القاهرة تعمل على تعطيل حركة تنظيم القاعدة المتحفز إقليمياً

القاهرة تعمل على تعطيل حركة تنظيم القاعدة المتحفز إقليمياً


05/02/2022

هشام النجار

كشف الحكم الذي صدر قبل أيام في مصر على مديّن إبراهيم حسنين الذي يُعرف بمفتي جبهة النصرة عن حرص القاهرة على تفكيك شبكة تنظيم القاعدة الإقليمية وتثبيت دورها في مجال الاستخبارات وإنفاذ القانون لإعاقة خطط القاعدة في التمدد عربيًا وأفريقيًا.

وأصدرت محكمة أمن الدولة طوارئ حكمًا بالمؤبد على مديّن حسنين مصري الجنسية وعاقبت 13 متهمًا بالسجن المؤبد و3 آخرين بالسجن المشدد 15 سنة وإدراج المتهمين على قوائم الكيانات الإرهابية وتغريمهم متضامنين بمبلغ 3 ملايين جنيه (نحو 2 مليون دولار) على خلفية تورطهم في القضية المعروفة إعلاميًا بجبهة النصرة.

وعكست تفاصيل القضية مدى انخراط جهاديين من مصر في ما جرى من صراعات وأحداث في محيطها الإقليمي وفي المنطقة العربية، خاصة على الساحة السورية على مدار السنوات العشر الماضية.

وكشفت القضية من بداياتها بعد تسلم المتهم الرئيسي (مديّن حسنين) من السلطات السودانية وكان يعمل إماما وخطيبا في مسجد تابع لوزارة الأوقاف وحتى نطق الحكم في الثالث والعشرين من يناير الماضي مستندًا إلى الحيثيات التي ذكرتها النيابة، عن مدى التركيز الملحوظ على ارتباطات جهاديين مصريين الخارجية، كون السبب الرئيسي في الإدانة مشاركة المتهمين في نشاط إرهابي إقليمي خارج حدود البلاد ملتحقين بفرع القاعدة في سوريا من خلال شبكة نشطت في مد التنظيمات الجهادية الناشطة على الساحة السورية بمقاتلين ومفتين شرعيين من مصر.

وتوافرت شواهد سابقة أكدت حرص مصر على ملاحقة النشاط الإرهابي الإقليمي لجهاديين يحملون جنسيتها قضائيًا، خاصة ما جرى مع الجماعة الإسلامية المصرية وهي صاحبة الجهد الأوفر في سياق نقل المقاتلين والشرعيين من مختلف الجماعات الأصولية في مصر إلى سوريا وغيرها من الدول العربية منذ العام 2012، ليس فقط من خلال الجهد المعلن تحت عنوان "حركة الأنصار" التي أسسها القيادي المعروف في الجماعة عاصم عبدالماجد وكانت تضطلع بشكل معلن بمهمة تسفير الشباب الراغبين في القتال ضد نظام الرئيس بشار الأسد، إنما أيضًا بجهود خفية لعدد من قيادات الجماعة من الشباب غير المعروفين إعلاميًا مثل القيادي وائل دهب.

وكان العامل الرئيسي في إدراج الجماعة الإسلامية على قائمة الكيانات الإرهابية وفق قرار محكمة جنايات القاهرة رقم 1367 لسنة 2018 والذي نشرته الجريدة الرسمية في حينه ووضع أكثر من مئة قيادي داخل الجماعة ضمن قوائم الإرهاب، هو ما قام به قادتها من دور في دعم نشاط تنظيم القاعدة الإقليمي بين سوريا وليبيا ومصر وتونس والسودان وتركيا بالقيام بمهام لوجستية وتسفير مقاتلين، فضلًا عن ارتباط قادتها بقادة إرهابيين أجانب والمشاركة في تكوين خلايا مسلحة متنقلة، وليس فقط بسبب دعم الجماعة الإسلامية للإخوان بانخراطها في ما عرف بتحالف دعم الشرعية.

إنجاز ناقص

يقع الحكم الأخير ضد مفتي جبهة النصرة مديّن حسنين في صميم الاستراتيجية المصرية الحالية في مكافحة الإرهاب والتي تضع مكافحة الإرهاب الإقليمي على رأس أولوياتها، حيث تحرص القاهرة على تطوير أداء وتعاون الأجهزة الأمنية في الإقليم وعلى المستوى الأفريقي والعربي لتعطيل حركة شبكات القاعدة بعد ما أظهرته الأحداث وتفاصيل القضايا التي اطلعت على أسرار هذا النشاط من روابط بين خلايا القاعدة وما يجري بينها من اتصالات وتنسيق وتحويلات مالية.

ويواكب النشاط المصري لتوثيق التعاون الاستخباراتي والأمني عربيًا وأفريقيًا لتفكيك الطبيعة الشبكية لحركة القاعدة في هذا المجال إعادة ترتيب تنظيم القاعدة لأوراقه وبعث حيويته العابرة للحدود في ساحات مثل شرق أفريقيا والمغرب ومنطقة الساحل الأفريقي، علاوة على سوريا واليمن مستندًا على حضور مركزي مكثف في كل من أفغانستان وباكستان وشبه القارة الهندية.

وتتوخى الحكومة المصرية سد الخلل عربيًا وأفريقيًا عقب حالة التراخي التي أصابت جهود مكافحة الإرهاب العالمية، وعدم إعطاء القاعدة فرص التخطيط لاستغلال نجاح طالبان في الاستيلاء على السلطة في أفغانستان بالنظر إلى علاقاته الوثيقة مع طالبان أفغانستان وطالبان باكستان لتقوية وتغذية نشاطات فروعه في المنطقة العربية وفي أفريقيا.

وتدرك القاهرة أن إنجازها في مجال مكافحة الإرهاب الذي قلل كثيرًا من نفوذ القاعدة وغيره من الجماعات الجهادية الرئيسية بالداخل يظل ناقصًا بالنظر إلى تزايد نشاطات القاعدة والوجود الجهادي عمومًا في ساحات بديلة، ولذا فهي تحرص على تشبيك حالة إقليمية وعربية من تماثل الإرادة والتعاون الاستخباراتي والأمني بهدف جعل النشاط الإرهابي الإقليمي عند أدنى مستوياته ومنعه من التخطيط للتمدد والتغلغل من منطلق ما أحرزته الحالة الجهادية من رفع لمعنويات الجهاديين بعد انتصارات طالبان في أفغانستان مقابل تضاؤل التزامات الدول الغربية.

وتنظر القاهرة إلى دورها في توثيق وتطوير التعاون الأمني والاستخباراتي في تقويض نشاط القاعدة في أفريقيا كأحد رافعات حضورها واستعادة علاقاتها الجيدة مع دول القارة التي تعاني من توغل القاعدة الذي يعتبرها أكثر مسارح تطوره الواعدة خاصة في الصومال وفي منطقة الساحل.

المتجولون بين الجماعات

كشفت القضية التي أدين فيها القيادي التكفيري المصري مديّن حسنين الذي يُعرف بمفتي جبهة النصرة عن بُعدين رئيسيين لحركية خلايا التكفير والعنف المسلح إقليميًا خلال مرحلة ما بعد انطلاق ما عُرف بثورات الربيع العربي.

وعلى الرغم من الخلافات الكبيرة والتباين الظاهر بين التنظيمات التي تختلف في مسمياتها وعناوينها ويحتدم التنافس بين قادتها بشكل عنيف، إلا أن الأحداث أثبتت أن الأفراد بداخلها متعاونون في سياق الارتباط بهدف كلي تفرضه المرحلة كالسعي للهيمنة على السلطة بالمنطقة العربية.

واستقطب المتجولون خلال هذه المرحلة عددًا كبيرًا من معتنقي الفكر التكفيري الذين لا يزالون يعتنقون أدبيات جماعة التكفير والهجرة و”جماعة الشوقيين”، علاوة على عدد كبير من عناصر حركة “حازمون” الموالية لحازم صلاح أبوإسماعيل الموجود حاليا في أحد السجون المصرية، فضلًا عن عناصر من جماعة الإخوان والجماعة الإسلامية وجماعات جهادية أخرى حديثة النشأة جرى تشكيلها بعد عزل جماعة الإخوان عن السلطة في يونيو 2013.

واتضح ذلك من مفارقات حركة تسفير الشباب من مختلف الدول العربية للقتال في سوريا، وإن كانوا ذاهبين للانخراط في صفوف القاعدة، فهم ينتمون في الأصل إلى جماعات أخرى وفصائل سلفية وجهادية، إلى درجة أن من اضطلع وقتها بهذا الملف وتحكم في سمسرة التسفير أُطلق عليهم وصف “المتجولين بين الجماعات”، حيث جندوا شبابًا من مجموعات جهادية لا يربط بينها رابط تنظيمي وتحتدم بينها الخلافات الفكرية والفقهية.

وينتمي مديّن حسنين الذي كان قد حُكم عليه غيابيًا بالسجن المشدد لمدة 15 عامًا في عام 2013 مع 16 آخرين بينهم هاربون إلى الخارج قبل تسلمه من السودان مؤخرًا في القضية المعروفة بإسم “عنف الشرقية” المتعلقة بقتل ضباط وأفراد شرطة والتحريض على الإرهاب، إلى جماعة “الشوقيين” التكفيرية التي أسسها شوقي الشيخ بمحافظة الفيوم في جنوب غرب مصر في سبعينات القرن الماضي، ومنهم من يقول إنه ينتمي إلى مجموعة شكري مصطفى التي عُرفت بتنظيم التكفير والهجرة.

وأسس قبل سفره إلى سوريا عن طريق تركيا تنظيمًا أطلق عليه "أنصار الشريعة" بمحافظة الشرقية ونشط في التحريض على قتل ضباط الشرطة والجيش، مستغلًا أحداث الثورة على نظام الرئيس الراحل حسني مبارك، ومشكلًا خلايا تكفيرية تابعة لمركز تنظيمه بمحافظات بني سويف والجيزة والفيوم، وجرى اعتقاله ووضعه في سجن وادي النطرون شديد الحراسة، وهرب عقب أحداث ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 رفقة قادة الإخوان، وفي مقدمتهم محمد مرسي الذي كان محبوسًا في غرفة مجاورة له.

ومن خلال اعترافات مدين حسنين الذي يحمل كنية أبوعبدالله يتبين أنه التحق في العام 2014 بتنظيم القاعدة في سوريا ضمن صفوف مجموعتي جند الأقصى وجبهة النصرة، وتولى فيهما مسؤولية الإفتاء والإعداد التثقيفي، وفي غضون شهر أبريل عام 2014 عاد متسللًا من سوريا إلى تركيا وسافر منها إلى السودان.

وشمل نشاطه تجنيد الشباب وشحنهم بالفكر التكفيري ضمن اللجان الإلكترونية وبرامج التواصل وجمع ونقل المعلومات والمراقبة، بالإضافة إلى الأعمال القتالية ومعسكرات التدريب المسلح.

مواكبة التطور الجهادي

البعد الثاني الذي شكل طبيعة هذه المرحلة والذي كشفت عنه القضية التي حُوكم بشأنها القيادي التكفيري مديّن حسنين هو ظهور مجموعة كبيرة من المتطرفين الكامنين الذين كانوا يعملون بشكل اعتيادي ضمن وزارات في الدولة المصرية، وأيضًا ظهور منتمين إلى جماعات تكفيرية منسية كانت ناشطة في حقبة السبعينات من القرن الماضي، مثل خلايا معتنقة لفكر جماعة التكفير والهجرة وجماعة “الشوقيين”.

وأظهر هذا التطور قدرة تنظيم القاعدة على تحفيز الخلايا التكفيرية الكامنة على معاودة نشاطها وإغراء تلك المجموعات عبر مسار تمرد سياسي يعد بالهيمنة وإحراز انتصارات غير مسبوقة عجز الجهاديون عن تحقيقها في السابق بجهودهم المنفردة، مروجًا لما أحرزه من إنجازات عسكرية في كل من أفغانستان والصومال واليمن والعراق ومالي وسوريا ولبنان.

وعكس حرص مصر على تفكيك شبكة تنظيم القاعدة الإقليمية وتقويض حركة مقاتليه وشرعييه بين الدول العربية وملاحقة تلك النشاطات استخباراتيا وقضائيًا عمق إدراكها للتطورات التي طرأت على نشاط القاعدة خلال مرحلة ما بعد الثورات العربية، حيث تعلم من أخطائه وقام بتكييف هياكله وتكتيكاته، ورغم الخلافات وبعض الانتكاسات بقيت فروعه مترابطة وبقي التنظيم الشبكي العالمي متحدًا تحت قيادة المصري أيمن الظواهري الذي يقدم توجيهاته لأتباعه في العالم بين الحين والآخر من مكان مجهول.

وتراقب القاهرة عن كثب مقدرة فروع القاعدة على اكتساب الشرعية وربط نفسها بالنسيج الاجتماعي والسياسي ببعض الدول الضعيفة والهشة مستقية إلهامها من قصة صعود طالبان، ما يعني أن الأسباب الموضوعية لمعاودة التنظيم لتمدده في معاقله التقليدية المستهدفة لا تزال مستمرة.

وعلاوة على ما يمثله استمرار سلطة القاعدة تحت عنوان هيئة تحرير الشام بمحافظة إدلب شمال سوريا وسيطرتها على مساحة واسعة من الأرض للجهاديين العرب، هناك جماعة حراس الدين الأكثر ارتباطًا بأهداف القاعدة الإقليمية والعالمية، وعلى الرغم مما أصابها من وهن إلا أنها لا تزال قادرة على تنسيق نشاطاتها مع جماعات سلفية جهادية يسيطر عليها مقاتلون أجانب.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية