العنف الإسلاموي تجاه اليسار الجزائري

العنف الإسلاموي تجاه اليسار الجزائري

العنف الإسلاموي تجاه اليسار الجزائري


02/04/2024

سجّل الإسلاميون الجزائريون تنديدهم بإعدام القضاء المصري في عهد الرئيس جمال عبد الناصر المفكر الإسلامي سيّد قطب، وتصدّى شيوخ الحركة الإسلامية بشراسة لسياسات الرئيس هواري بومدين، خصوصاً بعد أن أطلق عليه الشيخ عبد اللطيف سلطان اسم "الهالك"، في مؤلفه الشهير "سهام الإسلام"، الذي صادره الأمن ومنع تداوله في أوساط الطلبة والنخب، إضافة إلى مؤلفه "الاشتراكية أصل المزدكية"، حتى خلص الباحث الفرنسي المتخصّص في حركات الإسلام السياسي فرونسوا بورجا إلى أنّ "عبد اللطيف سلطاني هو الذي وقف ضدّ الربط بين نهج الإسلام ونهج لينين في الجزائر". 

وفي الجامعة؛ تولى الدكتور محمد بوجلخة إمارة الجامعة المركزية، كتنظيم سرّي، وبدأ الصدام بين التيارات والتنظيمات اليمينية واليسارية يخدم السلطة، التي أرادت أن يظهر قادة وأقطاب هذه التنظيمات للعلن وأمام الرأي العام.

يصف الإسلاميون اليساريين بأنّهم "أصحاب الشمال"؛ كما ورد ذكرهم في المصطلح القرآني، (الآية 41 من سورة الواقعة): "وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ"، أي (أهل المشأمة كما جاء ذكرهم في أوّل السورة، أصحاب الشقاء والشؤم، وعليه فهم يعتبرن أنفسهم أصحاب اليمين "الناجين" الضامنين للفوز في الدنيا والآخرة، ونتيجة لهذه الثقة الزائدة؛ أنشأ بعض الأصوليين الإسلاميين مجموعات "للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"؛ لمعاقبة المجاهرين بالمعصية، وتمّ تصعيد الصراع بين اليسار واليمين حول هذه القضايا، إلى أن شهدت الإقامة الجامعية في (بن عكنون) في 2 تشرين الثاني (نوفمبر) 1982 اغتيال الطالب كمال أمزيان، الذي كان يتبع التروتسكيين، وتمّ اغتياله وسط صيحات التكبير، ممّا أنذر ببداية تهديد الإسلاميين بعقد الثمانينيات الذي شهد أول خروج سياسي لمجموعة مصطفى بويعلي، ومجموعة الجهاديين العائدين من أفغانستان.

استغلّ الرئيس الراحل هواري بومدين الإسلاميين؛ لإضفاء شرعية على التصحيح الثوريّ (الانقلاب) الذي قام به ضدّ الرئيس الراحل أحمد بن بلة في العام 1965، لينفجر الصدام بين الشيخ الإبراهيمي وأحمد بن بلة، إذ سبق أن قال الشيخ البشير الإبراهيمي رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين للرئيس الجزائري السابق أحمد بن بلة، في لقاء جمعهما في نيسان (أبريل) 1964، تحدثا فيه عن رمزي "العروبة والإسلام" في الميثاق الجزائري" :إذا كنت حقاً على طريق الإسلام والعروبة، فسأظلّ إلى جانبك، لكن إذا حدت عنهما، فسأكون لك بالمرصاد.

بدأ الشيخ عبد اللطيف سلطاني خطبة صلاة الجمعة بمسجد كتشاوة العثماني في 24 شباط (فبراير) 1963، خلفاً للشيخ البشير الإبراهيمي المبعد من قبل الرئيس أحمد بن بلة بوضعه تحت النظارة الوقتية (الإقامة الجبرية)، ويبدو أنّ الشيخ سلطاني كان يريد لفت انتباه الرئيس أحمد بن بله إليه هو الآخر، فألقى خطبة في 26 آذار (مارس) 1965 ضدّ التوجّهات الاشتراكية للرئيس أحمد بن بلة المعروف بناصريته، وبثّت الخطبة على أمواج الأثير بالإذاعة الوطنية، فتمّ توقيف الشيخ سلطاني، وبعد (83) يوماً أطيح بالرئيس أحمد بن بلة، وأودع الإقامة الجبرية بمدينة المسيلة، وعاد الشيخ سلطاني إلى خطبة الجمعة في تمّوز (يوليو) 1965، بإذن من الرئيس هواري بومدين، لكنّه بحلول شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من العام نفسه، بالغ في التنديد بالاحتفال بعيد الثورة معتبراً إيّاه بدعة، فأبعد إلى مسجد القصبة، لكنّ الشيخ سلطاني صعّد الصراع حين خاض حملة ضدّ وزارة الشؤون الدينية، لرفض توحيد خطبة الجمعة التي تعالج قضية الشعب الفيتنامي، وتخصص موضوعها للدعاء لقادته: هو شي منه، والجنرال جياب بالنصر، فتأكّد للرئيس بومدين مناصبة الشيخ سلطاني العداء للشيوعية العالمية.

 ومع بداية الإعلان عن سياسة "الثورة الزراعية" في العام 1971، تصدّى الشيخ سلطاني رفقة الشيخ العرباوي لعرض مسرحية كاتب ياسين "محمد، خذ حقيبتك، وارحل"...، فقام الرئيس بومدين باعتقال شيوخ الجمعية، الذين كانوا يقفون في وجه طموحه الدولي لريادة "حركة عدم الانحياز".

حاول قادة الحزب الشيوعي فكّ ارتباط الحزب مع النظام، ورفض استعماله الشيوعية كإيديولوجية سلطوية، كما ظهر في المخاطبة التاريخية الشجاعة لأمين عام الحزب الشيوعي، المناضل أحمد عكاش، للرئيس الراحل هواري بومدين حول جدوى سياسة "الثورة الزراعية" (08/11/1971)، معتبراً إيّاها "قراراً خاطئاً". دون الانتباه إلى تقاطع هذا الموقف مع تكفير الإسلاميين لمنتهجي سياسة "الثورة الزراعية"، وافتتاحهم حوارات وطنية "انتخابوية وسياسوية" مسبقة، تنطلق من إشكاليات تعبّدية معقدة، نحو التساؤل مثلاً: "هل يجوز الصلاة على أرض مؤمّمة"؟، أو التشكيك في إعلان السلطة ثبوت رؤية هلال شهر رمضان؟ في مقابل خطاب "استخفافيّ" يساريّ معاكس، نحو: "ما الفائدة من صلاة الاستسقاء؟ على الفلاح الجزائريّ ألّا ينشغل بالتحديق إلى السماء، بل بالاشتغال بالفلاحة على الأرض.

وطوال أعوام من التجاذب والصراع الكبير بين أقطاب اليمين واليسار في الجزائر، لم ينجح تيار الوسط في جذب النقيضين إلى مساحة الاعتدال، ولو حتى بالأطروحات الفكرية، نحو ترويج مجلة (الوحدة) لسان حال الاتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية UNJA، لمفهوم "إسلام الفقراء"، الذي نظّر له زعيم الشيوعيين الجزائريين عبد الحميد بن الزين، كما سجّل اليمينيون العديد من المواقف الحميدة لعبد الحميد بن الزين الذي قال عام 1989: هناك أعضاء كثيرون بحزبنا يدينون بالإسلام، والبعض بالمسيحية، أو اليهودية، أو ينتسبون للفكر الحرّ، ...، ما دام الدين لله والوطن للجميع، ليس من حقّنا أن نوظّف الدين لأغراض سياسية ...، هناك إسلام الفقراء وإسلام الأغنياء، ونحن مع إسلام الفقراء".  

يقول الزعيم الراحل فرحات عباس: إنّ ركون الجزائريين للزوايا الصوفية كان بسبب الجهل والأمّية التي كرّسها الاستعمار، فذكّر بما كتبه بلاسكو إيبانيز عندما كانت إسبانيا لا تحسن القراءة، كانت منهمكة في الصلاة"، فلولا التنوير الذي جاء به شيوخ الإصلاح والنهضة في المشرق العربي، لبقي الجزائريون سجيني الإسلام الدروشي. وأبدى فرحات عباس إعجابه الكبير بدور الشيخ محمد عبده في نشر التنوير، وهو الذي زار الجزائر في العام 1903، للتعرّف على جهود شيوخها في نشر التعليم، وإعادة تفعيل التعاليم الدينية المعطّلة لأكثر من قرن وربع القرن في ظلّ الاحتلال الفرنسيّ. 

اعتمد الرئيس الراحل هواري بومدين تكتيكات سياسية مختلفة جعلته يوظّف اليمين واليسار في خدمة الحزب الواحد، فإن كان قد حيّد اليمين خلال الفترة (1965ـ1971) بعد التصحيح الثوريّ والخلاص من الرئيس السابق أحمد بن بلة 19 حزيران (يونيو) 1965، فقد احتاج بعد إعلانه تأميم النفط في 24 شباط (فبراير) 1971 إلى الدخول في حقبة جديدة من الطرح الاشتراكيّ باستخدام اليسار خلال حقبة التأميمات (1971ـ 1978).




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية