العلمانية ليست كفراً.. ما علاقة الإخوان المسلمين؟

العلمانية.. ليست كفراً

العلمانية ليست كفراً.. ما علاقة الإخوان المسلمين؟


21/09/2023

سعاد فهد المعجل

بداية، خالص الشكر للزميل الشاعر «نشمي مهنا» (وضاح) على مشاركته لي بمقطع فيديو لرجل فاضل وعاقل في زمن نَدَرَ فيه الرجال واختفى منه العقلاء.

الفيديو للسيد رحيم أبو رغيف رئيس منتدى الوسطية للثقافة والفكر، يتحدث فيه رافضاً وصف العلمانية بالكفر، ويقول بالنص إنه وبحسب علمه أن المؤسسة الدينية وبشكل عام جرى على ألسنتهم قولهم نحن أبناء الدليل، ثم يسترسل في تعريف الدليل قائلاً إن الدليل يعني أن شخصاً ما قد مارَسَ النظر في منهج وبحث علمي وحاول أن ينتزع الأدلة من ذلك البحث، ويقف هنا عند مصطلح العلمانية، حيث يقول إنها مفهوم ظهر في زمن التحالف بين الكنيسة وأمراء أوروبا الذين تحالفوا كرد فعل جراء ممارسات باسم الدين دمّرت أوروبا، حيث تصدى المفكرون والنخب لذلك الوضع، وطالبوا بفصل الكنيسة عن الدولة، ولكن من دون إقصاء الناس عن حرية العقيدة، بدليل أن سائر دول أوروبا هي دول علمانية أو ليبرالية ولم يحدُث أن طالب أحد في تلك الدول بإلغاء المساجد أو الكنائس أو أي من دور العبادة، بل إن حرية العقيدة مصونة. إذاً العلمانية لا تعني الكفر، وإنما تنظّم عمل المؤسسة الدينية بطريقة تجعلها بمنأى عن التدخّل في الشأن السياسي.

العلّامة الفاضل رحيم أبو رغيف يضع اللوم هنا على الإخوان المسلمين والتيارات التي تفرّعت عنهم، سواء كانت سنية أو شيعية، مشيراً إلى أن «الإخوان» هنا تمثّل مدرسة الإسلام السياسي، والتي أخفَقَت في مشروعها بدليل الشواهد العديدة على ذلك من بوكو حرام إلى القاعدة وداعش وغيرهم من المتطرفين القتلة.

قد لا يكون هنالك جديد يُذكر في ما قاله الشيخ العلّامة، لكن ما يستحق الإشارة هنا هو لكونه أحد الأصوات العاقلة التي بدأت في الظهور إعلامياً لتصحيح مسارات فكرية خاطئة كلّفت الأمة الإسلامية أرواحاً وأموالاً ومستقبلاً وحياة وثقافة.

العلّامة رحيم أبو رغيف رجل دين عراقي وصوت عاقل في زمن أصبح فيه العقل غائباً أو مُغيّباً. هو شخصية بارزة في مجال تحديث الفكر الديني وكاتب بارز في مجال الفلسفة وإعادة قراءة التاريخ، وقد أسس في عام 2003 منتدى الوسطية والاعتدال للثقافة والفكر، وهو من أبرز المدافعين عن فكرة أن الدين ميدانه المجال الخاص، وقد يُلامس المجال العام، لكن ذلك لا يجعله بديلاً عن الدولة. كما يؤكد في أغلبية ندواته خلو القرآن والسنة من مفهوم الدولة ومنظومة الأحزاب، ويرى أن الدولة هي نتاج للعقل البشري والتجربة الإنسانية، وأن أفضل أنساق إدارتها هي الأنساق الليبرالية.

عاش العالم الإسلامي في العقود الثمانية الماضية مرحلة من أسوأ مراحله، حيث غَلَبَ الصراع بين العلمانية والدين على كل الأولويات الأخرى، فتراجع كل شيء في مجتمعات الدول الإسلامية بسبب تلك الجدلية التي لم يحسمها إلا مستنيرون وعقلاء كالسيد رحيم أبو رغيف الذي ينظر للدين وللعلم بعين فقيه وعالم وليس سياسياً أو مستفيداً وانتهازياً، ساعياً من خلال حواراته إلى رفع الغشاوة عن أذهان الشعوب الإسلامية تجاه مفاهيم كالعلمانية والليبرالية، وذلك بعد أن أحكَمَت الجماعات السلفية والإخوان المسلمون قبضتهما على الذهنية الإسلامية من خلال برامج دعائية مكثّفة ومُضلّلة هدفها السلطة لا غيرها.

ما يدعو إليه العلّامة رحيم أبو رغيف وغيره هو إعمال للعقل في تفسير الظواهر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بدلاً من إلغائه. أما القول بأن العلمانية تعني إقصاء الدين عن الحياة، فهو قول مُضلّل، بدليل أن دولة مثل أميركا، وبالرغم من علمانيتها، فإنها دولة متدينة إلى حد كبير.

اليوم وفي ظل سيادة الكثير من الأفكار الخاطئة والمُضلّلة عن العلمانية، نحتاج إلى من يملك استنارة رحيم أبو رغيف التي توضّح للأجيال المسلمة الجديدة أن العلمانية تعني التسامح مع كل المعتقدات من قِبَل الدولة التي تقف على المسافة نفسها تجاه جميع الأديان. هي إذاً ليست كفراً، كما روّج لذلك الإخوان المسلمون منذ نشأتهم، هي فقط استخدام ناضج للعقل الذي هو في النهاية هبة ربانية ومعجزة إلهية.

عن "القبس"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية