجدة هناك. بمعنى أنّ التقارب يحتاج إلى ثمن وتكاليف وإرادة حقيقية وصادقة بضرورة الالتزام بهذه التكاليف السياسية والعسكرية والاقتصادية. ففي العراق مجرد الوعود ليست تكاليف مدفوعة، وفي اليمن تصريحات من نوع "إيران ترحب بأيّ مبادرة لإنهاء حرب اليمن"، لا تقول شيئاً، سوى أنّها تعني "أنا أصنع الأزمات، والجميع مدعو لحفلة الإغراء بالمبادرات".

إذا كانت إيران عنيدة، فالسعودية ذكية...، والعالم ينتظر بقلق.

مواضيع ذات صلة:

العرب المحاصرون بالأيديولوجيا .. دينية إيران وقومية تركيا

الأمني والسياسي في حرب الجواسيس بين إسرائيل وإيران



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية