المؤتمر العام لحركة النهضة الإخوانية.. محاولة يائسة لحركة تعيش خريفها السياسي

المؤتمر العام لحركة النهضة الإخوانية.. محاولة يائسة لحركة تعيش خريفها السياسي

المؤتمر العام لحركة النهضة الإخوانية.. محاولة يائسة لحركة تعيش خريفها السياسي


28/08/2023

تعيش حركة النهضة التونسية الإخوانية أجواء سياسية نزعت عنها كافة عناصر الدعم والزخم الذي عرفته خلال عقد كامل؛ ممّا جعل الحركة تعيش حالة من العزلة المجتمعية. وبالتزامن مع ذلك، أعلنت حركة النهضة خلال مطلع شهر آب (أغسطس) الجاري عن تنظيم مؤتمرها العام خلال نهاية شهر تشرين الأول (أكتوبر) المقبل.

في تلك الظروف التي شهدت اعتقال القيادات الكبرى، لا سيّما راشد الغنوشي، يقود حركة النهضة المنذر الونيسي الذي يُعدّ من قيادات الصف الثاني، والذي لم يصادف نجاحاً لافتاً في بلورة بنية الحركة بعد سقوط الأعضاء الكبار، مرة بالقبض عليهم، وأخرى بتقديم الاستقالات، كما فشلت الحركة وجبهة الخلاص في تحركاتهما لتأجيج الأوضاع وتثوير الشعب والجماهير في تونس، على خلفية الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

إلى ذلك، وخلال اليوم التالي للإعلان عن المؤتمر، قدّم القيادي الإخواني، صاحب فضائية (قناة الزيتونة) أسامة بن سالم، استقالته من رئاسة لجنة التنظيم للمؤتمر الـ (11) لحركة النهضة، ليقدّم ورقة جديدة في مشهد خريف التنظيم.

من الظل إلى محاولة إنقاذ التنظيم

يُعدّ منذر الونيسي من القيادات التي عاشت كثيراً في الظل، ولم تُمنح لها فرصة البروز في وجود قيادات أخرى تاريخية.

انتمى الونيسي إلى الإخوان في العام 1984، وظلّ ينشط داخل الجماعة حتى تمّ انتخابه عضواً بمجلس شورى حركة النهضة خلال المؤتمر العام العاشر. وتقلد الونيسي عضوية المكتب التنفيذي للحركة في 2021-2022، وتمّ تعيينه في منصب نائب رئيس حركة النهضة منذ شهر آب (أغسطس) 2021.

وسبق لمنذر الونيسي أن تقلد منصب مستشار وزير الصحة التونسي عبد اللطيف المكي، بين عامي 2012 و2013 في حكومة حمادي الجبالي، وهي أول حكومة تشكلها النهضة بعد انتخابات العام 2011، عقب سقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.

تعيش حركة النهضة التونسية الإخوانية أجواء سياسية نزعت عنها كافة عناصر الدعم

وبحسب معلومات مرجحة لمصادر مطلعة، فضلت عدم الكشف عن هويتها، فإنّ منذر الونيسي سيترشح لرئاسة الحركة خلال المؤتمر الـ (11) للحزب، وخاصّة أنّ جناحه استطاع تغليب رأيه في ضرورة عقد مؤتمر الحزب، حتى وإن كان راشد الغنوشي غائباً عن المشهد السياسي، فضلاً عن كون الإعلان عن موعد المؤتمر  يمثل ضغطاً بشكل أو بآخر على النظام السياسي، ويدفع بفرضية المواجهة من جديد، وهو الأمر الذي تراه الحركة من ناحيتها يراكم رصيد المظلومية، ويدعم توجهاتها لدى الشارع التونسي، بيد أنّ واقع الأمور يشي بكثير من الحقائق، يصعب إغفالها في هذا الشأن، ويأتي في مقدمتها أنّ حركة النهضة ورديفها جبهة الخلاص فقدتا كافة الحواضن الاجتماعية في الشارع التونسي، ولم يعد للحركة أيّ فاعلية يمكن الاستناد إليها أو الاعتماد عليها.

منذر الونيسي سيترشح لرئاسة الحركة خلال المؤتمر الـ (11) للحزب، وخاصّة أنّ جناحه استطاع تغليب رأيه في ضرورة عقد مؤتمر الحزب

في هذا السياق، يشير الكاتب التونسي مراد علالة إلى أنّ ثمّة تواتراً لجملة من التصريحات المتفائلة، والتي جاءت على لسان أكثر من قيادي من تنظيم النهضة، وخصوصاً رئيسها بالنيابة منذر الونيسي، وهي تصريحات تبشّر النهضويين بأنّ المؤتمر الذي طال انتظاره سينعقد أخيراً في النصف الثاني من شهر تشرين الأول (أكتوبر) القادم.

ويتابع علالة تصريحاته لـ (حفريات) لافتاً إلى أنّه، في المقابل، لا شيء في الميدان، وفي الساحة التونسية بالتحديد، يفيد بأنّ استحقاقاً تنظيمياً في مستوى مؤتمر حركة النهضة في طريق الإنجاز والتحقق.

خيارات محدودة شديدة التعقيد

يمكن تفسير هذه المفارقة بوجود النهضة أمام خيارات قليلة، وهي خيارات مركّبة يتداخل فيها كثير من العناصر الداخلية، وبالدرجة نفسها، وربما أكثر، العناصر الخارجية؛ لأنّنا لا يمكن أن نتحدث عن المؤتمر الـ (11) للنهضة دون أن نقرأ جيداً تجربة الإخوان المسلمين في أكثر من بلد في العالم العربي، وخصوصاً في الأردن ومصر والجزائر، فقد عملوا على الاستفادة من التشريعات والآليات القائمة لاختراق مؤسسات الدولة، بدءاً بالجمعيات الخيرية، مروراً بالبرلمان، ووصولاً إلى المؤسسة العسكرية والأمنية، وكأنّنا هنا إزاء جماعة بجناحين؛ جناح سرّي وفيّ لتقاليد المؤسسين، وجناح علني يستفيد من هامش الحريات الذي تضمنه الدولة المدنية، في انتظار دولة الخلافة.

ويطرح الكاتب التونسي مراد علالة تصوره لأفق مسار حركة النهضة، مؤكداً أنّه  غير بعيد عن هذا السيناريو أنّ حركة  النهضة تنتوي عقد مؤتمرها القادم؛ من خلال شرط يصعب تحقيقه في الوقت الحاضر، وهو انفتاح السلطة على النهضة، وهو أمر مستبعد، رغم الرسائل الجميلة التي يوجهها كل يوم القابض على التنظيم منذر الونيسي مباشرة للرئيس قيس سعيّد، والتأكيد على أنّ النهضة في صورة رفع الحجر عنها، واستعادة مقراتها، ومعاملة قادتها في السجن بشكل آخر، وتمكينها من عقد مؤتمرها العلني، وستقوم بالمراجعات الضرورية، وستكون شريكاً إيجابياً في الحكم، وطرفاً في حوار وطني بقيادة قيس سعيّد.

مراد علالة: لا شيء في الميدان، وفي الساحة التونسية بالتحديد، يفيد بأنّ استحقاقاً تنظيمياً في مستوى مؤتمر حركة النهضة في طريق الإنجاز والتحقق

في هذه الأثناء، ثمّة جناح ثانٍ للإسلاميين الذين خرج أغلبهم من التنظيم الأم، بقيادة المخضرم القوي عبد اللطيف المكي، الذي أسس حزب (العمل والإنجاز)، والذي استقطب في وقت قياسي كثيراً من الأسماء البارزة والوازنة، مثل: زبير الشهودي، المرافق الشخصي والمسؤول السابق عن مكتب راشد الغنوشي، ويرى في المكي الذي عايش المؤسسين، وهو اليوم قريب من الشباب، القائد المثالي للمرحلة القادمة، وهو القائد الذي لا يتصادم مع المجتمع، ولا مع السلطة.

ويختتم الكاتب مراد علاله تصريحاته لـ (حفريات) بقوله، اعتماداً على هذه المعطيات، إنّ وضع الإسلاميين ليس مريحاً، وليسوا محدّدين في الاستحقاق الانتخابي الرئاسي مثلاً في العام 2024، خصوصاً أنّهم كانوا على الهامش، ولم يستطيعوا قلب المعادلات، ولم تنجح دعواتهم لمقاطعة الانتخابات التشريعية الأخيرة، وقبلها الاستفتاء على الدستور، وليس ذلك بحكم قوة الرئيس قيس سعيّد فقط، وإنّما أيضاً نتيجة مزاج شعبي حسم في جزء كبير منه مع الإسلام السياسي، دون أن ننسى انضباط مؤسسات الدولة المدنية. 

محاولات العودة إلى المشهد

أكد رئيس الحركة بالوكالة منذر الونيسي، في بيان له، أنّ عقد مؤتمر الحركة يكرس "التمسّك بحياة سياسية مسؤولة، والسعي لتقييم جدي لمشاركتها في إدارة عشرية الانتقال الديمقراطي الصعب، وكذلك التعبير عن الإرادة في تجديد عرضها السياسي، وبرنامجها الوطني المستقبلي".

ودعا البيان مناضلي النهضة ومنخرطيها إلى المشاركة الواسعة في هذه المحطة السياسية المهمة، وجدّد الدعوة إلى احترام القانون، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين المظلومين، وعلى رأسهم راشد الغنوشي، وتمكين الحركة من مقراتها، بحسب البيان.

ويُعتبر المؤتمر الـ (11) للنهضة ثالث مؤتمر علني في تونس بعد ثورة 14 كانون الأول (ديسمبر) 2011.

وسام حمدي: في كل الحالات، سيكون المؤتمر المقبل مغايراً لما سبقه شكلاً ومضموناً، وخاصّة أنّ الماسكين بدواليب الحركة الآن يروجون، بعدما تم توقيف زعيمها راشد الغنوشي، لفكرة ضرورة التغيير

من جانبه، يذهب الكاتب التونسي وسام حمدي إلى التأكيد على أنّ هذا الحدث لم يعد مهماً لدى الرأي العام، ولدى الأوساط السياسية، بقدر ما كانت أهميته طيلة عقد كامل، أمسكت فيه الحركة بمقاليد الحكم في تونس.

ويُفسر حمدي، في إطار تصريحاته لـ (حفريات)، تراجع انتظارات الشارع من هذا المؤتمر المزمع عقده في نهاية شهر تشرين الأول (أكتوبر) القادم، بعدة اعتبارات منطقية؛ يبقى من أهمها إخفاقات الحركة التي أدخلت البلد في أزمة سياسية، تلقّفها الرئيس قيس سعيّد في  شهر تمّوز (يوليو) 2021؛ ليعلن نهاية حقبة حكم النهضة، علاوة على تقلّص شعبيتها بشكل ملحوظ وبسرعة قياسية، أثبتت فعلاً حجم المكابرة وعدم التقييم الموضوعي في صلب الحركة، التي ظلّت تروّج للناس أنّها حزب قوي ومهيكل، ولا يمكن تذويبه، إلى أن باغتها الرئيس قيس سعيّد عبر إجراءات العام  2021.

وفي كل الحالات، سيكون المؤتمر المقبل مغايراً لما سبقه شكلاً ومضموناً، خاصّة أنّ الماسكين بدواليب الحركة الآن يروجون، بعدما تم توقيف زعيمها راشد الغنوشي، لفكرة ضرورة التغيير للخروج بالنهضة ممّا يسمونه عملية أسر زعامة الغنوشي للحزب طيلة (4) عقود خلت.

غير أنّ القيادات الجديدة، وفي مقدمتها الرئيس المؤقت للحركة المنذر الونيسي، الذي يبدو المرشح الأبرز لخلافة الغنوشي، ستواجه عدة أزمات ستكون عقبة كبرى أمام إجراء مؤتمر يُخرج النهضة من أزماتها، خاصّة أنّ الونيسي نفسه لم تكن له أدوار كبرى، ولم يكن طيلة (10) أعوام قيادياً من الصف الأول.

 ومن أهم المعوقات أيضاً الصراعات الداخلية الحالية الدائرة بين شقين؛ أحدهما يريد التعجيل بالمؤتمر، والثاني يدفع بقوة لضرورة انتظار الإفراج عن الغنوشي وقيادات أخرى مثل علي العريّض، كل هذا في تقدير الكاتب التونسي وسام حمدي سيقلص طبعاً من حظوظ تدارك الحركة الإسلامية للسقوط النهائي، الذي يهدد بقاءها كحزب قوي في تونس.

جدل الإصلاح التنظيمي

رغم تركيز القيادات الحالية على ترويج لإسطوانة تضييقات السلطة الحالية بقيادة قيس سعيّد ضدّ الحركة، إلّا أنّ أزمة النهضة في حقيقة الأمر أعمق من ذلك بكثير، فقد ظهرت الانشقاقات والاستقالات داخل الحركة قبل تمّوز (يوليو) 2021، وقبل وصول قيس سعيّد إلى الحكم، وذلك بسبب تعنّت الغنوشي، ورفضه جملة إصلاحات طالبت بها عدة قيادات منذ المؤتمر الـ (10) في العام 2016، وعلى رأسها تحرير الحركة من سطوة رئيسها وعائلته على كل دوائر صنع القرار داخل الحركة، أو في ما يتعلق بدواليب الحكم، عندما كانت النهضة حزباً حاكماً.

وبالنظر إلى كل هذه الإرهاصات، تقول القيادات المتحمسة لعقد المؤتمر: إنّها ستطرح ضمن اللوائح عدة إصلاحات تنظيمية؛ من أهمها سحب عدة صلاحيات كانت مخولة في السابق للغنوشي، في مقابل إعادة السلطة الحقيقية إلى مجلس الشورى، ويرى وسام حمدي أنّ كل هذا لم يعد ينفع في شيء، إذ لم يعد للحركة شعبية تجعلها تنهض من جديد داخلياً أو خارجياً.

كما أنّ هذا المؤتمر، إن تم فعلاً تنظيمه في موعده، سيكون فرصة جديدة تؤكد لأنصار الحركة أنّ زعيمها السابق لخّص النهضة في اسمه، بحيث لا مكان لإسناد سياسي أو مالي للنهضة حالياً دون وجود راشد الغنوشي، الذي سيطر على الحزب الإسلامي  عبر احتكاره الدائم لمفاتيح خزنة الأموال التي كان يتلقاها من دول ومنظمات داعمة لجماعة الإخوان المسلمين في مختلف الدول العربية.

ويختتم وسام حمدي تصريحاته التي خص بها (حفريات) بقوله: "في ما يتعلق بمستقبل العلاقة بين الحركة والسلطة الحالية، لا أعتقد أنّه ستكون هناك أيّ فرصة للتقارب أو التحاور، خاصّة أنّ الرئيس قيس سعيّد مضى في طريق اللّاعودة لاجتثاث النهضة بكل الطرق". ولفت حمدي إلى أنّه رغم وجود عدة أصوات داخل النهضة تطرح فكرة إعادة ترتيب البيت الداخلي، بالمشاركة ربما في انتخابات العام 2024، إلّا أنّ الأصوات المساندة لخيار الغنوشي الداعي لعدم الاعتراف بمسار 25 تمّوز (يوليو) وما تلاه من إجراءات سياسية، احتكر فيها الرئيس كل الصلاحيات؛ ستكون معرقلاً أمام دخول الحركة أيّ انتخابات في عهد الرئيس الحالي.

مواضيع ذات صلة:

لماذا يسعى الاتحاد التونسي للشغل لفتح قنوات حوار مع الحكومة؟

إيقاف الغنوشي.. للإخوان تاريخ طويل من التحريض على أمن الدولة في تونس

انحاز للفئات التونسية الفقيرة... ما تداعيات رفض سعيد لشروط النقد الدولي؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية