الفقهي والسياسي وما بينهما

الفقهي والسياسي وما بينهما

الفقهي والسياسي وما بينهما


07/05/2024

ماهر فرغلي

العلاقات بين «الإخوان» وإيران، وكذا بين «القاعدة» والحوثيين، هى حثيثة ومستمرة وقوية، وهناك سؤال جدى مطروح دائماً، حول هذا الأمر، وكيف تجاوز كل هؤلاء الأيديولوجيا والعقدى المختلف عليه، وكيف تسير وإلى متى؟دعونا أولاً نعرف الأسباب التى تدعو «طهران» إلى تدعيم وتقوية روابط هذه العلاقة، وأهمها أن الميليشيات والفصائل هى أداة قوية للتمدد ونشر الرعب والضغط والوجود الإيرانى، وهو أسلوب قديم يقوم عليه المشروع الإيرانى الكبير فى دول المنطقة، وهى لم تفرق فى ذلك ما بين الشيعية منها أو قوات الحشد الشعبية أو السنية.

وأعتقد أن «الإيرانى» لا يخرج عن مشروع الإسلام السياسى جملة وتفصيلاً، فهو مشروع قائم على الأستاذية أو المهدوية، الذى يصل فى النهاية إلى خلافة، وهنا تكسب كل هذه الأطراف معاً، فـ«الإخوان» و«القاعدة» و«داعش» يتمددون. و«الإيرانى» موجود، وهو ما تم بالفعل بسيطرتهم السياسية على عواصم عربية، ووجودهم فى أهم الملفات العربية والإسلامية وهو فلسطين.

فى الناحية الأخرى، سنجد أن نظرة تيارات الإسلام السياسى السنية محدودة للغاية، فعلى سبيل المثال سنجد «الإخوان»، ومنهم «حماس»، يرون أن إيران دولة إسلامية، ويجوز التمويل منها، والاستعانة بها، فيما يرى «القاعدة» أنه يجوز الاستعانة بـ«طهران» والإقامة فيها وتلقى الدعم منها، إلا أن «داعش» هو الوحيد الذى يكفر إيران وشعبها على العموم.

إذاً تلاقت الأهداف بين كل الأطراف، وهنا كان لا بد من الخروج من أزمات الفقه وهى التى تتصادم فى نواحٍ كثيرةٍ مع الرؤى السياسية والاستراتيجيات، وفى الجانب الإيرانى تجاوز مثل هذه الأمور سهل لأنها دولة وتتصرف وفق هذا المنطق، إضافة لمنطق المشروع الكبير فى المنطقة.

أما تيارات الإسلام السياسى فهى تقوم بتخريج وشرعنة هذه العلاقة وفق منطق يطلقون عليه فقه الحركة، أو فقه الواقع، وهو الفقه الذى يلخص معنى أن التنظيم والجماعة لها فقهها الخاص بها، الذى يغاير الفقه القديم، ويختلف عن فقه الجماعات الأخرى، وعن الشعوب التى انبثقت منها العناصر المنضوية تحت هذه التنظيمات.

إن فقه الحركة هو جزء من فقه الواقع، أو الضرورات التى يجيزون فيها ارتكاب المحرمات أو فعل ما لا يجوز حالة الضرورة، لذا فالتحالف مع الإيرانيين يجوز فى فقه «القاعدة» و«الإخوان»، والتفجيرات الانتحارية وقتل الفصائل المناوئة، وارتكاب بعض الجرائم، جائز فى عرف تلك الجماعات لأنها حالة من حالات الضرورة وفق فقه الحركة ذاتها!

هذا على المستوى الأكبر وهو التنظيمات، وأما المستوى الأصغر، وهو العنصر المنضوى، فهو يطبق فقه الحركة والواقع فى تصرفاته الطبيعية داخل التنظيم أو خارجه، فهو يمكن أن يكذب ويدارى ويتلون.. إلخ، طالما أن ذلك سيحقق له مهمته التى كلفه بها التنظيم.

وإذا طبقنا ما سبق على تنظيم القاعدة فى جزيرة العرب، وهو أكبر فروع هذا التنظيم الإرهابى، عن علاقته بالحوثيين سنجد ما يلى، أولاً: إطلاق ميليشيا الحوثى لقيادات وعناصر من التنظيم، خلال السنوات الماضية، وهذا ما أكدته مصادر أمنية وإعلامية يمنية.

ثانياً: توقّف عمليات تنظيم القاعدة تماماً منذ أكثر من ثلاث سنوات ضد ميليشيا الحوثى، بينما معسكراته تقع بالقرب من معسكرات ميليشيا الحوثى، على حدود محافظتى شبوة وأبين من جهة والبيضاء من جهة أخرى.

ثالثاً: الطيران المسير الذى قد حصل لتنظيم القاعدة عليه وهو نسخة من نفس الطائرات التى تملكها ميليشيا الحوثى عن طريق خبرات إيرانية، وقد أشار التقرير الأمنى لخبراء الأمم المتحدة إلى ذلك.

ولو لاحظنا فى النقاط السابقة سنجد أن المسألة هنا سياسية فى المقام الأول وليست فقهية، وهى تحقق مصالح للطرفين فى داخل دائرة الإسلام السياسى العريض، وهو المهدوية الإيرانية، وحكم الهاشمية الحوثى، والخلافة الإسلامية لـ«القاعدة».

الخلاصة من هذا الكلام أن تجاوز الأيديولوجيا سهل للغاية، فهناك تخريجات كثيرة ترى أن هناك فرقاً واسعاً بين الحكم الفقهى والسياسى، وضبط هذه العملية لا يحتاج إلى فقهاء سياسيين أو دينيين لأن كل هذه الفصائل والتنظيمات لديها فقهها الخاص ومن يفتون لها تحت عنوان عريض فى أصول الفقه وهو: الضرورات تبيح المحظورات.

عن "الوطن"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية