الغنوشي وديمرتاش وتناقضات أردوغان

الغنوشي وديمرتاش وتناقضات أردوغان

الغنوشي وديمرتاش وتناقضات أردوغان


27/04/2023

مختار الدبابي

توجهت قوى الأمن لمنزل زعيم الحزب، اعتقلته واقتادته إلى مقر أمني معروف ووجهت له تهمة التحريض.

يبدو الأمر وكأننا نتحدث عن رئيس حركة النهضة الإسلامية في تونس راشد الغنوشي وتوقيفه واتهامه بالتحريض. لكن هذا ما حدث في تركيا منذ سنوات قليلة، ولم تعترض تونس، لا الرئاسة ولا رئاسة البرلمان عندما كان الغنوشي يمارس وظيفة التدخل في السياسة الخارجية ويتصرف كرئيس ورئيس دولة ووزير خارجية معا للاحتجاج على اعتقال رئيس حزب الشعوب الديمقراطي التركي صلاح الدين ديمرتاش.

لم يتضامن الغنوشي مع زميله البرلماني التركي ولم يتصل بالرئيس رجب طيب أردوغان للاحتجاج، ولا لإظهار التضامن الذي تفرضه الأخلاقيات البرلمانية الدولية، ولم يطلب من صديقه العفو عن الزميل.

لكن الرئيس التركي سعى للتدخل لدى الرئيس التونسي قيس سعيد لمعرفة وضع الغنوشي، وحين لم يجد بابا للتواصل مع الرئيس التونسي، مال لإظهار تعاطفه مع الغنوشي. ولا يعرف ما إذا كانت الرئاسة التونسية قد رفضت هذا الاتصال مثلما تتحدث عن ذلك حسابات في مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال أردوغان “الإدارة الحالية في تونس أوقفت أخي الغنوشي. لم نتمكن بعد من التواصل مع السلطات في تونس عبر الهاتف لكننا سنواصل محاولة الوصول إليهم. وفي حال تمكنا من الحديث معهم، سنخبرهم بأننا لا نرى هذا (إيقاف الغنوشي) مناسبا”.

من حق أردوغان أن يتصل ويسأل ويتدخل لدعم صديقه الغنوشي. لكن السؤال هنا: لماذا ترفض تركيا أي تدخلات في موضوع ديمرتاش مع أنه يلتقي مع الغنوشي في عناصر كثيرة، فكلاهما رئيس حزب، وعضو في برلمان، ومتهم بالتحريض.

لماذا يقول رئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب في حديثه عن توقيف الغنوشي إن “النضال السياسي يجب أن يكون بين السياسيين وبالأساليب السياسية”، ولا تتم معاملة ديمرتاش بالأساليب السياسية التي تريد تركيا من تونس أن تلتزم بها في معاملة الغنوشي.

هل تجد تركيا لنفسها المبررات الكافية لتوقيف رئيس حزب وحبسه لسنوات ثم تطالب تونس بعكس ما تبيحه لنفسها، خاصة أن ما قامت به السلطات التركية هو نسخة مطابقة للإجراء بحق الغنوشي وحزبه.

واعتقلت السلطات التركية ديمرتاش في 4 أكتوبر 2016 مع الرئيسة المشتركة السابقة للحزب فيغن يوكسكداغ، وعددا من نواب الحزب في البرلمان بتهمة التعاون مع حزب العمال الكردستاني.

يشار إلى أن ديمرتاش عرف بمواقفه التي تنتقد سياسات الرئيس التركي وسعيه لتلبيس الديني بالسياسي بقوله إن “أردوغان يرى في السياسة وسيلة لتحقيق سلطة شخصية، ويرى نفسه زعيما دينيا للخلافة الإسلامية”. وهذا يعني أن السياسي التركي الموقوف منذ سنوات هو خصم سياسي لأردوغان، وأن إدارة الخلاف معه يجب أن تكون سياسيا وانتخابيا وليس عن طريق الزج به في السجن.

وكان ديمرتاش يدعو البرلمان التركي باستمرار إلى الاعتراف بالهوية الكردية وباللغة والثقافة الكرديتين. والأكراد يشكلون ثاني أكبر قومية في البلاد، ويبلغ عددهم ما بين 20 و25 مليون نسمة من أصل عدد سكان تركيا البالغ 80 مليون نسمة.

وإذا كان الرئيس التركي يرفض أي تدخلات خارجية في الشأن الداخلي لبلاده، وأساسا الاعتقالات والمحاكمات التي طالت الآلاف من اتجاهات مختلفة من أنصار الأكراد إلى أنصار حليف الأمس فتح الله غولن الذي تتهمه تركيا بأنه “العقل المدبر” لانقلاب 2016، فلماذا يصادر حق تونس في أن تتولى توقيف عناصر تتهمهم بأنهم “يتآمرون على أمن الدولة”، أيا كانت أسماؤهم وانتماءاتهم.

أن تكون تهمة التآمر على أمن الدولة غير واضحة أو غير مكتملة أو أن هيئة الدفاع عن الغنوشي تعتبرها فضفاضة أو دون أدلة، فذلك أمر تونسي خالص يحسمه القضاء ومرافعات المحامين والجدل السياسي الداخلي، تماما مثلما يطالب أردوغان بأن يكف العالم عن الحديث في شؤون بلاده الداخلية مع فارق شاسع بين حجم التوقيفات في تونس وحجمها في تركيا.

ويفترض أن يراعي الرئيس التركي المنطق الذي يعتمده في إدارة الشأن الداخلي. ومثلما أن لديه حساسية كبرى تجاه التدخلات الخارجية، والملاحظات بشأن ملفات حقوق الإنسان والحريات العامة والخاصة، ويعتبرها مسّا بالسيادة التركية، فمن واجبه احترام حساسية الآخرين في موضوع السيادة خاصة حين تأتي الملاحظات بشأنها من جهات لا مصداقية لها ولا تقاليد في احترام حقوق الإنسان.

وهذه المفارقة كان أشار إليها قيس سعيد حين ألمح في شريط فيديو منذ أيام إلى أن دولا تنتقد تونس وفي نفس الوقت هي تعتقل مواطنين وسياسيين ولكننا لم نتدخل، في إشارة واضحة إلى أردوغان وبيان الخارجية التركية حول موضوع الغنوشي.

ويرفض الرئيس التونسي أيّ شكل من أشكال التدخلات الخارجية تحت عناوين حقوق الإنسان والديمقراطية ونصائح الجمعيات الحقوقية والمدنية، ويعتبر ذلك مسّا بالسيادة التونسية.

وقال منذ أيام إن بلاده “ترفض التدخل في شؤونها الداخلية لأنها ليست تحت الانتداب ولا الوصاية”، وهي رسالة تتكرر باستمرار لتأكيد أن قيس سعيد لا يقبل من أي جهة الاقتراب من ملف السيادة.

ومن المهم الإشارة إلى أن التدخلات الخارجية التي تحمل عناوين حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية باتت محل شكوك في دول العالم الثالث مع ارتباطها (تلك التدخلات) بالأجندات السياسية. فهناك دول لا توجه لها أي انتقادات بالرغم من أن سجلها الحقوقي مثار تساؤلات، ودول أخرى يتم التشهير بها والضغط عليها من خلال حملات حقوقية وإعلامية، مع أن وضعيتهما متشابهة، وأحيانا يكون سجل الدولة التي يتم انتقادها أفضل وأكثر شفافية.

وزادت المنظمات الحقوقية بوجوهها المختلفة من حجم هذه الشكوك، بما في ذلك المنظمات المحلية خاصة لارتباطها بالتمويل الخارجي، الذي يجعلها مجرد واجهة لترديد تقارير جاهزة أو لإعداد تقارير تحت الطلب، مع أن دورها مهم داخليا حين تعتمد على ذاتها وبإمكانياتها الخاصة وتحتكم لرؤية إصلاحية تقودها إلى تفضيل خيار التعديل المتصاعد بدل الشروط التعجيزية.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية